تحل غدا الثلاثاء الذكرى ال58 لانتفاضة 16 غشت 1953 بوجدة التي شكلت نقطة تحول هامة في تاريخ الكفاح الوطني من أجل الاستقلال، وكانت بمثابة الانطلاقة الفعلية لثورة الملك والشعب التي انخرط فيها مجموع الشعب المغربي. وتعد انتفاضة 16 غشت بوجدة من أبرز الذكريات الوطنية التي تجدد فيها التلاحم بين العرش والشعب، وجسدت معاني المقاومة في سبيل تحرير الوطن والمواطن في تلك الفترة المبكرة من مسيرة الكفاح الوطني، وشحذت همم الوطنيين مما أدى إلى قيام انتفاضة مماثلة في اليوم الموالي بتافوغالت ببركان وإلى ثورة وطنية شاملة ضد مناورات المستعمر في 20 غشت 1953. ففي بداية عقد الخمسينيات من القرن الماضي، أخذت سلطات الحماية تصعد من مضايقاتها للعرش المغربي بسبب نضاله الذي لم يتوقف من أجل الحصول على الاستقلال ودعمه لمطالب الحركة الوطنية، واشتد الوضع في غشت 1953 فتوجس سكان مدينة وجدة من إقدام سلطات الحماية على تصرف طائش يمس مقدسات الشعب المغربي وينال من حقوقه وكرامته، فخرج الناس في 16 غشت إلى الشوارع في انتفاضة كانت بمثابة الشرارة الأولى لثورة الملك والشعب وحولت المغرب إلى خضم يموج بأعمال التضحية والبطولة الوطنية. وكان يوم الأحد 16 غشت 1953 يوما بطوليا مشهودا لا تزال أحداثه راسخة في أذهان العديد من المقاومين وساكنة المدينة. وقد فاجأت انتفاضة ذلك اليوم المستعمر الذي لم يتردد في إطلاق الرصاص وسقط نحو 29 في صفوف الجنود والشرطة والمتعاونين وجرح نحو 48 بجروح مختلفة بينما استشهد ثمانية من الوطنيين وجرح عدد آخر، وانطلقت الاعتقالات ومورست مختلف أنواع التعذيب الوحشي واستشهد العديد من المجاهدين أثناء الاستنطاق، كما مات بعضهم في مركز الشرطة وحشر العشرات في زنزانة واحدة بدون نوافذ فضلا عن تقديم العديد منهم إلى المحاكم. ووعيا بالتهديدات التي كانت تحذق بأب الأمة جلالة المغفور له محمد الخامس، طيب الله ثراه، واجه الوجديون بشجاعة الآلة القمعية للقوة الاستعمارية وتمردوا على النظام الاستعماري وقاوموا تواجد القوات الأجنبية، وكانت تلك أشكال متعددة للمقاومة سبقت الإعلان عن ثورة الملك والشعب التي انطلقت يوم 20 غشت إثر إقدام المستعمر على نفي الملك الشرعي للمغاربة. وبالرغم من أن الاستعمال المفرط للقوة الذي لجأ إليه المستعمر خلف عددا كبيرا من الشهداء، إلا أنه انعكس إيجابيا على نفسية المقاومين بالجهة الشرقية التي صممت على رفع شعلة النضال من أجل الاستقلال. لقد عمدت الحركة الوطنية والمقاومة بوجدة إلى التحضير الدقيق والمحكم لإنجاح هذه الانتفاضة المباركة حيث تم استثمار يوم 16 غشت 1953، باعتباره يناسب يوم الأحد للقيام بعدة عمليات فدائية، نذكر منها مناوشة الجيش الاستعماري بسيدي يحيى وتخريب قضبان السكة الحديدية وإحراق العربات والقاطرات وإشعال النار في مخزون الوقود وتحطيم أجهزة محطة توليد الكهرباء ومداهمة الجنود في مراكزهم، ولاسيما بمركز القيادة العسكرية بسيدي زيان للاستيلاء على ما يوجد بها من عتاد حربي. كما شهدت مختلف مراكز المدينة مظاهرات انطلقت على الساعة السادسة مساء، وهي المظاهرات التي واجهتها قوات الاحتلال بوابل من الرصاص، سقط خلالها الكثير من الشهداء وجرح العديد من المقاومين. وامتدادا لهذه الانتفاضة، شهدت المناطق المجاورة لوجدة انتفاضات عديدة، حيث عرفت مدينة بركان وتافوغالت مظاهرات كبيرة وتم اعتقال العديد من المتظاهرين من بني يزناسن ونقلهم إلى سجن العاذر بالجديدة. وشهدت انتفاضة تافوغالت بدورها احتجاجات عارمة عبرت عن التضامن العميق لأبناء المنطقة الشرقية وتحديهم القوي في مواجهة التسلط الاستعماري وجبروت قوات الاحتلال. ولم تكن انتفاضة 16 غشت عفوية أو تلقائية بل كانت منظمة ومؤطرة بإحكام شارك في صنعها جميع شرائح المجتمع الوجدي من عمال وفلاحين وتجار وصناع وموظفين كما شملت مختلف الأعمار وكلا الجنسين، وهي انتفاضة ستظل إحدى مفاخر ساكنة الجهة الشرقية عموما ومدينتي وجدةوبركان على الخصوص. وقد أبانت انتفاضة 16 غشت 1953 بوجدة وما تلاها من أحداث ببركان وبني يزناسن والمناطق المجاورة عن مدى التلاحم الوثيق والترابط المتين القائم بين العرش والشعب، وأبرزت عزم المغاربة على التصدي والمواجهة للمخططات الاستعمارية المبيتة لضرب إرادة الملك والشعب في التخلص من ربقة المستعمر الغاشم. ولقد حظيت انتفاضة 16 غشت 1953 بتعاطف شعبي كبير، وبمباركة جلالة المغفور له محمد الخامس وولي عهده آنذاك جلالة المغفور له الحسن الثاني، طيب الله ثراهما، مثلما كان لها الصدى الإيجابي في أوساط الرأي العام الدولي والمنظمات الدولية، وشكل منعطفا بارزا في مسار الكفاح الوطني من أجل الحرية والانعتاق وميزت إسهام المنطقة الشرقية في ملحمة الاستقلال بما قدمه أبناؤها من تضحيات جسام ومن دماء زكية طاهرة لشهدائها الأبرار، سقت أرض الوطن ذودا عن حماه وحياضه ودفاعا عن عزته وكرامته.