أجمع المشاركون في الجلسة الافتتاحية للندوة الدولية، التي تنظمها مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود حول "التربية في عالمنا المعاصر، المدرسة ومجتمع المعرفة"، على ضرورة إعادة التفكير في الوظائف الكلاسيكية للمدرسة، وفي مناهج اكتساب المعرفة داخل المؤسسات التربوية. واعتبر المتدخلون في هذه الجلسة أنه حان الوقت للتساؤل عن جدوى اتباع مناهج بيداغوجية مستمرة التغيير، وللبحث في علاقة المدرسة بمجتمع المعرفة، مشيرين إلى أن المدرسة، كقناة لاكتساب المعارف والعلوم، أضحت تعيش أزمة متعددة الأبعاد في الوقت الحاضر، مما يستدعي تعبئة علوم واختصاصات تجمع بين البيداغوجيا والسوسيولوجيا وعلم النفس. وفي هذا الصدد، قال المدير العام للمؤسسة السيد محمد الصغير جنجار، في كلمته الافتتاحية لهذه الندوة، المنظمة على مدى يومين بتعاون مع ( الكوليج الدولي للفلسفة)، إن اختيار موضوع التربية كمحور لهذه الندوة مرده إلى الوعي بوجود "أزمة" داخل النظام التربوي سواء في مجتمعات الضفة الجنوبية للمتوسط أو حتى في البلدان الغربية المتقدمة، وهو ما يفرض التفكير في طبيعة الدور التربوي والمعرفي للمدرسة، وكيفية تحقيق التوازن بين إعداد النشئ للمستقبل مع ربطهم بتراث الماضي، وكذا تحديد التحديات المرتبطة بتعميم تكنولوجيا الإعلام والاتصال في الوسط المدرسي. وأشار إلى أن الهدف من مناقشة كل هذه الأفكار يتمثل في الوصول إلى فهم عميق الأزمة التي تعرفها المنظومات التربوية المعاصرة، والبحث عن مبادئ وأسس تساهم في بلورة رؤية واضحة لمستقبل وآفاق المشروع التربوي الحديث. وفي السياق ذاته، أبرز الباحث ديديي دوبيس (مركز البحث العلمي، بروكسيل) أن صورة العلوم التي تسوقها نظريات المعرفة، والمناهج البيداغوجية والنظريات الاجتماعية ترتكز إلى "تصور متجاوز" لا يأخذ في الاعتبار ما تتميز به الممارسات العلمية من فرادة وما تعرفه من تحولات. ومن جهتها قدمت الباحثة ناتالي بول ( المركز الوطني للبحث العلمي الفرنسي) قراءة في الأسس المعرفية للعقل الحديث انطلاقا من مدارس فلسفية مختلفة حيث حاولت إبراز العلاقات المتحكمة في ثنائية (التربية/ مجتمع المعرفة). وذهبت إلى أنه، وعكس المسلمات التي تحكمت في التراث البيداغوجي المعرفي، فإن التربية الحديثة والنظريات المعرفية المرتبطة بها أصبحت تقوم على إنتاجات فكرية بديلة تأخذ في الحسبان الدور المعرفي الأساس للتعلمات النظرية المكرسة لاكتساب المفاهيم العلمية باعتماد الفكر الاستنتاجي. ومن جهتها طرحت الباحثة الجزائرية نعيمة الحاج عبد الرحمن (جامعة الجزائر) مجموعة من الأسئلة المعرفية عن المناهج المعتمدة في تلقين المعارف داخل المدرسة، مشددة على أهمية تجاوز الطرق التقليدية في تدريس العلوم والمعتمدة على المدرس، والانطلاق دائما من المسلمات القائمة، وفسح المجال أمام انتهاج فكر نقدي قادر على طرح الاسئلة الجوهرية للوصول إلى المعرفة الحقة. ويتضمن برنامج هذه الندوة تقديم عدد من العروض في مواضيع تخص "مراجعة الكتب المدرسية وآثارها السياسية" و" التعليم ومجتمع المعرفة في تونس: الإنجازات والمعيقات" و"المدرسة، علاقتها بالمعرفة والتحولات الذاتية المعاصرة" و"ماذا نعني بالفعل التربوي" و"التوتر المعرفي: بين الإرادة في العمل بطريقة المشروع والمبادرة التي تمليها الرغبة في التعلم" و" التفكير في رهانات التربية في العالم المعاصر: الشكوك، والمفارقات، والتعقيدات" و"عناصر من أجل نقد النزعة العفوية" و"أنا لا أدرس، أنا أحكي".