أكد السفير الممثل الدائم للمغرب لدى مكتب الأممالمتحدة في جنيف،السيد عمر هلال،اليوم الثلاثاء،أن الموقف الجامد للجزائر إزاء مبدإ تقرير المصير لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يوظف كتبرير لإخفاء الانتهاكات اليومية الجسيمة لحقوق الإنسان بالنسبة للساكنة الصحراوية المحتجزة في مخيمات تندوف. وأبرز الدبلوماسي المغربي،في مداخلة أثناء الدورة ال14 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة،مخاطبا ممثل الجزائر الذي لا يمل من التذكير بتمسك بلاده بمبدإ تقرير المصير،أن هذا الموقف لا ينبغي كذلك أن يوظف كذريعة لتهديد وحدة واستقرار المغرب ووحدته الترابية. وأكد أنه من غير المقبول أن يستعمل هذا المبدأ ليس فقط لإبقاء ساكنة مخيمات تندوف رهينة،بل أكثر من ذلك التنمية الاقتصادية والسياسية لمنطقة المغرب العربي برمتها. وذكر السيد هلال أن القانون الدولي لحقوق الإنسان والممارسة الأممية في هذا المجال يوليان أهمية أساسية لضرورة احترام الكل لمبادئ مساواة جميع حقوق الإنسان وكونيتها وترابطها وعدم قابليتها للتجزيء. وأبرز أن التقدم الحاصل على المستوى العالمي في مجال النهوض بحماية حقوق الإنسان يعد ثمرة الانخراط الصادق والحازم للمجتمع الدولي في تعزيز السلم والأمن وتسوية النزاعات عبر التفاوض وعلاقات حسن الجوار والتصميم الدولي على العمل لصالح التنمية. كما أشار إلى أن طابع تطور حقوق الإنسان يتناقض أساسا مع التأويلات المتصلبة والمتقادمة وذات الاتجاه الوحيد للقانون الدولي ومبادئ ميثاق الأممالمتحدة،كما لا يتلاءم بتاتا مع القراءات الانتهازية الرامية لتوظيف حقوق الإنسان كأداة لتشجيع مناخ التوتر والعداء وانعدام الثقة إقليميا،بدل الاستجابة للنداءات المتكررة للأمم المتحدة من أجل التعاون والحوار من أجل التسوية السلمية للنزاعات السياسية الثنائية الأطراف. وقال السيد هلال إن القانون الدولي لحقوق الإنسان يتميز على الخصوص بطابع التطور،إذ أن حقوق الإنسان هي نفسها في تطور وتحول مستمر،مما يخول لها اكتساب معان وأبعاد عملية تتناغم مع التحولات الدولية الكبرى. وأدان السفير المغربي بالمقابل كون الجزائر،محامي مبدإ تقرير المصير،تطالب بهذا المبدإ ليس فقط باسم قناعات متطرفة متجاوزة وإنما أيضا انطلاقا من مواقف متناقضة تماما ولا يمكن تقبلها،عبر تمويله ماليا ودبلوماسيا وعسكريا ليس من أجل الساكنة الصحراوية وإنما ضد المغرب،عبر تجاهله،من باب الانتهازية،في حالة المناطق غير المستقلة للجنة ال24 التي أشار إليها الوفد الجزائري (صباح اليوم في مجلس حقوق الإنسان) أو عبر إنكاره بجميع السبل على ساكنته المحلية،كمنطقة القبائل التي تطالب بحقها في تقرير المصير الثقافي واللغوي. وسجل السيد هلال أن هذا الموقف المزدوج والمتناقض هو،بكل تأكيد،غير ذي مصداقية وغير محايد وغير بريء،بل هو يعبر بكل بساطة عن إرادة للهيمنة الجزائرية التي لا تفصح عن ذلك،ومن هنا يأتي الخلط المتواصل والقراءات الانتقائية المغرضة والمبتورة لمغزى وأهمية وتطور مبدإ تقرير المصير. وأعرب عن أسفه لكون حقوق الانسان في بعدها النبيل،تتعرض،بذلك،للتقزيم والتشويه،عبر توظيف مبدإ للحق لخدمة أغراض سياسية. وأبرز السيد هلال أن الحكم الذاتي يشكل في القانون الدولي المعاصر الشكل الأكثر حداثة وديمقراطية لتقرير المصير،موضحا أن التفاوض بشأنه وتفعيله مكنا من حل العديد من النزاعات عبر العالم،مفسحا المجال لتطوير تجارب مختلفة ونماذج لتقاسم السلطات. وأكد أن هذه التجارب للحكم الذاتي مكنت من خلق وتقوية الشروط الضرورية من أجل تعزيز الديمقراطية المحلية،والنهوض بحقوق الانسان وحمايتها في احترام تام للخصوصيات المحلية للمنطقة،وشكلت أفضل وسيلة لتوطيد وحدة الدول مع تعزيز الإطار الديمقراطي والدستوري لتنوعها. وأكد السيد هلال،في هذا السياق،أن من شأن تقرير المصير من خلال مبادرة الحكم الذاتي بالصحراء المغربية أن يمكن من تجاوز حالات التشرذم الاقليمي،وضمان السلم والأمن والاستقرار على الصعيد الاقليمي وتشجيع المصالحة،وكذا الاندماج الاقتصادي لبلدان المغرب العربي على أسس سليمة ومتينة. ولاحظ أن غياب التقدم باتجاه التفاوض بشأن حل الحكم الذاتي نتيجة إرادة الجزائر في العرقلة،هو ثمرة التعارض بين مفهومين للحق في تقرير المصير،الأول مفهوم أصيل حداثي ويتطلع إلى المستقبل ومرغوب فيه من قبل المنتظم الدولي،وخاصة مجلس الأمن الذي وصف المبادرة المغربية بالجادة وذات المصداقية،والثاني مفهوم مغرض يلتفت إلى الماضي،والذي اعتبره المنتظم الدولي غير قابل للتحقق إطلاقا،ويشكل،على الخصوص،عامل زعزعة لاستقرار منطقة المغرب العربي.