عبور الشعر* الشعر المغربي بين (الحريك)..والهجرة القانونية -1- ظاهرة جديدة غدت تفرض نفسها بحدة اليوم ، في مشهدنا الشعري العربي،ومنه المغربي وان كان ذلك بشكل متفاوت ،كصرعة وموضة مافتئ الشاعر المعاصر يوليها اهتماما كبيرا،إنها هجرة النصوص الشعرية العربية إلى لغات/ سياقات ثقافية أخرى ،وسيلتها الأثيرة،في ذلك ،الترجمة. فبعد أن ترجمت مجموعة من المصنفات و الروائع الأدبية العربية ،برغبة وبمبادرة من الاخر،أعمال فجرها الحراك الثقافي الذي عاشته العواصم العربية زمن مدها الحضاري ،وانفتاحها الثقافي كالمقامات،وألف ليلة وليلة ،وفلسفة ابن رشد ،وعرفانية ابن عربي وغيرها ،مبادرة تحكم فيها الاستشراق المنشطر ،على كل حال ،إلى حركتين ،الأولى ترجمت تراثنا بشكل منصف ،وعادل وموضوعي ،و أخرى ظلت محكومة بالأصولية الفجة ، والعرقية السافرة ،تعاملت مع التراث بنوع من الانتقائية ذات النزوع الاستعماري إذ يقول، هنا، ادوارد سعيد " فلذلك ببساطة أومن بأن الاستشراق كان هونفسه نتاجا لقوى و نشاطات سياسية معينة "(1)قلت ،فبعد أن تهافت الاستشراق على هذه النصوص و كرس من خلال ترجماته المغرضة في الغالب ،صورة نمطية و سلبية للعربي في الذهنية الغربية ،نلفي أنفسنا اليوم أمام إهمال و تهميش ،لاتخطئه العين الفاحصة ،بشكل قاس للأدب العربي الحديث تصديرا،أقصد .و السبب في اعتقادي ،يكمن أساسا في كوننا لا نمتلك مشاريع سياسية في الترجمة ،ولاحتى نية في هذا الاتجاه ،فكيف لنا أن نصحح صورتنا المشوهة في ذهن الاخر؟وكيف لنا أن نساهم في الإنتاج حتى نكون جديرين بهذا العصر؟ ولأهمية هذا الفعل المارد والمتزأبق دونما انقطاع ,نتساءل:ماذا تعني الترجمة؟ألايمكن اعتبارها سبيلا للعالمية ،أي المشاركة في مستلزمات الحداثة الكونية؟ألايمكن اعتبارها كذلك وسيلة للحوار و السلم و التعايش,لاكيرا يوقظ جذوة الأحقية و الأصل و التمركز؟ -2- قال هيدجر ذات مرة "قل لي رأيك في الترجمة ,أقول لك من أنت " الترجمة على هذا الأساس هي دوما و أبداوسيلة للاقتراب من الآخر حيث تقبع الذات,لاكتشافه أيضا ،هذا تحديدا ما يقوله"ريتشارستملمان "حين حديثه عن حوارية باختين ،هذا الأخير بدوره يصرح بأننا "لا نستطيع الإحساس باللحظات الأكثر أهمية في حياتنا ، إلا عبر الأشكال التي تأخذها هذه الأخيرة داخل وعي الآخر،داخل مرآة،عاكسة للغير ،و يستحيل علينا إدراك الإنسان خارج العلاقات التي تربطه بالآخر"(2) ولعل الحفر الأركيولوجي بمعاول التنقيب الذي قام به الثنائي عز الدين الخطابي و إدريس كثير ،أيضا و بشكل قوي عبد السلام بنعبد العالي و طه عبد الرحمان في المبحث الفلسفي المعاصر يفيد كثيرا في هذا المجال .إن جاك دريدا ،حسب الثنائي المذكور ،و هو يبحث في مفهوم الترجمة traduction،ينتهي إلى القول إنها مستحيلة و متعذرة (3) .و من هذه الحافة قسم دريدا الترجمة إلى حرفية و أخرى مؤولة ،الأولى تقوم بنسخ النص الأصلي بشكل مبتسر و سافر على حساب المعنى ،أما الثانية فتعمل على تبيئة المدلولات بمراعاة السياق وخصوصيات الثقافة المستقبلة . و على النحو الأخير كنت تجد ابن رشد يحاول فهم و شرح أرسطو آخذا بعين الاعتبار الوازع القيمي-الديني المهيمن في الثقافة العربية الإسلامية كثقافة مستقبلة .و هو بذينك عمل على تأصيل أسس التفكير الفلسفي عند المعلم الأول، في ثقافتنا العربية الإسلامية المحافظة دونما شروخ أو فجوات .وعليه فان الترجمة الأصيلة،على ما يبدو ،هي وسيلة للاقتراب و الدنو من الغير لا بهدف التماهي و التماثل ،وإنما بغاية الاختلاف و المغايرة .إنها حوار لا محيد عنه بين الثقافات ،حوار يقول إدريس كثير "لا ينحصر في المناقشة أو الجدال أوالسجال أو التناظر ...إنما يتعداه إلى حوار الجسد و حضوره ،إلى إيقونات المجتمع ورموزه وإبداعات الفن والأدب و بلاغته "(4). وليس من شك ،عودة إلى دريدا ،أنه انتصر بشكل كبير لاستحالة الحديث عن الترجمة الأمينة ،وكذا المراهنة عليها ،ما دفعه يستبدل المفهوم بمفهوم التحويل (5).وهنا بالضبط يتوجب استحضار الحكم الشائع في حق الترجمة بكونها غشا وخيانة للنص الأصلي . ولئن كانت اللغة بتعبير هيدجر مسكن و مثوى الوجود الذي لطالما غيب ،فان المقارنة بين اللغات(الترجمة)(6) باعتبارها خيانة ،هي خيانة للوجود،أوبالأحرى فعل يؤسس للغياب و النسيان ،لا التذكر ،تذكر المنسي واللامفكر فيه.طبعا نتحدث هنا عن الترجمة كتحويل حرفي ينهض على الثني pli ،ثني اللغة و ما تكتنزه ،لا الترجمة الأصيلة . -3- "الترجمة حوار هادئ بين الثقافات"(7) من حافة العبور هاته ،نقول إن الترجمة مدخل الشعر المغربي نحو العالمية استيرادا و تصديرا.إنها أفق حداثتنا الشعرية،و الترجمة المجدية ،في نظري،لايمكن أن تكون إلا من و الى لغة كبيرة من لغات العواصم المركزية ،لأن ذلك يعد "نوعا من التكريس للعمل الأدبي (...)و الكتابة بهذه اللغة ذات النفوذ أو الترجمة إليها في ذاتها شهادة أدبية «(8).و بتحقيق الانتشار الواسع و الاستهلاك الكوني يصبح شعرنا مشاركا بالفعل في التحديث .إننا ،بنقل أعمالنا الشعرية إلى لغات مهيمنة ومتحكمة في الترويج و التسويق نجانب الانغلاق ونذعن للعبور ،نتجاوز ميتافيزيقا الشعرية (تلك التي تهيئ كل شيء سلفا و لا تقبل بالحوار )، ونمنح أنفسنا فرصة قراءتنا بشكل مختلف و مغاير تماما، بل قل للتدقيق نصحح صورتنا في ذهن الآخر ،لم لا .إننا بذلك نمنح النص إمكانية أن يحيا مرة ..مرات أخرى.ولكي نؤهل قصيدتنا لهذا العبور يقول الدارس محمد بنيس بأن الكتابة"بالعربية وحدها لا تكفي لتجعل من قصيدة قصيدة عربية"(9)،هذا يعني أنه يتعين علينا أن نتجول داخل مخيلة الآخر كذلك ،و أن نكتب من داخلها ،سيكون ذلك مفيدا لامحالة .و يستأنف محمد بنيس قوله " شعر الغرب مسار جديد ،قلب للوعي الشعري وللمصير الشعري "(10)،بل يصل به الأمر إلى حد القول "أما المرجعية الغربية فهي المرجعية التي لن يحيد عنها فريق حتى دعاة الأدب الإسلامي"(11). هو العبوراذن قدرنا المحتوم .العبور على متن الترجمة ،و في كل عبور،في كل ترجمة "مصير وكلام مستور لمصير شعري ،هو أسماء الحداثة بامتياز يزوبع القصيدة ،يرحل بها في المجهول الذي يتعمم قليلا قليلا"(12). إن بنيس وهو يتحدث عن التمفصل الحاصل في القصيدة المغربية خلال سبعينيات القرن الفائت ،بفعل الترجمة ،حيث أدركت القصيدة لحظتئذ"أن الترجمة ملازمة للحداثة ،في التجربة الشعرية الحديثة "(13)،يمنحنا مشروعية صياغة السؤال التالي :ألايمكن القول إنه آن الأوان للشعر المغربي لكي يصبح مشاركا و فاعلا في التحديث ،لا منفعلا و متأثرا فقط؟هذا لن يحدث طبعا إلا بمنح العبور ازدواجية في الحركة ،عبور الآخر إلينا ،و عبورنا إليه من اجل تصحيح حداثة عربية معطوبة .لكن ماذا نقول عن مآزق اللغة الشعرية؟وعن صعوبة نقل حرارتها؟فليس هناك معنى حقيقي للنص على حد قول بول فالوري ،بل و إن تسمية الأشياء (في الشعر)تذهب ثلث أرباع متعة النص يقول مالارمي . * 4 – سؤال جوهري نكرره مرة أخرى،هل التقليعة الجديدة التي يحياها الشعر المغربي الراهن في السنوات القليلة الأخيرة،من تهجير النصوص المركزية (الفصيح)و الهامشية (الزجل) الى لغات كبرى ،مجرد موضة سرعان ما سيتبدد سديمها ووهمها ،أم أنها عمل مدرك ومؤسس ضمن استراتيجية واضحة؟ يبدو الجواب عن هذا السؤال في غاية البداهة ،إذ يمكن القول حسب المؤشرات الموجودة ،إن الأمر لايعدو أن يكون مجرد ترجمات تحت الطلب في الغالب ،و إن الدولة ليس لها مشروع سياسي في هذا الاتجاه ولا حتى رغبة في ذالك ، كما هو الشأن بالنسبة لبعض الدول العربية ،كبرنامج "الألف كتاب"الذي تسهر عليه وزارة الثقافة المصرية ،إضافة إلى مشروع المنظمة العربية للترجمة التي أنشئت سنة 2000،ثم مشروع "كلمة"في أبي ضبي ،دون إغفال المشروع السوري،،في مقابل دور ضعيف لمشاريع الترجمة في المغرب العربي. وتبقى بعض المحاولات الفردية و الجادة ،من قبل بعض الشعراء المكتوين بنار التحديث ،و المتلبسين بالرغبة الملحة في تكريس المنتوج الشعري المغربي كصناعة محلية موقعة signé ،ومرشحة – بفعل جودتها - للتصدير و الاستهلاك البرانى، تصارع الفراغ المتلبس بالرطانة والإنتظارية ،والجاهزية ،والمحكوم بمؤشر بورصة المركزية الثقافية الغربية، نذكرهنا خصوصا المحاولات الجادة للشاعر المهدي أخريف في سعيه الدؤوب إلى فتح طريق الحوار الشعري المغربي الاسباني ،وكذلك تجربة الشاعر الرائع عبد اللطيف اللعبي مع الشاعرة عائشة البصري من خلال نقل إحدى مجموعاتها الشعرية إلى الفرنسية، و التحويل الذي حظيت به مجموعة "المستحمات" للشاعر حسن نجمي ،إلى اللغة الايطالية ،دون نسيان المغامرة الرائعة للشاعر مراد القادري من خلال نقل ديوانه الزجلي "غزيل البنات" إلى اللغة الاسبانية من طرف أحدهم، وكذا تجربة الشاعر محمود عبد الغني ووداد بنموسى ،وأخرين قلة يعدون على رؤوس أصابع اليد الواحدة. * 5 – لقد كانت الترجمة ،إلى عهد قريب ،كما توضح محكومة بنعرة استشراقية عنصرية ترى في معرفة الشرق أطرافا خصبة تغذي تمركز الغرب ،وقوته،وعنصريته.أما وقد تأكدت أهمية الترجمة فماذا تبقى لنا إذن؟ هوامش: *القيت هذه الورقة ضمن فعاليات مهرجان ربيع الشعر بزرهون ،دورة ابريل 2008والتى حملت شعار "الشعر والترجمة " -1 إدوارد سعيد" الاستشراق"نقله إلى العربية كمال أبوديب ،مؤسسة الأبحاث العربية –ص:14 2 2- ميخائيل باختين :عن أسئلة الكتابة أو حوار الفلسفة والأدب "لادمون جابيس –ترجمة عزالدين الخطابي وإدريس كثير – منشورات ما بعد الحاثة – فاس – ص:16 3-أنظر" في الحاجة إلى إبداع فلسفي"-عز الدين الخطابي وإدريس كثير منشورات الزمن 2008ص؛56 4- إدريس كثير :"الترجمة حوار هادئ بين الثقافات "فكر و إبداع –الاتحاد الاشتراكي- 8819-14 مارس2008 5-انظر"في الحاجة إلى إبداع فلسفي"-مرجع سابق .ص:60 6- "الشعر والفلسفة "إدريس كثير-العلم الثقافي -6 مارس 2008 7- إدريس كثير:مقال سابق 8- منى محمد طلبة:عالمية الأدب من منظور معاصر – عالم الفكر-ع2م33- أكتوبر- ديسمبر 2004.ص:183 9- محمد بنيس:الحق في الشعر – دار توبقال للنشر .ص :81 10- نفسه- ص:92 11- نفسه- ص:92 12- نفسه- ص:87