أكد وزير التشغيل والتكوين المهني السيد جمال أغماني أن تجربة المملكة المغربية في مجال تدبير الحوار الاجتماعي مستمدة من الاختيارات الكبرى للمغرب والتي عزز قواعدها وأعطاها أفقا جديدا جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، بمبادرته وتوجيهاته السامية. وأبرز السيد أغماني أن هذه الاختيارات تترجم النهج الذي سلكه المغرب خلال 12 سنة الأخيرة بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس لتسريع وتيرة إرساء دعائم دولة الحق والقانون باحترام كامل للحقوق والحريات الفردية والجماعية; ومن بينها الحريات النقابية، تجسيدا لمبادئ دستور المملكة والالتزامات الدولية التي صادقت عليها في هذا المجال. وأشار إلى أن كل دساتير المملكة المغربية أكدت على دور المنظمات غير النقابية في التأطير والتمثيل بالنسبة للعمال والهيئات الممثلة للمهنيين وأرباب العمل، حيث تشكل الهيئات التمثيلية للعمال وأصحاب العمل جزءا أساسيا من المنظومة الديمقراطية للمغرب إلى جانب الأحزاب السياسية. وأوضح الوزير الذي كان يتحدث خلال افتتاح المؤتمر العربي الإقليمي حول الحوار الاجتماعي، الذي تنظمه بالرباط منظمة العمل العربية ومنظمة العمل الدولية بتعاون مع وزارة التشغيل والتكوين المهني ما بين 14 و16 دجنبر الجاري، أن الدستور المغربي أقر تمثيلية الأجراء من خلال 27 عضوا في مجلس المستشارين يجري انتخابهم من طرف مندوبي الأجراء بالقطاعين العام والخاص، كما أقر انتخاب 60 عضوا من المهنيين عن طريق غرف التجارة والصناعة والخدمات والفلاحة والصيد البحري. كما أقرت مدونة الشغل، يضيف الوزير، والتي كانت محصلة حوار ثلاثي الأطراف أربع مؤسسات وطنية ثلاثية التركيب للحوار والتشاور حول قضايا الشغل بالنسبة للقطاع الخاص منها مجلس طب الشغل والوقاية من الأخطار المهنية، ومجلس المفاوضة الجماعية، واللجنة الثلاثية لمراقبة التطبيق السليم بمقاولات التشغيل المؤقت، والمجلس الأعلى لإنعاش التشغيل. وإضافة إلى هذه المؤسسات الثلاثية، أقرت المدونة هيئتين تتدخلان في مجال تسوية نزاعات الشغل الجماعية تهمان اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة واللجان الإقليمية للمصالحة، مع آلية للتحكيم ومسطرة خاصة لحل النزاعات الفردية للشغل. وبموازاة مع هذه المؤسسات الثلاثية التركيب، أقرت مدونة الشغل، حسب السيد إغماني، آليات أخرى للحوار الثنائي بين أصحاب العمل وممثلي العمال على صعيد المقاولة منها الممثلون النقابيون، ولجنة المقاولة ولجنة السلامة وحفظ الصحة المهنية، إضافة إلى مؤسسة مندوبي الأجراء بالمقاولات والتي تسمح نتائج انتخاب أعضائها وانتخاب ممثلي الموظفين في اللجان المتساوية الأعضاء بالقطاع العام بتحديد النقابات الأكثر تمثيلا وفق الشروط التي تحددها مدونة الشغل لتدبير التعددية النقابية بالمغرب. وسجل السيد أغماني، في نفس الاتجاه، أن القوانين المنظمة لمجموعة من المؤسسات العمومية ذات العلاقة بعالم الشغل أقرت منذ تأسيسها مبدأ التركيبة الثلاثية لمجالسها الإدارية المقررة، ويتعلق الأمر على الخصوص بكل من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي ومكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل والوكالة الوطنية للتأمين الصحي والمجلس الأعلى للتعاضد، وبذلك تكون كل القرارت التي تتخذ لتدبير قضايا التغطية الصحية والضمان الاجتماعي والتكوين المهني تتخذ وفق منهجية التشاور الثلاثي. كما أقر المشرع عضوية أطراف الإنتاج في العديد من المؤسسات الوطنية كالهيأة المركزية للوقاية من الرشوة والمجلس الأعلى للتعليم والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان. وأشار الوزير إلى آلية أخرى تتمثل في جولات الحوار الوطني التي يباشرها الوزير الاول مع قيادات المركزيات النقابية وأرباب العمل بشكل دوري. وأبرز أنه تتويجا لكل هذه المؤسسات الثلاثية للحوار واتخاذ القرار، ولتوسيع آليات المشاركة، تضمن القانون التنظيمي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي تم إقراره مؤخرا كمؤسسة دستورية ضمن تركيبته، تمثيلية وازنة للهيئات الممثلة لأرباب العمل والمهنيين ب 24 عضوا، والمركزيات النقابية ب 24 عضوا. ومن بين نتائج التجربة المغربية في تدبير الحوار الاجتماعي والتي كان لها وقع إيجابي على مستوى تطوير العلاقات المهنية بين أطراف الإنتاج وعلى التحسين من مستوى الحماية الاجتماعية للعمال واستقرار المناخ الاجتماعي وتحسن مناخ الاستثمار، ذكر السيد أغماني بالتوصل سنة 2004 إلى اعتماد مدونة عصرية للشغل والتي كان من نتائج دخولها حيز التنفيذ تسجيل تراجع ملحوظ في عدد نزاعات الشغل الجماعية بالقطاع الخاص، حيث انخفض عدد الإضرابات بالمقاولات الخاصة بنسبة 35 في المائة مقارنة مع المعدل السنوي المسجل خلال الخمس سنوات التي سبقت مدونة الشغل. ويعزى هذا الانخفاظ حسب السيد أغماني إلى التقدم المسجل في تطبيق مقتضيات مدونة الشغل في العديد من القطاعات بإعمال آليات الحوار الثنائية والثلاثية التي جاءت بها المدونة لتدبير العلاقات المهنية سواء تعلق الأمر بالنزاعات الجماعية أو الفردية للشغل. وقال السيد أغماني أنه تم التوصل أيضا خلال سنة 2002 إلى اعتماد مدونة التغطية الصحية الأساسية التي دخلت حيز التنفيذ في 18 غشت 2005 مما أسهم في توسيع قاعدة المؤمنين بالقطاع العام والخاص وفي التكفل بنفقات العلاج والخدمات الصحية; خاصة بالنسبة للعمال وذوي حقوقهم بالقطاع الخاص الذين لم يكن لهم الحق في ذلك من قبل، من طرف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. وأضاف أنه خلال سنة 2007 تم إطلاق "البرنامج الوطني للمواكبة الاجتماعية للمقاولات التي تشغل أكثر من 50 أجير" لجعلها تتلاءم مع مقتضيات مدونة الشغل الجديدة، وهو البرنامج الذي تمخض عنه وضع "معيار وطني للملاءمة الاجتماعية" سنة 2009، يمنح للمقاولة التي تحترم مسؤولياتها الاجتماعية الأساسية. وتابع الوزير أنه على ضوء النتائج الإيجابية لهذا البرنامج، تم الشروع مطلع سنة 2010 في تنفيذ "البرنامج الوطني لتحسين ظروف العمل بالمقاولات الصغرى التي تشغل أقل من 50 أجيرا" وهي برامج تستهدف في عمقها إعمال بعض مكونات العمل اللائق، إضافة إلى إحداث المعهد الوطني للحياة في العمل سنة 2009 كآلية مؤسساتية للتكوين والتوعية والتحسيس بقضايا الصحة والسلامة المهنية في العمل. أما سنتي 2008 و2009، يضيف الوزير، فقد عرفتا إقرار العديد من الإصلاحات على مستوى نظام الضمان الاجتماعي مما حسن من مستوى خدماته والمنافع المقدمة للمؤمنين، وكذا على مستوى تحسن الدخل عبر اتخاذ مجموعة من القرارات التي همت تحسين دخل عموم الأجراء خاصة ذوي الدخل المحدود ودعم المقاولات المصدرة المتضررة من تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، وأيضا على مستوى تعزيز تشريع الشغل من خلال تدارس مجموعة من مشاريع القوانين الإصلاحية الجديدة التي تهم عالم الشغل. وأبرز أن هذه القوانين تم في شأنها اعتماد مبدأ التشاور بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين قبل وضعها في قنوات المصادقة الدستورية، بينما لا زال الحوار مفتوحا حول مشاريع أخرى كإصلاح أنظمة التقاعد والقانون التنظيمي للإضراب. وأكد السيد أغماني أن هذه المقاربة ساهمت في جعل أرباب العمل طرفا أساسيا في إعداد وتنفيذ استراتيجيات ومخططات التنمية الجديدة التي تم إطلاقها خلال الثلاث سنوات الأخيرة في القطاعات الواعدة بالنسبة للاقتصاد الوطني والتي خصص لها المغرب أكثر من 400 مليار درهم كاستثمارات عمومية ما بين 2008 و2010 من خلال مضاعفة حجم الاستثمار العمومي الذي كان في حدود 84 مليار درهم سنة 2007 لينتقل إلى 162 مليار درهم خلال سنة 2010.