دعا الأديب والمؤرخ الأستاذ عبد الهادي التازي، عضو أكاديمية المملكة المغربية، الجامعات المغربية إلى الاهتمام بتدريس الأدب الإداري في المغرب انطلاقا من الوثائق الإدارية والدبلوماسية، مؤكدا على ضرورة رد الاعتبار، من خلال ذلك، إلى هذا الجنس الأدبي. وأكد الأستاذ عبد الهادي التازي، الذي استضافه الشاعر والإعلامي ياسين عدنان، مساء أمس الأربعاء، ضمن برنامج "مشارف" الذي تبثه القناة التلفزية الأولى، على ضرورة إدراج تدريس مادة الأدب الإداري المغربي في مقررات التعليم العالي، وذلك اعتمادا على الرسائل والوثائق الدبلوماسية، التي تختزن كما هائلا من المعلومات، وفيضا من الشعور بالشخصية والهوية المغربية، علاوة على أنها تمثل، على مستوى الشكل، متنا لغويا رصينا ينبغي الرجوع إليه للاطلاع على مؤلفات ومراسلات كتبت بلغة عربية بلغت شأو الإبداع وبلاغة التعبير وحلاوة البيان. وخلال هذه الحلقة من هذا البرنامج الذي يستضيف وجوهاً من عالم الأدب والثقافة والفكر والإبداع لمناقشة عدد من القضايا التي يعرفها الحقل الثقافي المغربي، أوضح الأستاذ عبد الهادي التازي، أن هذا الاهتمام ينبغي أن يتم من خلال ثلاثة مسالك هي النثر والنظم وكذا اللوحات الفنية التي خطها الأجانب ممن كانوا يزورون المغرب، والتي تضمنت وصفا دقيقا لعدد من مناحي الحياة وصورها بالمملكة. وحول العناية بأرشفة ودراسة الوثائق التي ساهمت في صنع التاريخ المشترك للمغرب مع الدول المحيطة به، وخصوصا أوروبا، سجل الأستاذ التازي، المدير السابق للمعهد الجامعي للبحث العلمي، أنه في مرحلة ما كان هناك فراغ كبير فيما يتصل بتاريخ المغرب الدولي والخارجي، وهو ما دفعه إلى الانكباب على دراسته عند تعيينه سفيرا للمغرب في العراق، بتصنيف موسوعة "التاريخ الدبلوماسي للمغرب". وبعد أن أكد الأستاذ التازي أهمية الوثيقة الدبلوماسية وتأثيرها على مستقبل الدول والشعوب، أعرب عن أمله في أن يتم إيلاء الاهتمام اللائق للأرشيف التاريخي من خلال إعطائه الأولوية لتدوينه والمحافظة عليه، وإشراك المشتغلين في الحقل الأدبي، إبداعا ونقدا، بدراسته وسبر أغواره وتقديمه لجمهور الباحثين حتى لا يقتصر ذلك على عمل المؤرخين فقط. واعتبر الأستاذ التازي، في هذا السياق، أن تدوين التاريخ الدبلوماسي للمغرب والمحافظة عليه يجب أن يتحول إلى مشروع وطني عبر إحداث مؤسسة وطنية رسمية تناط بها مهمة كتابة هذا التاريخ ومواصلة الأبحاث والجهود التي قام بها هو في هذا المجال. ولدى تطرقه إلى أدب الرحلة، أوضح الأستاذ التازي، الذي حقق رحلة ابن بطوطة الطنجي المسماة "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"، الصادر عن أكاديمية المملكة المغربية سنة 1997، أن أدب الرحلة يمتاز بكونه تتم قراءته من خلال شخصية الرحالة وتجربته ومحتوى رحلته والأحاسيس التي يتضمنها هذا المحتوى. يذكر أن الأستاذ عبد الهادي التازي سيشارك، في إطار اضطلاعه بالبحث في أدب الرحلة، في المؤتمر الدولي حول هذا النوع من الأدب، الذي ستحتضنه العاصمة القطرية (الدوحة) من رابع إلى ثامن دجنبر الجاري، بعرض حول موضوع مصداقية معلومات رحلة ابن بطوطة والاعتراف الدولي بقيمتها العلمية والأدبية والحضارية ودورها في إبراز التعايش بين الثقافات والديانات في العصر الوسيط. يشار إلى أن الأستاذ عبد الهادي التازي، وهو من مواليد مدينة فاس سنة 1921، أديب شاعر، مترجم ومحقق، فقيه ومؤرخ، رحالة ودبلوماسي، أنتج أزيد من خمسين كتاباً ما بين تأليف وتحقيق. وقد نال الأستاذ التازي شهادة العالمية من القرويين سنة 1947، والإجازة من جامعة محمد الخامس بالرباط، ثم الدكتوراه من جامعة الإسكندرية. ويمثل الأستاذ التازي، الذي عمل سفيرا للمغرب في كل من ليبيا والعراق وإيران والإمارات العربية المتحدة، المملكة في أكثر من هيئة ثقافية عربية، كالمجمع العلمي بالعراق، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، المعهد العربي الأرجنتيني، مجمع اللغة العربية الأردني، مجمع اللغة العربية بدمشق والأكاديمية الهاشمية بالأردن. ومن أعماله "جولة في تاريخ المغرب الدبلوماسي و"التاريخ الدبلوماسي للمغرب" و"آداب لامية العرب" و"الرموز السرية في المراسلات المغربية عبر التاريخ" و"تاريخ المن بالإمامة لابن صاحب الصلاة" و"أوقاف المغاربة في القدس" و"الموجز في تاريخ العلاقات الدولية للمملكة المغربية" وغيرها كثير.