حاول المشاركون في أولى الجلسات العلمية ضمن أشغال المؤتمر الدولي الأول لجمعيات المجتمع المدني حول موضوع "قيم المواطنة وتحالف الحضارات"، مقاربة العلاقة الممكنة بين مكونات المواطنة وبين هذه الأخيرة والهوية والعولمة، وإمكانية تصور نموذج فكري منطقي يقرب بين كل هذه المكونات. وفي تقديمه لهذه الجلسة العلمية الأولى من جلسات هذا المؤتمر، المنظم إلى غاية 29 من الشهر الجاري بالرباط تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، أكد الأستاذ مصطفى الجوهري على أن المواطنة والحوار منفتحان على جميع التجارب الذاتية والمحلية والوطنية والكونية، ومع ذلك تظل الكثير من القضايا والإشكاليات تطرح نفسها للجدل والنقاش، سيحاول المحاضرون ملامستها في هذا اللقاء. وفي هذا السياق، أوضح الأستاذ طارق حجي من مصر، في مداخلته بعنوان "إشكالية المواطنة والهوية متعددة الرقائق"، أن مفهوم المواطنة هو ثمرة الدولة الحديثة، وأن تطوره لا يناقض تطور مفهوم الإنسانية، إلا أن مفهوم المواطنة يختلف عن مفهوم الهوية المعاصر، الذي انتقل، تدريجيا، من الكيان الثقافي الأحادي إلى كيان ثقافي متعدد الهويات والأبعاد، ما سيسمح لها بالتعايش والانسجام مع الواقع في العالم المعاصر، مستشهدا بمجموعة من النماذج. وتحدث الأستاذ مصطفى القباج، في محاضرته بعنوان "من المواطنة القطرية إلى المواطنة العولمية"، عن التحولات التي عرفها العالم منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وسقوط جدار برلين، ومست كل دواليب الحياة، وأفضت إلى قيام نظام ديمقراطي ليبرالي يفرض اشتراطات بسبب العولمة، التي حولت كل شيء إلى سلعة، وتكنولوجيات المعلوميات والاتصال الجديدة التي حولت العالم إلى قرية صغيرة واحدة، وبالتالي التحول من المواطنة الكلاسيكية إلى المواطنة الكونية والعولمية. أما الأستاذة بهيجة سيمو فأوضحت، في مداخلتها "من الوطنية إلى المواطنة (ثورة الملك والشعب مستمرة)"، أن الوطن مفهوم جغرافي وحضاري ودستوري، ما يعني أن للمغرب خصوصياته المتمثلة في أنه بلد مسلم تحكمه ملكية قائمة على البيعة التي هي تعاقد قائم على الوطنية والمواطنة، مستعرضة مراحل الانتقال من الوطنية، بمفاهيمها الدينية والإصلاحية، إلى المواطنة التي قالت أنها لا تنفصل عن الوطنية. وتطرق الأستاذ إبراهيم بن محمد الميمن من المملكة العربية السعودية، في عرضه حول "الوحدة الوطنية وتحديات الإرهاب والانفصال"، إلى مكونات الوحدة الوطنية الإسلامية، والأصول والقواعد الشرعية التي تعتبر أساس الوحدة، مشددا على ضرورة مشاركة المواطن في تطوير وطنه وحماية جبهته الداخلية من المهددات التي تستهدف الوحدة، ومنها معضلة الإرهاب الذي يعتبر إفسادا في الأرض. وأبرز الأستاذ سليمان حجام، في مداخلته حول "دور مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في تعزيز قيم المواطنة"، أن هذا المشروع المجتمعي، الذي هو قبل كل شيء فلسفة وفكر وعمل وسعي لتحقيق المواطنة الفاعلة، شكل منعطفا تاريخيا توج مسيرة التغيير والتحولات الكبرى التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس، والتي تٍوضع الإنسان المغربي في صلب اهتمامات السياسات العمومية. وشكل "رهان المواطنة في زمن العولمة" موضوع مداخلة الأستاذ عبد الجليل أبو المجد، وتناوله من خلال أربعة محاور تساءلت عن سبب عودة المواطنة عالميا، ومشكلة علاقة الهوية بالمواطنة، والبعد العالمي لهذه الأخيرة، وأخيرا المواطنة في المجتمعات العربية الإسلامية، مشددا على أن الخطوة الأولى نحو بناء مجتمع المواطنة تبدأ بتصحيح العلاقة بين السلطة والمجتمع، وتفعيل المجتمع المدني وتحقيق العدل. وكانت "المقاربة التعددية لمفهوم المواطنة" آخر مداخلة في هذه الجلسة العلمية الأولى، وساهم بها الأستاذ الحسين المجاهد، تناول فيها المقاربة الجديدة للمغرب المنفتحة وقوامها التعددية الثقافية واللغوية والنهوض بها في إطار استراتيجية تروم بناء المواطنة المتكاملة على أساس تنمية مختلف مكونات الهوية المغربية التي أساسها العنصر البشري قبل كل شيء، مبرزا أن هذا الاهتمام بالبعد التعددي يتناغم والبعد الوحدوي. ويتضمن برنامج أشغال هذا المؤتمر، الذي تنظمه عشر جمعيات من المجتمع المدني بالرباط وسلا، مجموعة من المحاور الرئيسية تهم قضايا المواطنة، وقضايا الحوار والتحالف بين الحضارات والثقافات والأديان، وجدلية العلاقة بين المواطنة وتفاعل الحضارات والثقافات، إضافة إلى موائد مستديرة، وسهرات فنية، وأمسيات شعرية، ومعارض ثقافية، وعرض شريط وثائقي، وتكريمات لشخصيات متميزة.