اعتبر الباحث والمؤرخ المغربي العربي الرباطي أن برنامج تهيئة الساحل المتوسطي بمنطقة الريف يهدف إلى حماية الموارد الثقافية التاريخية في المنطقة الساحلية واستعمالها بشكل يضمن الاستدامة، مع مراعاة القدرة الاستيعابية للبيئة والتدبير المندمج للموارد الثقافية في المنطقة. وأوضح الأستاذ الرباطي، أمس الجمعة في مداخلة ضمن إحدى جلسات الندوة الدولية حول موضوع "التراث الثقافي بالريف: أية تحافة?"، المنظمة بالحسيمة، أن الأنشطة النموذجية التي تقام في إطار ذلك تسعى إلى إيجاد الحلول الناجعة للعجز والمشاكل التي تم تحديدها من خلال تدبير مندمج ومستدام للتراث الثقافي في الريف والمغرب الشرقي. وأبرز الرباطي، وهو أستاذ باحث بالمعهد الوطني للعلوم والآثار والتراث في مجال تاريخ الآثار والفن الإسلاميين، أن التراث الثقافي التاريخي بمنطقة الريف الذي تم جمعه والمتعلق بحقبة العصور الوسطى يتسم بعدم التجانس بحيث يجمع المواقع الأركيولوجية والآثار التاريخية والقلع المحصنة والآثار الدينية (السادات والمساجد)، علاوة على أن عدم التجانس يعود أيضا إلى اختلاف الحقب التاريخية. وأوضح أنه تم التوصل إلى ذلك بعد عملية تنقيب عبر جرد شامل ووضع قائمة للمواقع والآثار التاريخية للعصور الوسطى في هذه المنطقة، وذلك في إطار برنامج تهيئة الساحل المتوسطي. من جانب آخر، اعتبر الأستاذ الرباطي، الذي سبق له أن أصدر كتاب "قلعة جبل آبا بباديس (إقليمالحسيمة): رابطة من العصر الوسيط"، أن المآثر والمواقع التاريخية للعصور الوسطى في الريف الأوسط غنية بدلالاتها التاريخية، مشيرا إلى أنه إلى حدود القرن العشرين وحتى حلول الحماية الإسبانية في شمال المغرب لم تكن هناك مدن بالريف الأوسط باستثناء شفشاون. من جهتها، أبرزت فاطمة بوشمال محافظة المتحف الإثنوغرافي للقصبة بشفشاون أن الساحل الريفي شهد منذ العصور الوسطى نشاطا ملاحيا مكثفا وأن العديد من الموانئ كانت همزة وصل للتبادل الاقتصادي والثقافي بين الريف والأندلس، مشيرة في هذا الصدد إلى مواقع المزمة، باديس، ياليش، الجبهة، تغيساس، تارغة، الغساسة التي تدل على أهمية ارتباط سكان هذه المنطقة بالبحر. واعتبرت بوشمال، وهي مفتشة المواقع والمعالم الأثرية بإقليم شفشاون، أن ميناء باديس شكل أهم موانئ إمارة بني صالح. وظل كذلك حتى عهد الموحدين والمرينيين. وأبرزت أن المشروع الذي تدافع عنه المتمثل في إعادة استغلال الخريطة الملاحية للقرون الوسطى للريف يروم تنمية المنطقة من خلال وضع جولات سياحية ملاحية بحتة تمر بموانئ هذا الشاطئ. وأوضحت أن هذا المشروع يهدف إلى تنمية السياحة المينائية ذات الطابع الأركيولوجي والتاريخي من خلال تنظيم نزهات سياحية موجهة لموانئ القرون الوسطى ، مشيرة إلى أن نجاح هذا المشروع يعتمد على انخراط والتزام الموارد البشرية المحلية. وبما أن نشاط الصيد المحلي التقليدي نشاط موسمي غير مربح، تقول بوشمال فإن المشروع يشكل فرصة لإعطاء الصيادين الصغار في الريف الأدوات الجديدة التي تمكنهم من الاستفادة من خبراتهم في حرفة صيد الأسماك لتطوير أنشطة إضافية بحيث يصبحون أول المرشدين السياحيين الملاحيين بالمغرب تماما كما كان أسلافهم من أمهر البحارة على الشاطئ الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط. يذكر أن هذه الندوة الدولية، التي تعرف مشاركة باحثين وخبراء مغاربة وأجانب، تندرج في إطار تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة في مجال الأرشيف، التاريخ والذاكرة. وتنعقد هذه الندوة الدولية، المنظمة على مدى يومين تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، بمبادرة من المجلس الوطني لحقوق الإنسان وبشراكة مع بلدية الحسيمة ومجلس جهة تازة-تاونات-الحسيمة، وبدعم مجلس الجالية المغربية بالخارج والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث.