دأبت مجموعة من الجهات المحسوبة على "الحركة الإسلامية" على الخروج إلى الرأي العام بخرجات تثير الكثير من الأسئلة. ومن واجب المناضلين من أجل القضية الأمازيغية ومن موقعهم كفاعلين في خضم الصراع الإيديولوجي والسياسي، أن يتتعاملوا مع كل إثارة تصدر من أي "جبهة" كانت تقصد النيل من قضيتنا العادلة والمشروعة، أو تشويه نضال إيمازيغن ووضعه في خانة "الاستقواء بالأجنبي" و"المراهنة على تجزيئ الوطن" وادعاءات من هذا القبيل، والتي يتأكد بالملموس أنها تروم محاصرة النضال الأمازيغي والمناضلين الشرفاء ووضع الحركة الأمازيغية في "موقع التسلل Hors-jeu" إزاء التعامل مع كل القضايا المصيرية للوطن. ذلك التعامل الذي يعالج الطروحات هاته من كل الزوايا انطلاقا من المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقهم، بل وفضحها وبيان تهافتها مع تأكيد منزلقاتها وأخطائها لأن الأمر لا يتعلق بتحاليل موضوعية هدفها النقد وإنما التسفيه والتخوين وتلفيق التهم إلى التحريض ضد الحركة الأمازيغية لمن لم يطلع على أدبياتها، بل وإظهارها بمظهر الشيطان الذي "يهدد اللحمة الوطنية". وحتى نكون بالتدقيق اللازم، نذكر القراء بالزوابع التي أثارها إسلاميو "حركة التوحيد والإصلاح" وهذه المرة في شخص أحد رموزها ومؤسسيها، وكذا المنتسبون إليهم والدائرون في فلكهم إلى جانب معتنقي العروبة على هامش التقرير الذي أصدره مركز برتغالي بتوقيع باحث إسرائيلي بخصوص إمكانية ربط علاقات مع أطراف من الحركة الأمازيغية ذات تأثير سياسي. وما زالت إلى حد الآن تكتسي طابعا من النقاش بقدر كبير من الحدة. ومن الغريب أن الإسلاميين هذه المرة لم ينتظروا جهة أخرى هي ربما ملمة بمثل هذه الدراسات حتى تنشر محتواها، بل يبدو كأنهم كانوا ينتظرون صدور الدراسة فتلقفوها و"ترجموا" محتواها لتُوجه بعد ذلك ضد "عدوها -أو خصمها بالتعبير الإسلامي- التقليدي المناصر لإسرائيل"، والواضح أنهم يترصدون مثل هذه الأشياء للنيل من مصداقية الحركة الأمازيغية وديمقراطيتها وتشبتها بقيم الحداثة والنسبية. والأمثلة على ذلك كثيرة، يكفي الإطلاع على ما ينشر في "إعلامهم" من المقالات أصبح كتابها من ذوي التخصص في كيل الاتهامات، والعجيب أنهم يدعون الموضوعية. لذا فالإسلاميون (التوحيد والإصلاح) فتحوها معركة ضد إيمازيغن، مستمرة تظهر تجلياتها في كل حين، وإن لم يكن في شخص من يرتبط بهم عضويا أو تنظيميا فقد سُخر من يقوم مقامهم، حملت جمعية تدعي أنها "للثقافة الأمازيغية وتواجه التطبيع" لواء الذود عن "حرمتها" (أي الحركة) رغم يتمها وتحركها تحركات ضد التيار، يبدو أن الحركة الأمازيغية علمت بشبهتها. وهنا بالظبط أود التوضيح أن لا المنطق ولا حركة التاريخ ولا كذلك المبادئ النسبية للحركة الأمازيغية تقبل بوجود "أمازيغيين إسلاميين" أو "فاعلين أمازيغيين ينطلقون من المرجعية الإسلامية"، والقول بعكس ذلك يعد ضربا من الجنون ولا أعتقد أن المناضلين في صفوف الحركة لا يدركون هذا. تظهر أقلام هنا وهناك للتشويش على تحركات مناضلي الحركة الأمازيغية ونجاحهم في تدويل القضية، ولتأليب الرأي العام ضد المطالب العادلة والمشروعة لإيمازيغن. ليتأكد من جديد أن المستهدف ليس هو "التطبيع" ولكن كل مناضل يناضل من أجل الميز على كل المستويات الذي تنتهجه الدولة على إيمازيغن، و"الدراسات الموضوعية" تتناسسل هنا وهناك وتتكاثر المقالات التي تحيلك على دراسات أخرى، كلها تروم البرهان على أن "إيمازيغن أقلية في البلاد" وهم "ليسوا إلا إثنية ضمن تعدد الإثنيات" في إطار "الوطن العربي" المزعوم، وأن "العرب كإثنية" لها من "الحضوة التاريخية والجغرافية والسياسية" الشيء الكثير. إلا أن التاريخ يكتب ولا يرحم أحدا، والجغرافيا تتكلم والدراسات الأنتربولوجية تثبت الحقائق مما لا يدع مجالا للمزايدة أو الجدل. تبقى السياسة مجالا لكل التناقضات الإيديولوجية وتضارب المصالح. الحركة الأمازيغية ماضية في ديناميتها السياسية، حيث استطاعت افراز منظمات قادرة على التاثير في دواليب السلطة رغم محدوديتها واختارت التعامل مع المنظمات الدولية لكسب مزيد من المكاسب السياسية. الأمر الذي ربما لم يستسغه الإسلاميون الذين اعتبروا أنها "ميادين ما يزال ولوجهم إليها محتشما، وإدراكهم لآليات العمل فيها محدودا"*. فلا عجب إن تكاثرت المقالات الموجهة ضد الحركة الأمازيغية بشكل مباشر أو غير مباشر، وإن تناوبت أقلامهم على كيل التهم لها. أنظر "منطلقات منهجية في إدارة التدافع حول القيم بالمغرب 2/2 " للمهندس محمد الحمداوي -http://www.alislah.org [email protected]