خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله ورعاه ملك المملكة العربية السعودية الشقيقة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد فلكم يا صاحب الجلالة خالص التحية والمحبة والتقدير, داعين الله تعالي لكم بطول العمر وحسن العمل, وبوافر الصحة والعافية, وبالتوفيق والسداد في كل مواقفكم وقراراتكم وجهودكم الكريمة, لما فيه صالح المملكة وشعبكم الكريم, وصالح أمتنا العربية والإسلامية وقضاياها المصيرية, وفي مقدمتها قضية فلسطين. خادم الحرمين الشريفين.. سبق أن كتبت لكم رسالة من القلب والعقل, في شهر رمضان المبارك قبل عامين, وطرقت بابكم مرات عديدة, وما زلت أطرق الباب حتي يفتح. هل تعلمون- أطال الله عمركم- لماذا كل هذا الإصرار ؟ أولا, لثقتنا وحسن ظننا بكم, فأنتم بحكم ما تتمتعون به من خصال كريمة وروح عربية إسلامية أصيلة, وما يتمتع به بلدكم الكريم( المملكة) من مكانة استثنائية عربيا وإسلاميا ودوليا, أصبحتم أمام مسئوليات استثنائية تجاه أمتكم, وأصبحتم موضع الآمال للكثير من أبناء العرب والمسلمين, فكيف بنا نحن أبناء فلسطين, حيث المسجد الأقصي المبارك الذي هو شقيق الروح للحرمين الشريفين!! وثانيا, لأنني واثق من موقفي, صادق في كل تفاصيله, أشهد الله تعالي عليه في سري وعلانيتي. ومن هنا ولأني صاحب حق, فأنا حريص علي المصارحة والمكاشفة من قبل جلالتكم, والاستماع لأي عتب كريم منكم, فأنا رجل لا أخاف من الحقيقة, بل أبحث عنها وأنحاز إليها مهما كانت مؤلمة, ولدي الشجاعة لكي أقر بالخطأ حين يثبت علي سبيل الافتراض أنني أو أحدا من إخواني وقع فيه. وثالثا, لأن محبتي لكم, والعلاقة التي جمعتني بجلالتكم طوال السنوات الماضية, وهي التي تشرفت بها وما زلت أعتز بها, كل ذلك يدفعني بإلحاح وإصرار إلي طلب اللقاء بجلالتكم حتي أوصل لكم الحقيقة كما هي, وكما أدين بها لله تعالي, والتي سبق أن أقسمت لكم عليها, وأنا واثق من إنصافكم, وأنكم لن تنتصروا إلا للحقيقة ولما يرضي ربنا سبحانه وتعالي. خادم الحرمين الشريفين.. إنني ما زلت أتطلع إلي اللقاء بجلالتكم !!!, ولذلك أرجو أن تتكرموا بتحديد موعد قريب, فاللقاء معكم أمر نعتز ونتشرف به, فضلا عن أهميته وضرورته بالنسبة للشأن الفلسطيني بشكل خاص والعربي بشكل عام, وأنتم بالنسبة لنا في مقام الوالد قدرا واحتراما. وإلي أن نلتقي بجلالتكم, حيث هناك الكثير لدينا مما يلزم الحديث الصريح والشفاف حوله معكم, فإني في هذه الرسالة أؤكد في عجالة علي التالي: 1 اتفاق مكة خير كبير أجراه الله تعالي علي أيدي جلالتكم, فجزاكم الله خير الجزاء. أعلم أنكم متألمون جدا علي نقضه وإجهاضه, وحق لكم ذلك, فنقض العهود والمواثيق جريمة كبيرة, فكيف حين يبرم الاتفاق برعايتكم وفي البلد الحرام بجوار الكعبة المشرفة, وفي أمر يمس فلسطين ودماء أبنائها؟! لكن, يعلم الله تعالي من فوق سبع سماوات أن الذي نقض اتفاق مكة غيرنا ولسنا نحن, ونقسم علي ذلك أيمانا مغلظة, فنحن في حماس كنا نعض علي الاتفاق بالنواجذ, وندعو لكم ليل نهار علي مبادرتكم الشجاعة والصادقة لرعايته وإنجازه, وكنا نسعي لتطبيقه علي الأرض نصا وروحا بكل إمكاناتنا فالمؤمنون عند شروطهم وعهودهم. لكن أطرافا أخري عديدة سأحدثكم عنها بالتفصيل حين ألقاكم هي التي انقلبت علي الاتفاق وتآمرت عليه, لأن الاتفاق لم يناسب بعضها ولم يعجبها, أو لأن بعضها الآخر لم يستشر في أصل الاتفاق ومبادرتكم الشجاعة لرعايته والدعوة إليه, أو لأن البعض الآخر اعتبر الاتفاق مجرد محطة مؤقتة لالتقاط الأنفاس, فبدأ منذ اللحظة الأولي يخطط ويحضر للانقلاب عليه. ثم كيف يمكن لإخوانكم وأبنائكم في حماس- يا خادم الحرمين الشريفين- أن ينقلبوا علي اتفاق مبارك: حقن الدم الفلسطيني, ووحد الصف, وأقام حكومة وحدة وطنية نحن علي رأسها, فهل يمكن لعاقل أن ينقلب علي نفسه؟!! هذا من حيث المنطق الموضوعي والسياسي, فكيف إذا كان الأهم عندنا هو منطق الشرع الحنيف الذي ندين به ونتعبد الله تعالي بالالتزام به, وربنا يقول يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود, ويقول سبحانه أيضا والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون. إن بعض الناس قد يتجرأ علي خداع الآخرين والكذب عليهم, وقد ينجح في ذلك, لكن من هو ذلك الشقي الذي يتجرأ علي الكذب علي الله ومخادعته؟ هل يستطيع أحد أن يخدع الله؟! حاشا وكلا!! إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم. 2 بالنسبة للعلاقة مع إيران. أعلم حجم القلق لديكم مما يجري في المنطقة, ومن حقكم في المملكة ومن حق العرب جميعا ونحن منهم وإليهم, أن يحافظوا علي أمنهم واستقرارهم وسلامة حدودهم وضمان مصالحهم. هذا بالنسبة لنا أمر بدهي لا يحتاج إلي نقاش أو جدال, فهذا حق كل الأمم بل واجبها, فكيف بالنسبة للأمة العربية التي نحن جزء أصيل منها, ونفخر ونعتز بأننا ننتسب إليها, وهي الأمة التي اختار لها الله تعالي معدنا أصيلا ثم شرفها برسالة الإسلام العظيم. إننا في فلسطين يا خادم الحرمين الشريفين أصحاب قضية عادلة, وقع علينا احتلال وعدوان وظلم متواصل منذ أكثر من مائة عام, وما زلنا تحت الاحتلال والمعاناة والتشريد والعدوان, ونحن نحتاج باستمرار إلي من يدعمنا بكل الوسائل حتي نتمكن من الصمود في أرضنا, ومقاومة الصهاينة المحتلين لبلادنا والمدنسين لقدسنا ومقدساتنا. وقد طرقنا باب الجميع, فمن استجاب لنا قلنا له شكرا, وهذا هو الذي يحكم علاقتنا مع كل البلاد العربية والإسلامية, بما فيها إيران, بل مع أي بلد آخر في العالم شرقا أو غربا. لكننا لا يمكن أن نقبل دعما مشروطا من أي دولة أو طرف, ولا يمكن أن نقبل ثمنا لأي دعم من أي دولة أو طرف كان. هذه سياستنا الثابتة التي بدأناها منذ أن انطلقت حركتنا, وما زلنا عليها, وسنبقي بإذن الله عليها حتي نلقي الله. نحن أحرار أعزاء لا يمكن أن نخضع لأحد, ونعتز باستقلالية قرارنا ووجهتنا. ثم إننا عرب أقحاح, نعتز بعروبتنا, ونحن سنة نعتز بانتسابنا إلي أهل السنة والجماعة, فلا يمكن علي الإطلاق أن تكون علاقتنا مع أي طرف في العالم, إيران أو غير إيران, علي حساب أمتنا العربية وأمنها ومصالحها, ولا علي حساب عقيدتنا, عقيدة أهل السنة والجماعة, التي نشأنا عليها, ونضحي في سبيلها, ونلقي الله عليها بإذنه سبحانه وتعالي. إننا إذ نقبل الدعم غير المشروط من أي دولة أو طرف بسبب حاجتنا إلي هذا الدعم لصالح شعبنا وقضيتنا, فإننا نرغب ونأمل أن يكون الدعم العربي لنا هو الأساس وله الأولوية, خاصة أن العرب هم عمقنا الأول, وهم الذين تحملوا مشكورين بكل دولهم وشعوبهم, والمملكة العربية السعودية في المقدمة, العبء الأكبر من الدعم لقضيتنا وشعبنا منذ بداية القضية الفلسطينية. خادم الحرمين الشريفين.. لقد سررنا كثيرا باللقاء مع سمو الأمير سعود الفيصل, وبالحوار الصادق والشفاف معه, وبالمكاشفة الأخوية التي كنا نتطلع إليها منذ زمن, فجزي الله جلالتكم وجزي سموه علي ذلك خير الجزاء, وإن شاء الله هي بداية طيبة لخطوات تالية. وما زلنا نتطلع إلي اللقاء مع جلالتكم, فلا شيء يغني عن ذلك, وأنا واثق أن نفسكم ستنشرح لذلك, كما ستنشرح عند اللقاء بإذن الله, فنفوسنا ممتلئة بفضل الله بالصدق, والشجاعة في قول الحق, والتسليم بالحق, ممزوجا ذلك كله بمشاعر حب صادق نحوكم, واحترام وتقدير عميقين لكم ولبلدكم العزيز المملكة العربية السعودية ولشعبها الكريم. خادم الحرمين الشريفين.. هذا غيض من فيض مما لدينا لنقوله لجلالتكم, علي أمل اللقاء العاجل والقريب بكم, ولكم منا خالص التحية والمحبة والتقدير, والله يحفظكم ويرعاكم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. خالد مشعل رئيس المكتب السياسي