تخلد أسرة المقاومة وجيش التحرير يوم الثلاثاء المقبل الذكرى ال75 لمعارك جبل بادو التي دارت رحاها خلال شهر غشت من سنة 1933، كآخر حلقة في مسلسل المعارك التي خاضها أبناء قبائل إقليمالرشيدية ضد قوات الاحتلال الفرنسي ليس فقط على صعيد المنطقة بل على الصعيد الوطني. وجاء في بلاغ للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، بالمناسبة، توصلت به وكالة المغرب العربي للأنباء ، أن هذه المعارك جسدت، أيضا ، أشرس مواجهة بين الغزاة والمجاهدين، حيث شاركت فيها جميع القوات النظامية الآتية من المناطق العسكرية التي أنشأتها قوات الاحتلال بتادلة ومراكشومكناس.
أما المجاهدون ،يضيف البلاغ ،فقد اجتمع منهم عدد كبير من مختلف القبائل المرابطة بالإقليم،حيث اعتصموا مقاومين بقمم ومغارات وكهوف جبل بادو بعد تشديد الحصار وقصف جميع المداشر والقصور المجاورة للمنطقة وسد كل الثغور لمنع المجاهدين المحاصرين من الحصول على الإمدادات والمؤن.
وذكر البلاغ أن قبائل الإقليم قاومت بضراوة ومنذ مطلع القرن العشرين، وضحت بالغالي والنفيس من أجل صد العدوان الأجنبي والأطماع الاستعمارية خاصة سنة 1908 بعد أن أقامت القوات الفرنسية أول مركز استعماري لها بمنطقة بوذنيب، كان بمثابة قاعدة لانطلاق هجوماتها ومد سيطرتها على باقي تراب الإقليم.
وأشار البلاغ إلى أن المنطقة شهدت سلسلة من المعارك بدء بمعركة بوذنيب سنة 1908 ثم معركة افري سنة 1914 ومعركة الرجل بمسكي سنة 1918 ثم معارك تافيلالت ومعارك تازة ونواحي كلميمة وتاديغوست التي امتدت إلى أوائل الثلاثينات من هذا القرن.
وأضاف المصدر ذاته ،أن سلطات الاحتلال لم تتمكن من بسط نفوذها على باقي تراب الإقليم ودخلت في أعنف مواجهة عرفتها المنطقة بجبل بادو خلال شهر غشت 1933،أبلى خلالها المجاهدون من مختلف قبائل الإقليم البلاء الحسن ،وتمكنوا من الصمود وإرباك صفوف الجيش الفرنسي المدجج بأحدث الوسائل الحربية الجوية والبرية، مما أدى إلى استشهاد العديد من النساء والشيوخ والأطفال الأبرياء.
وذكر البلاغ في هذا الصدد ،بأنه وابتداء من أواخر شهر يوليوز من سنة 1933، تلقت ثلاث مجموعات عسكرية تعليماتها من القيادة العليا للزحف على مشارف اغبالو نكردوس وهي: مجموعة التخوم التي اتخذت من تنغير قاعدة لها، وكان هدفها الهجوم على اغبالو نكردوس انطلاقا من الجنوب; ومجموعة مكناس في تيزي تغرغوزين وكان هدفها الهجوم على نحمون و امدغوس مع مساعدة وتقديم الإمدادات لمجموع التخوم; ومجموعة مراكش في منطقة أكدمان وكان هدفها الهجوم على نحمون انطلاقا من الشرق.
ومع أوائل شهر غشت 1933،يتابع البلاغ، شرعت القوات العسكرية الفرنسية في عمليات تطويق المناطق الشرقية من الأطلس الكبير حيث أعطى الجنرال هوري أوامره للمجموعات التي كانت على مشارف اغبالو نكردوس للزحف على تيزي نحمدون ابتداء من يوم 4 غشت، وتطورت الأحداث في أواخر الشهر المذكور إلى مواجهات عنيفة في جبل بادو بين فرق المجاهدين وقوات الاستعمار، حيث أبان المغاربة في هذه المعارك عن روح قتالية عالية لصد المعتدين وأذاقوا فرق الغزاة أقسى الضربات وكبدوها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.
وأشار البلاغ إلى أن المجاهدين كانوا يأتمرون بقادة اشتهروا باستماتتهم في القتال ،وبغنى تجاربهم الميدانية وحنكتهم التي اكتسبوها سابقا في مختلف جهات الإقليم ،مبرزا أنه من بين هؤلاء الزعيم زايد اوسكنتي، قائد آيت عيسى ازم قبيلة آيت مرغاد والزعيم علي أوطرمون، قائد آيت عيسى من زاوية اسول الى جانب عدد كبير من الزعماء الآخرين الذين تقدموا الصفوف الأولى للمجاهدين فضلا عن الفقهاء الذين شاركوا في القتال بعد أن حثوا على الجهاد وأصدروا الفتاوى في هذا الشأن.
وشدد البلاغ على أن أبطال إقليمالرشيدية وقفوا صامدين أمام جحافل القوات الأجنبية التي حاصرت الجهة الشرقية من الأطلس الكبير، الشيء الذي جعل المجاهدين أمام اختيارين، إما الاستسلام أو القتال ،غير أنهم قرروا الجهاد والاستشهاد.
وأمام المقاومة الشرسة لأبناء تافيلالت، استطرد البلاغ ، سعى المستعمر إلى وسائل الترغيب واستمالة زعماء المنطقة تارة ومحاولات فرض الحصار وتضييق الخناق على السكان، وشن الهجومات المتوالية تارة أخرى، مبرزا أن المجاهدين ظلوا على الرغم من ذلك بفضل إيمانهم وتمسكهم بمقدساتهم الدينية والوطنية صامدين ومتحصنين بالكهوف والمغارات بجبل بادو ونحمدون وأيوب ،رغم قساوة المنطقة وشدة الحر حيث واجهوا قوات الاحتلال.
وذكر المصدر ذاته أنه كانت هنالك محاولات فرنسية للتفاوض مع قوات المجاهدين،حيث توقف القتال في 24 غشت 1933 ترقبا لمفاوضات ممكنة مع زايد أوسكونتي والجنرال جيرو،فيما طال انتظار القيادة الفرنسية ولم يلب المجاهدون دعوة الحضور للتفاوض الذي مني بالفشل الذريع.
وبعد هذا الموقف الشجاع، يتابع البلاغ ،قررت قوات الاحتلال شن هجوم قوي يوم 25 غشت 1933 على أوسكرسو ،حيث واجهه المجاهدون ببسالة وشجاعة خارقة وتم تبادل إطلاق النار بين الطرفين ،ووصلت المعركة إلى المواجهة المباشرة باستعمال السلاح الأبيض.
وفي 26 غشت 1933، تواصلت المعارك بحدة، وبعد أن نفذ زاد المجاهدين من جراء
الحصار المضروب على المنطقة توقفت المعارك، لكن جذوة مقاومة الاستعمار لم تنطفئ
ولم تخب، وتحول أبناء إقليمالرشيدية مؤقتا إلى الكفاح في إطار الخلايا السياسية
الوطنية لينخرطوا بعدها في العمل المسلح ضمن حركة المقاومة المسلحة وجيش التحرير
فقاوموا ببسالة كما عهد فيهم بمختلف الوسائل دفاعا عن الشرعية الوطنية وصيانة
للمقدسات الدينية والوطنية.
وقد شاءت الأقدار أن تلعب منطقة اغبالو نكردوس دورا رائدا في الإشعاع الوطني،
لما اختارها المستعمر معتقلا ومنفى للزعماء الوطنيين مع بداية الخمسينات حيث احتشد فيها رموز ورجالات الحركة الوطنية ومن بينهم أقطاب من الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال، حيث كانت اتصالات أبناء الإقليم بهؤلاء الزعماء فرصة لخلق إشعاع قوي للمبادئ الوطنية وإذكاء روح الجهاد التي ظلت مستمرة لتتأجج في حمأة ملحمة ثورة الملك والشعب بعد إقدام المستعمر على نفي بطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس ورفيقه في الكفاح جلالة المغفور له الحسن الثاني رضوان الله عليهما والأسرة الملكية الشريفة في 20 غشت 1953.
وأضاف البلاغ أن ثائرة أبناء تافيلالت كغيرهم من أبناء المغرب في مختلف الجهات لم تهدأ ،إلى أن تحققت إرادة الملك والشعب وتكلل نضالهما بالنصر المبين وعودة الشرعية وإعلان الاستقلال في نونبر1955، لتتواصل إسهامات هذا الإقليم المجاهد في معركة الجهاد الأكبر لإعلاء صروح المغرب الجديد وتحقيق وحدته الترابية.
وخلص البلاغ إلى أن أسرة المقاومة وجيش التحرير، وهي تخلد ذكرى معركة جبل بادو البطولية تتوخى صيانة الذاكرة الوطنية والتعريف بفصولها وتنوير أذهان الأجيال الصاعدة بمعانيها لتستلهم قيم الوطنية الخالصة وروح المواطنة الصادقة في مسيرات الحاضر والمستقبل التي يحمل لواءها باعث النهضة المغربية صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.