أثارت مبادرات الحكومة الفرنسية المتمثلة في إطلاق نقاشات حول الهوية الوطنية و أخرى حول ارتداء البرقع ، و الحديث مؤخرا عن مشروع لتشديد قانون الهجرة، حنق و غضب المهاجرين الذين يستنكرون سياسة " التمييز" المناقضة لقيم الجمهورية الفرنسية. فقد تضاعفت المظاهرات المساندة للمهاجرين في فرنسا بغية إدانة هذه الوضعية " المؤسفة"، عن طريق مبادرات جديدة تصل إلى غاية المطالبة بإلغاء " واضح و بسيط " لوزارة الهجرة و الهوية الوطنية، و كذا تنظيم " يوم بدون مهاجرين " أمس الاثنين من أجل إبراز الثقل الاقتصادي لهذه الشريحة العريضة من المجتمع. وسواء أتت هذه المظاهرات تلبية لنداء الأحزاب السياسية أو النقابات أو المنظمات غير الحكومية، فإنها ترفع شعارا واحدا هو : تحسين صورة المهاجرين باعتبارهم مكونا أساسيا للمجتمع الفرنسي يستحق العيش في سلام و التمتع بالكرامة. + تحسين صورة المهاجرين + بطلب من ائتلاف يتشكل من 85 منظمة، بما فيه حزب الخضر، جمعية أطاك، الحزب الشيوعي الفرنسي و جبهة اليسار، اجتمع حوالي 7000 متظاهر، بعد ظهر يوم السبت الماضي وسط باريس، للتظاهر في مسيرة وصلت إلى غاية وزارة الهجرة، مطالبين ب " إلغاء" هذه الوزارة و " نهاية الاستعمار". وتندرج هذه المظاهرة في إطار " الأسبوع الخامس لمناهضة الاستعمار" بفرنسا ( 19 - 28 فبراير) ، و الذي استهدف إظهار العلاقة بين " استعمار الأمس واليوم، في ارتباطه بكيفية معاملة الشباب ذوي الأصول المهاجرة والمهاجرين غير المتوفرين على وثائق الإقامة، على سبيل المثال ". ويعتقد المنظمون بوجود " ثقب أسود في الذاكرة يهم قضية الاستعمار، مما حال دون تسوية الإشكاليات المرتبطة بالتمييز ". " يوم بدون مهاجرين"، الذي دعا إليه ائتلاف " 24 ساعة من دوننا "، هي مبادرة أخرى تدعو " المهاجرين و أبناء المهاجرين و المواطنين الواعين بإسهام الهجرة في فرنسا، " إلى التوقف عن " الاستهلاك و العمل " خلال هذا اليوم، وحمل شارات صفراء كتعبير عن التضامن فضلا عن المشاركة في التجمعات. وأوضح المنظمون حسب ما تم نشره على الموقع الإلكتروني للائتلاف الذي أريد له أن يكتسي طابعا سياسيا، " للمرة الأولى في فرنسا، قررنا عدم المشاركة في الحياة اليومية للمدينة، و من خلال هذا الغياب نريد إظهار الحاجة الماسة لتواجدنا ". ويريد الائتلاف من خلال هذه المبادرة التعبير عن سخطه إزاء هذه " الانزلاقات " والتصريحات " المدانة "، التي أضحت متداولة ضمن الخطاب السياسي الفرنسي. وتم استلهام هذه التظاهرة التي تتضمن إقامة تجمعات بعدد من المدن الفرنسية والبلدان الأوروبية ( اليونان، إيطاليا) ، من حركة احتجاج خاضها المهاجرون من أصول اسبانية بالولايات المتحدةالأمريكية في سنة 2006. فباستهدافهم من طرف قانون يجرم العمل غير المشروع، قام مئات الآلاف من المهاجرين الأمريكيين - اللاتينيين بشل حركة المدن الكبرى ليحصلوا بذلك على سحب هذا النص. + فرنسا لا يمكن أن تتخلى عن المهاجرين + علاوة على الدلالة الرمزية التي تكتسيها الدعوة إلى مقاطعة الاقتصاد الفرنسي، يبقى رهان المهاجرين عبر تنظيم هذا اليوم أكبر من ذلك. فالأمر يتعلق بالبرهنة على أن فرنسا لا يمكن أن تستغني عنهم، و من تم وجب القول أنه من الصعب تصور نقيض ذلك، اعتبارا لعدم إمكانية إنكار مساهمتهم في ازدهار فرنسا. وفي الواقع يشكل المهاجرون جزءا لا يمكن تجاهله من الساكنة النشيطة لفرنسا، وذلك بنسبة 6ر8 بالمائة، حسب المعطيات الأخيرة المأخوذة عن الجرد الذي أجراه المعهد الفرنسي للإحصائيات و الدراسات الاقتصادية في سنة 2007. وهي نسبة ترتفع أكثر مع الأخذ بعين الاعتبار الساكنة النشيطة فقط ( خارج فئة العاطلين عن العمل )، حيث مرت هذه النسبة حسب أرقام منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، من 7ر10 بالمائة في 1995 إلى 3ر11 بالمائة في سنة 2007. وأوضح جان بيير غارسون، رئيس قسم الهجرة الدولية بمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية أن " هذا الاستقرار الذي يميز حضور المهاجرين في الشغل بشكل عام يظهر أنه لا يمكن الاستغناء عنهم مهما كانت الظرفية ". ولا يقتصر حضورهم فقط، كما يمكن تصوره، على القطاعات التي تمر بفترة تراجع مثل الفلاحة و الصناعة لكنه يمتد ليطال أنشطة أخرى، ثالثية على الخصوص. ففي قطاع الفندقة، على سبيل المثال، فإنهم يمثلون أزيد من 20 بالمائة من اليد العاملة المستخدمة، بينما يتزايد عددهم كذلك في قطاعات أكثر تطورا، من قبيل المعلوميات ( 4ر17 بالمائة) أو بالمقاولات ( 5ر16 بالمائة ) . وترى منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية أن نصيبهم الصافي من خلق مناصب الشغل آخذ في الارتفاع، مع نمو يطبع النصف الثاني من هذا العقد، ليرتفع إلى 40 بالمائة في المتوسط ، مقابل 13 بالمائة ما بين سنتي 1997 و 2007.