أكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون السيد الطيب الفاسي الفهري، اليوم الثلاثاء، أن المغرب يجدد كامل استعداده لمواصلة التعاون مع الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي، على أمل التوصل لحل سياسي واقعي وخلاق على أساس المبادرة المغربية التي ما زالت مطروحة على طاولة التفاوض في نطاق الوحدة الترابية والسيادة الوطنية ومقومات الدولة المغربية من أجل إنهاء هذا النزاع المتقادم . وأوضح السيد الطيب الفاسي الفهري ، في معرض رده على أسئلة بمجلس المستشارين، حول مستجدات القضية الوطنية، أن خلاصات القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي (رقم 1920) أعادت التأكيد على التوجهات والمحددات الواضحة التي رسمها مجلس الأمن لدعم الأمين العام ومبعوثه الشخصي السفير كرستوفر روس لإيجاد حل سياسي وتوافقي ونهائي، وذلك عبر إعطاء زخم أكبر للمسلسل التفاوضي انسجاما مع التزامات المجتمع الدولي في إنهاء هذا النزاع الإقليمي، الذي طال أمده. وشدد على أن القرار المذكور يشكل تطورا ملموسا في التعاطي مع هذا النزاع بكل جوانبه السياسية والقانونية والإنسانية، مذكرا بأن هذه القضية شهدت خلال السنوات الأخيرة، بفضل مبادرة الحكم الذاتي التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، تحولات حاسمة للخروج من حالة الجمود بما كانت تحمله من مخاطر حقيقية وضغوط قوية . وأضاف أنه كان لهذه المبادرة أعمق الأثر في بروز توجه دولي جديد لدى مجلس الأمن يرتكز على إبعاد فكرة الاستفتاء نهائيا والتجاوب الإيجابي مع منطق الحل الثالث كوسيلة مثلى وجاذبة لبلوغ الحل السياسي النهائي المنشود لهذا النزاع المصطنع. وأكد وزيرالشؤون الخارجية والتعاون أن هذه القرارات أصبحت تحث الأطراف على الدخول في مفاوضات جوهرية ومكثفة على أساس التحلي بالواقعية والتوافق أخذا بعين الاعتبار "الجهود البناءة وذات المصداقية" التي بذلها المغرب منذ 2006 وتكريس الحل السياسي الذي يلغي نهائيا الخيارات المتباعدة، ولاسيما خيار الاستقلال الوهمي، التي كانت مطروحة في نطاق مخطط التسوية لسنة 1991 أو مخطط بيكر الثاني. "ومنذ صدور القرار 1871 في أبريل 2009 الذي ثبت مرجعيات الأممالمتحدة وجهود المبعوث الشخصي للأمين العام ، يقول السيد الطيب الفاسي، قام كريستوفر روس بزيارتين للمنطقة قصد التشاور مع الأطراف (فبراير ويونيو) و أشرف على عقد لقاءين مصغرين غير رسميين بدور نشتاين (غشت 2009) وأرمونك (فبراير 2010)". وذكر بأن اللقاء الأخير جاء في خضم حملة دبلوماسية ودعائية واستفزازية شرسة ل "البوليساريو" بدعم قوي وتدخل مباشر من السلطات الجزائرية حول ما يسمى ب" انتهاكات حقوق الإنسان" أو "استغلال الثروات الطبيعية"، موضحا أن هذه الحملة بلغت ذروتها العدائية مع اقتراب صدور تقرير الأمين العام تمهيدا لصدور القرار الأخير لمجلس الأمن، وذلك عبر محاولات ضاغطة لتحريف المفاوضات عن مسارها السليم وترديد شعارات زائفة حول توسيع صلاحيات "المنورسو" من خلال الرسائل المستنسخة التي بعثت بها الجماعة الانفصالية للأمم المتحدة. "وبتوجيهات ملكية سامية، يضيف الوزير، وجهت عدة مذكرات ورسائل رسمية للأمين العام للأمم المتحدة، قصد توضيح الموقف المغربي، والتي تضمنت أجوبة دقيقة ومفصلة عن كل المزاعم المغرضة والمناورات المتكررة للخصوم وكذا توجيه انتباه المنتظم الأممي إلى الأوضاع الإنسانية المقلقة والخطيرة بتندوف فوق التراب الجزائري وخاصة ما يتعلق بتخلي الدولة الجزائرية عن تحمل مسؤولياتها وواجباتها القانونية والإنسانية، مع كل ما يترتب عن ذلك من حالة غير مسبوقة ومتناقضة مع أحكام القانون الدولي في ما يخص القانون المطبق والولاية القضائية بمخيمات تندوف" . وذكر بأن القرار رقم 1920 الصادر عن مجلس الأمن بالإجماع مدد مهمة "المينورسو" لمدة سنة، وكرس كل المكاسب التي حققها المغرب منذ 2007 وثبت القرارات السابقة داعيا "للعمل في بيئة مواتية للحوار من أجل الدخول في مرحلة مفاوضات أكثر كثافة وموضوعية" مجددا الدعوة لمواصلة المفاوضات دون شروط مسبقة وبحسن نية مع الأخذ بعين الاعتبار ما بذله المغرب من جهود، في إشارة واضحة للدينامكية التي أفرزتها المبادرة المغربية. وأكد السيد الطيب الفاسي الفهري أن هذا القرار عزز الموقف الرسمي المغربي الذي يطالب الأطراف الأخرى بالانخراط الجاد في المسار التفاوضي ووضع حد لتملصها وتهربها من التزاماتها ومسؤولياتها في هذا المضمار . وأبرز أن القرار يحث "البوليساريو" والجزائر على التعاون بشكل أكبر وأكمل مع الأممالمتحدة ومع المغرب، لوضع حد للمأزق الراهن وإحراز تقدم نحو إيجاد حل سياسي، كما يدعو الأطراف الأخرى لإظهار المزيد من الإرادة السياسية للمضي قدما صوب التسوية في إطار أفضلية المبادرة المغربية، إضافة إلى أن مجلس الأمن يؤكد بأن "الوضع الراهن" غير مقبول على الأمد الطويل، وهذا ما يعني تقاسم مجلس الأمن للرؤية المغربية في رفض منطق التعنت والجمود وما له من انعكاسات سلبية سواء على العلاقات الثنائية مع الجارة الجزائر أو على مستوى الاندماج المغاربي في وقت تتفاقم فيه الأخطار الأمنية وتهدر فيه فرص التنمية المشتركة وتحبط فيه آمال وانتظارات الشعوب الخمس للمغرب العربي. وبخصوص البعد الإنساني، فقد أكد القرار على "أهمية إحراز تقدم في الجانب الإنساني" بتعاون مع مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين وبشكل خاص عبر برنامج تبادل الزيارات العائلية برا وجوا. وجدد الوزير، في هذا الصدد، موقف المغرب الثابت الذي يطالب السلطات الجزائرية بوضع حد لمعاناة المحتجزين بمخيمات تندوف وإنهاء وضعيتهم الشاذة وتمكين المفوضية المذكورة من القيام بممارسة الصلاحيات الموكولة إليها. وسجل إن التقرير الأخير للأمين العام تطرق، ولأول مرة، تجاوبا مع المطلب المغربي الملح، لموضوع إحصاء و تسجيل إخواننا الموجودين قسرا بتندوف كخطوة أولية لتمتعيهم بالحماية الإنسانية، مشددا على ضرورة تفعيل برنامج خاص بمقابلات فردية من أجل تيسير عودتهم الطبيعية لأحضان ذويهم و أسرهم بالمملكة المغربية، وطنهم الأم. ومن جهة أخرى أكد السيد الطيب الفاسي الفهري أن الوزارة " تشجع وتتطلع نحو كل مبادرات الفرق والمجموعات النيابية، ومن وراءها الهيآت الحزبية الوطنية معتبرا أن هذه المبادرات من شأنها تحقيق تفاعل قوي ومتواصل مع الأحزاب وفعاليات المجتمع المدني خاصة في الفضاء الأوروبي من أجل تطويق وإجهاض المخططات العدائية للخصوم وفضح تحركاتهم المحمومة". وبعدما أكد على الدور الحيوي والضروري لجميع مكونات الدبلوماسية الموازية في نطاق التعبئة الوطنية ضد استراتجية أعداء الوحدة الترابية للمملكة، جدد استعداد الوزارة الكامل للتعاون الوثيق والتنسيق المحكم معها من أجل إضفاء طابع مؤسسي على هذا التعاون بطريقة أكثر فعالية وبأسلوب تشاركي ناجع قائم على مبادرات ملموسة وأفكار عملية. وأشار السيد الفاسي إلى أن الوزارة سبق لها أن اقترحت آلية للعمل الجماعي في إطار شبكة تؤمن انتشارا منتظما ومؤثرا وفاعلا للدبلوماسية المغربية حكومية وغير حكومية للدفاع عن القضية الوطنية وتحصين الوحدة الترابية للمملكة، والتي تبقى فوق كل الاعتبارات . وعبر عن يقينه في هذا الصدد بأن تكوين لجنة برلمانية مشتركة في نطاق "الوضع المتقدم" بين المؤسسة البرلمانية المغربية والبرلمان الأوروبي " يعبد الطريق الآن بشكل أفضل لتحرك برلماني فعلي ودائم وقوي لنصرة قضايانا الوطنية "