أضحى الدخول إلى مدينتي سبتة ومليلية يشكلحلما للعديد من الأطفال الذين يرغبون في التوجه إلى إسبانيا، مما فتح المجال لشبكات تهريب القاصرين إلى هاتين المدينتين لتقاضي مبالغ مالية كبيرة من آباء وأولياء أمور هؤلاء الأطفال. وتتمثل الخطوة الثانية في تكفل جمعيات المجتمع المدني الإسباني بهم في مراكز للإيواء إلى حين بلوغهم سن الرشد. ويشجع القرب الاسباني من المغرب (حوالي 14 كلم من المياه الفاصلة بين البلدين) هذه الظاهرة لدى العائلات الفقيرة. فقد وصل عدد الأطفال المغاربة بإسبانيا، حسب تقدير مسؤول بوزارة الهجرة الأسبانية، خلال زيارته السنة الماضية للمغرب، إلى حوالي 2800 طفل. أضحت عوامل الفقر والجهل من الظواهر التي غالباً ما تدفع الأسر المغربية لتهجير أطفالها إلى إسبانيا. ويرى الدكتور محمد الخشاني ، الباحث المتخصص في ملف الهجرة إلى إسبانيا ، أن الأسر هي التي غالبا ما تدفع بأطفالها للدخول إلى سبتةومليلية. وهذه الأسر حسب الخشاني " غالبا ما تكون فقيرة ومحتاجة إلى من يعيلها ". وأوضح الخشاني، أستاذ العلوم القانونية والاقتصادية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن هذه الأسر أصبحت تدرك أن"إيواء أبنائها من قبل مراكز الإيواء الإسبانية أفضل بكثير من بقائهم في حضن العائلة؛ كما أنه يزيد من حلم حصولهم على حق الإقامة ". ويقر حسن، وهو رب أسرة مكونة من سبعة أفراد وينحدر من مدينة خريبكة وسط المغرب، بأنه دفع بابنه القاصر للهجرة إلى سبتة لأنه "لا يتوفر على الإمكانيات الضرورية للعيش الكريم". وأوضح حسن أن ابنه رفض الذهاب إلى المدرسة، التي انقطع عنها مباشرة بعد انتقاله إلى التعليم الإعدادي، و لم يجد من فرصة للبحث له عن مستقبل سوى منحه " 200 درهم " للوصول إلى مدينة الفنيدق ومن هناك " تمكن من الدخول إلىسبتة ". ويشرح حسن أن ابنه دخل إلى سبتة، وفي ظرف شهر تم العثور عليه من قبل منظمة غير حكومية إسبانية. وبعدها نُقل إلى أحد مراكز الإيواء في مدينة الميريا الإسبانية حيث تعلم اللغة الإسبانية وحرفة الصباغة. وبعد بلوغه سن 19 غادر المركز بطريقة سرية. وحسب محمد الخشاني فإن عدم توفر شروط " التدريس وعمليات التوعية والعيش الكريم لدى هذه العائلات الفقيرة " في المغرب ومعرفة الأطفال وأوليائهم بأن " القانون الإسباني يحميهم" يزيد من عدد الأطفال الذين يختارون طريق الهجرة. وعن السياسة الحكومية التي وضعها المغرب لمحاربة هذه الظاهرة قالت نزهة الصقلي، وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن المغربية، إن وزارتها تدخلت عبر برنامج وقائي " للأطفال غير المرفقين". وأضافت الصقلي في حوار مع دويتشه فيله أن هذا " البرنامج الوقائي يشمل وزارتي الداخلية والخارجية المغربيتين أيضا ". وأوضحت الوزيرة أن هذه البرامج " تهدف إلى تضييق الخناق على شبكات التهريب التي تقوم بتهجير الأطفال ". وبالفعل تم اعتقال ومتابعة العديد من المتهمين بالوقوف وراء نقل الأطفال المغاربة إلى إسبانيا. وفي ردها على سؤال حول النتائج التي حققتها هذه البرامج قالت الصقلي إن " هناك نتائج مهمة حققتها هذه البرامج " إذ تم " خفض عدد الأطفال بمدن الشمال ومراكز الإيواء الإسبانية ". وشددت الوزيرة على أن " نسبة هجرة هذه الشريحة عرفت تناقصاً ملحوظا في السنتين الأخيرتين ". وأمام تزايد هجرة الأطفال إلى سبتة ومليلية، ترتفع أصوات المنظمات والجمعيات الحقوقية للمطالبة بوضع حد لهذه الظاهرة. وتطالب هذه المنظمات باحترام المواثيق الدولية التي تدعوا لحماية حقوق الأطفال وعيشهم في بيئة سليمة. وفي هذا السياق قالت أمينة بوعياش، رئيسة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، في حوار مع دويتشه فيله، إن منظمتها كانت " تطالب دائما بإلزامية احترام حقوق الطفل " ، سواء في البلد، مصدر الهجرة، أو مناطق العبور، وذلك في إشارة إلى سبتة ومليلية، أوفي البلد المستقبل لهذه الشريحة الاجتماعية. وكشفت رئيسة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان أن هناك مساطر قانونية معقدة في القانون الإسباني بصفة عامة، إلا أنها ألحت على ضرورة استفادة الأطفال الموجودين في مراكز الإيواء من كل سياسات الإدماج، لتفادي تعريضهم للتهميش والإقصاء من قبل شبكات أخرى. وأوضحت بوعياش أن منظمتها كانت قد طالبت بتوفير الدراسة بمراكز الإيواء. وقد أنشأت جمعية " دارنا " بمدينة طنجة ، وهي إحدى جمعيات المجتمع المدني المغربية، مركزا لإيواء الأطفال الراغبين في الهجرة إلى إسبانيا. وتقوم الجمعية بتعليم الأطفال حرفاً مختلفة قصد إدماجهم في سوق الشغل بالمغرب، كما تقوم بتوعيتهم بمخاطر الهجرة غير القانونية. وحسب الطفل القاصر محمد (17 سنة) فقد نجحت الجمعية في إقناعه بالتخلي عن فكرة الهجرة إلى إسبانيا، إذ تم تعليمه فن الطبخ مما ساعده على الاندماج في الشغل . المصدر : دويتشه فيله