مذكرات خاصة بموقع مرايا بريس مذكرات خاصة بموقع مرايا بريس "لالة السعدية" امرأة في أوائل الستينات، تقاسيم وجهها الذي يزركشه وشم جميل لا تزال تعلوها بقايا حسن، وحين تبتسم يظهر، كشعاع خاطف، بريق سن ذهبية ترقب في، خيلاء، باقي أسنان الطقم. على كرسي فسيح من قصب، تنصبه كل صباح على باب منزلها، تجلس القرفصاء ترقب الرائح والغاد، وتوزع ابتساماتها بسخاء على كل من يمم نظره صوبها. يقول أهل الحي أنها كانت في صباها "شيخة" حسناء تصدح "بالعيوط" في حفلات الأعيان وترقص، موشحة، بأكاليل من أوراق نقدية ينثرها عليها، بتبجح، السكارى المترفون. كانت "لالة السعدية" قليلة التردد على غرفتنا، إلا أنها حين رأتني في شكلي الجديد الذي علته، صارخة، معالم الأنوثة، تكررت زياراتها.. بدأت تستوقفني، متوددة، كلما مررت بعرشها القصبي.. تمسكني من يدي، وترقب، بحسرة، أنامل غضة تقول أنها خلقت لتطبع عليها القبلات وترصع بالذهب.. تمرر كلتا يديها، المصبوغتان حتى السواد بالحناء، على شعري الحريري الكفيلة جدائله، حسب زعمها، بتكبيل "سيد الرجال" وجره صاغرا يتقلب على جمر هواي.. وتطنب في التغزل بقوامي الذي تميل معه العيون، سكرى، حيث يميل... كنت أطرب لحديثها وأنتشي.. وأزداد زهوا بمفاتني المصقولة بغواية... بحديثها ذاك كانت تحاول دفعي، وقد أدركت هذا منذ البداية، نحو عالم كنت قد دخلت سردابه من بوابة سرير "السي عثمان". باحترافية "القوادات" لفتني تحت جناحها، وتلبست كلماتها الساحرة وحديثها عن النعيم الذي سأرفل فيه، كل كياني.. كانت تضحك ملء شدقيها وأنا أحدثها عن علاقتي ب "السي عثمان" وتسخر مما اعتبرته فتاتا كان ينفحني به بعد كل وصال.. "لالة السعدية" تلك "القوادة" التي تشع طيبوبة وحنانا كانت "معلمتي" الأولى في مدرسة العهارة.. لقنتني أبجديات الدلال وأصول الغنج وقواعد الإغواء وفنون الفراش وجنونه.. ........................................ "خالد" فتى الحي الوسيم الخجول، كان طالبا بالجامعة، عاش يتيما في كنف أمه.. كنت ألمحه في ذهابه، أو عند عودته.. يسير وقورا، معتزا بنفسه.. حالماً كخيال.. لم يكن يبدو كطالب مبتدئ، بل، وبالرغم من صغر سنه ، كان يظهر في سمت الباحث أو الأستاذ الجامعي .. كان يبدو أن أحلامه كبيرة.. و يسير على هداها، ممتلئ بها.. كنت حين أراه أرسم صورة لي مماثلة، و أنا التي كنت متفوقة، و راودتني ساعتها أحلام كبار، ما لبثت أن طوتها الأيام بشكل يدعو للضحك الباكي. لم أكن أفكر فيه بالرغم من إعجابي الشديد به.. باعتباره من عالم غير عالمي.. عالم مغاير، مستحيل ... أنا العاهرة الفقيرة الصغيرة، و هو الشاب الطموح الذي ينتظره الكثير في أيامه المقبلة.. لكن حياتي تغيرت فجأة و انقلبت ذات يوم ... كنت عائدة للمنزل، و تقابلنا في منحنى ضيق، كدنا أن نصطدم, فتوقف هو بسرعة ابتسمت لها، بادلني ببسمة أخرى مفسحا لي الطريق قائلا في أدب جم: " تفضلي يا آنسة " رمقني بنظرة لم يخطئها قلبي.. كان قد لمحنى عدة مرات قبل ذلك، و قبل تحولي الأخير، في غير اهتمام، فكأنه الآن قد اكتشفني.. ظللت لحظة واقفة و قد كست وجهي حمرة الخجل.. فسرها هو بالتأكيد أنها تورد عذراء طاهرة.. بينما كانت في الحقيقة هي تلك الزلزلة التي أحدثتها كلمة "آنسة".. كلمة وضعتني مباشرة أمام أحلامي التي دُمرت... وذلك العالم الذي تحلم به أي فتاة.. عالم من النقاء و الاحترام.. كنت أحلم به .. و افتقدته.. و تلاشى كبخار.. وأدرك شهرزاد المساء.... [email protected]