قال الفنان التشكيلي عبد الله الحريري إن من أهم المراحل التي طبعت مساره الفني مرحلة السواد ذلك أن السواد هو "فضاء الحميمية والحب والحلم والهدوء" معتبرا أن البياض يمثل عكس ذلك كله. وأضاف، خلال لقاء نظمته فيلا الفنون مساء أمس الأربعاء، أنه قبل أن يقع في حب السواد كان مولعا بالحرف العربي الذي كان يتعامل معه وكأنه يلعب، معتبرا أنه "كان يأخذ ثأره من الحرف العربي بقدر ما كان مفتونا به". وأوضح الحريري أنه بعد هزيمة 1967 وجد الفنانون العرب أنفسهم أمام سؤال الهوية، فكان أن انكبوا على استعمال الحرف العربي في لوحاتهم قائلا: "لقد بقيت وفيا للحرف العربي بالنظر إلى كوني كنت مغرما بهذا الحرف". وعن سؤال حول سر وقوفه على حرف الحاء الذي يظهر بكثرة في لوحاته قال "الحاء فيها الحلال والحرام، وحاء الحريري أيضا". وأشار الناقد الفني فريد الزاهي من جهته إلى أن ذاكرة الفن المغربي ذاكرة غير مدونة قائلا "حبذا لو اجتمعنا اليوم حول كتاب عبد الله الحريري، نكون قد شاركنا فيه جميعا، ثم نأتي إلى هنا للحديث عنه والترويج له ونكون بذلك قد روجنا لفن الحريري". وأكد على أن استعمال عبد الله الحريري للحرف كان ضمن لعبة كما أشار إلى ذلك الفنان نفسه، إذ لم يكن عبد الله الحريري أبدا خطاطا ولم يندرج ضمن ما سمي في الشرق بتيار الحروفية. أما الفنان التشكيلي عيسى إيكن فأشار إلى البعد القدسي للحرف داخل لوحات الحريري مؤكدا على أهمية المحيط لدى هذا الأخير وأهمية القوى الداخلية التي توجه علاقة الفنان بالحرف. وشدد على كون الحريري لا يقدم نفسه خطاطا بقدر ما يعتبر فنانا يبحث عن استعمال الحرف لتشكيل لوحة جميلة. ومن جهته، اعتبر الباحث نور الدين أفاية أن الحريري يستمد قيمته من أعماله وليس مما يقال عنه، وأنه يسجل حضوره الفني باستمرار وبتواضع وفي صمت وعفوية، وقد تمكن من التغلب على الثنائيات الوجودية بين الشرق والغرب والأنا والآخر.. كما أن له شخصية ثابتة لكنه منزاح يتهكم من كل كلام جاهز ويرفض الصور الجاهزة و"يخرج عن السطر" كما كان يقول عنه الفنان الراحل محمد القاسمي. واعتبر أن أعمال الحريري مثيرة للإعجاب فهي "مصدر إدهاش وفرح، وهذا الشعور العام يجتاح المرء عندما يكون أمام عمل جليل" وقال "إن لوحاته لا تدعو إلى المشاهدة فقط بل إلى الإصغاء إليها وإلى نبراتها". وخلص أفاية إلى أن الحريري يبدو وكأنه إنسان دائم الفرح، "لديه معاناته ولعل فترة السواد تترجم ذلك، لكن الحريري يثبت أن ليس من الضروري أن تعبر اللوحة دائما عن ذلك". وقد قدمت لوحات عبد الله الحريري على شاشة رقمية كبيرة عارضة مختلف المراحل الفنية التي قطعها، كما أن الفنانتين الصاعدتين الشقيقتين الخمليشي غيثة (13 سنة) وهبة (9 سنوات) أهدتاه في نهاية الحفل لوحتين من إبداعهما.