طنجة: توقيف مبحوث عنه متورط في حيازة وترويج مخدر الكوكايين    بايتاس: الحكومة تتابع عن كثب أوضاع الجالية المغربية المقيمة بلبنان        "درونات" مزودة بتقنية الذكاء الاصطناعي لمراقبة جودة البناء    الحكومة المغربية تطلع على اتفاقية استبدال رخص السياقة مع إيطاليا    مشروع هام لإعادة تهيئة مركز جماعة "قابوياوا"    الحليمي: خفضنا كلفة الإحصاء بما يناهز 453 مليون درهم ما يمثل 24% من الميزانية (مليار ونصف درهم)        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    تأجيل جلسة محاكمة جريمة قتل الطالب أنور العثماني في طنجة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بتحديد نظام البذلة الرسمية لموظفي إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة    الركراكي: الانتظام في الأداء أهم المعايير للتواجد في لائحة المنتخب المغربي    الركراكي يساند النصيري ويكشف هوية قائد المنتخب    بايتاس يلوم الجفاف على عدم تحقيق نسبة نمو كبيرة للاقتصاد المغربي    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024    أخبار الساحة    الاتحاد الدولي لكرة القدم يحذر اسبانيا من احتمال سحب تنظيم كأس العالم 2030        عبد اللطيف حموشي يستقبل المستشار العسكري الرئيسي البريطاني للشرق الأوسط وشمال إفريقيا    أعترف بأن هوايَ لبناني: الحديقة الخلفية للشهداء!    مهرجان سيدي عثمان السينمائي يكرم الممثل الشعبي إبراهيم خاي    قراصنة على اليابسة    مقاطع فيديو قديمة تورط جاستن بيبر مع "ديدي" المتهم باعتداءات جنسية    جائزة نوبل للسلام.. بين الأونروا وغوتيريس واحتمال الإلغاء    استدعاء وزراء المالية والداخلية والتجهيز للبرلمان لمناقشة تأهيل المناطق المتضررة من الفيضانات    "جريمة سياسية" .. مطالب بمحاسبة ميراوي بعد ضياع سنة دراسية بكليات الطب    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    إصابة 23 تلميذا في انقلاب حافلة للنقل المدرسي ضواحي آسفي    مؤتمر علمي في طنجة يقارب دور المدن الذكية في تطوير المجتمعات الحضرية    كم يبلغ سعر الاورو والدولار هذا اليوم؟ .. بنك المغرب يحدد    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    غارات ليلية عنيفة بطائرات حربية في أقرب ضربة لوسط بيروت منذ حملة القصف    من بينها "العدل والإحسان".. هيئات مغربية تواصل الحشد للمشاركة في المسيرة الوطنية تخليدا للذكرى الأولى ل"طوفان الأقصى"    سفير إسرائيل بالأمم المتحدة:الرد على هجمات إيران سيكون قريبا    كيوسك الخميس | ودائع المغاربة لدى الأبناك تتجاوز ألفا و202 مليار درهم    توقيع اتفاقية لدعم القدرات الرقمية للمؤسسات التعليمية بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة    إيقاف بن عطية 6 مباريات بسبب انتقادات حادة لحكم مباراة مارسيليا وليون    الأمير مولاي رشيد يزور جناح نادي قطر للسباق والفروسية بمعرض الفرس للجديدة    وقفة أمام البرلمان في الرباط للتضامن مع لبنان وغزة ضد عدوان إسرائيل    ارتفاع أسعار النفط في ظل تصاعد مخاوف جيوسياسية        مندوبية طنجة تعلن عن منع صيد سمك بوسيف بمياه البحر الأبيض المتوسط    الرئيس الإيراني: "إذا ردت إسرائيل سيكون ردنا أقسى وأشد"        إطلاق مركز للعلاج الجيني في شيفيلد برئاسة أستاذ مغربي ببريطانيا    النظام الجزائري يستغل التظاهرات الرياضية الدولية لتصريف معاداة المغرب    مقتل صهر حسن نصر الله في قصف دمشق    المغرب يشرع في فرض ضريبة "الكاربون" اعتبارا من 2025    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    مغربي يقود مركزاً بريطانياً للعلاج الجيني    الرياضة .. ركيزة أساسية لعلاج الاكتئاب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    دراسة: التلوث الضوئي الليلي يزيد من مخاطر الإصابة بالزهايمر    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة الى بلاد «الخال مانديلا» على أصوات «الفوفوزيلا»
نشر في مغرب سكوب يوم 01 - 07 - 2010

كنت في «جوهانسبرغ» ضمن رحلة صحفية نظمتها «طيران الإمارات» على متن من الصحفيين الخليجيين، يمثلون أبرز الصحف ووسائل الإعلام بدول مجلس التعاون، لحضور مباراة إسبانيا وهندوراس في كأس العالم.
كنا هناك في الطرف البعيد من القارة السوداء، على حافتها الجنوبية، حيث تستلقي «جنوب إفريقيا»، قريباً من «رأس الرجاء الصالح»، وتستحم في مياه المحيط المالح !
كنا هناك في الدولة المستقرة المستمرة في نظامها الديمقراطي الفريد من نوعة، بعد أن خلعت رداء «الفصل العنصري» الذي تم تفصيله على مقاس «الحزب الوطني»، فكان يرتديه - رغماً عنها - منذ عام «1948» حتى عام «1990»، عندما تنازل عنه مضطراً، بعد صراع طويل، وصدام أليم مع الأغلبية السوداء.
وصلنا إلى العاصمة «32 مليون نسمة»، التي تعتبر ثالث أكبر المدن الإفريقية اكتظاظاً بالسكان بعد «القاهرة» و«لاجوس»، وكان «الشفق الاصفر» يحيط بالمدينة على امتداد البصر، مثل «سوار ذهبي» هابط من السماء، يزين معصم «جوهانسبرغ» فتبدو مثل عروس تحتفل بزفافها !
كانت عاصمة «الخال مانديلا» تَمشُط شعرها ! .. وتكتب شِعرها ! .. وتعبر عن شعورها احتفالاً باستضافة «المونديال» .
.. وعندما تطأ بقدميك مطارها تشعر أنك لست في عاصمة إفريقية، ولكن في إحدى المدن البريطانية، وكأنها مدينة إنجليزية ترتدي ثوباً إفريقياً مزركشاً بالألوان «القرنقوشية»! فالأخضر يلتقي مع الأزرق، والأصفر يمتزج مع الأحمر، والأبيض يختلط مع الأسود.
.. وهكذا تجتمع الألوان المتنافرة، وتتوحد الأجزاء المتناثرة، في لوحة إفريقية معبرة عن وحدة الإنسان، فتكون «جنوب إفريقيا» هي المكان، وهي العنوان.
في هذه الدولة يوجد أكبر عدد من السكان، من ذوي الأصول الأوروبية يعيشون في القارة الإفريقية، وأكبر تجمع سكاني هندي خارج القارة الآسيوية، وأكبر مجتمع قبلي مكون من ذوي البشرة السمراء في القارة السوداء، مما يجعلها من أكثر الدول تنوعاً في السكان مثل لوحة من «الفسيفساء».
وعندما تتأمل ألوان الطيف التي تشكل في خليطها هذه اللوحة، تتشكل أمامك «دولة قوس قزح»، فتلسعك برودة الطقس، وتشعر ان تياراً هوائياً يتسلل إلى داخلك، ويسري في عروقك، فتولد في أعماقك قشعريرة إفريقية، وارتعاشة غريبة نتيجة التفاعل بين جسمك الدافئ والاكسجين البارد الذي تتنفسه.
فالسفر من «دبي» إلى «جوهانسبرغ» في الصيف، أشبه بالانتقال المباشر من جهاز «مايكرويف» يعمل على درجة حرارة تصل إلى «50 مئوية»، إلى «فريزر» داخل ثلاجة تم ضبط مؤشرها على درجة التجمد!.
ان الصيف الملتهب عندنا، شتاءً بارد عندهم ! .. والحر اللاهب في دول الخليج، برد قارس على ذلك الخليج المطل عند نقطة الالتقاء بين المحيطين الهندي والاطلنطي.
وبين ذلك «اللاهوب» الخليجي، و«الزمهرير» الإفريقي تشعر أنه قضي الأمر ! لكنك سرعان ماتشعر بالدفء عندما تدرك أنك تتنفس نفس الهواء الذي يستنشقه ذلك الزعيم الإفريقي العظيم «الخال مانديلا»، والذي كان حزيناً رغم الفرح «المونديالي»، المحيط به، حداداً على رحيل ابنة حفيدته «زيناني»، في حادث مروري مروع عشية انطلاق «المونديال».
.. وعلى أي حال كنت في تلك اللحظات التي انتقلنا فيها من المطار إلى فندق «Melrose Arch - ميل روس ارش» ..
كأنني أسمع صوته يتردد في أذني ويقول :
أهلاً وسهلاً بكم في بلاد المونديال، في لحظة تاريخية يختلط فيها الواقع بالخيال.
.. ومع انطلاقة صوته الإفريقي المميز، تنطلق اصوات «الفوفوزيلا - vuvuzela» كما يسمونها بلغة «الزولو»، وكأنها ترحب بنا،وهي تلك الآلة البلاستيكية الطويلة، التي تبدو مثل «البوق» في شكلها، ويستخدمها جمهور المشجعين في «جنوب إفريقيا» لتشجيع فريقهم منتخب «البافانا بفانا».
هذه الآلة التي تشبه «الهبان»، وهو الأداة الرئيسية المستخدمة في رقصة «الليوة» الشعبية المعروفة في منطقة الخليج، تبدو سهلة الاستخدام في مظهرها، لكنك تحتاج إلى «دورة تدريبية» لكي تنجح في اطلاق صوتها المزعج، لأنها تتطلب طريقة معينة في «النفخ» لايعرف سرها سوى «ابناء مانديلا».
الولع الجماهيري باستخدام ذلك «البوق» البلاستيكي الذي يبلغ طوله حوالي المتر تقريباً، لايقتصر على الملاعب، بل تجدهم «ينفخون» فيه داخل الفنادق، لدرجة ان أحد المشجعين، وهو جاري في الغرفة المجاورة في الفندق، أيقظني من نومي الساعة الثانية صباحاً وهو يطلق من غرفته أصواتها المزعجة، التي تشبه صوت «البقرة المزنوطة» وهي تبحث عن منقذ يفك رقبتها المربوطة!.
كان صاحب «الفوفوزيلا» أحد المشجعين الإسبان المهووسين بتشجيع فريقه، ويبدو أنه كان يجرب الآلة الإفريقية استعداداً لتشجيع منتخب بلاده في مباراته الحاسمة مع «هندوراس»، رغم شكوى العديد من اللاعبين عدم قدرتهم على التركيز خلال المباريات بسبب صوتها المزعج.
مع اشراقة الصباح استيقظت على اصوات وهتافات المشجعين، وعندما نظرت إلى الخارج من النافذة شعرت ببرودة الجو الخارجي، لأن أغلبية المارة في الشارع يرتدون المعاطف والملابس الشتوية، لكن حرارة الاجواء «المونديالية»، التي تحاصرك وانت في طريقك إلى «الاستاد» تنسيك لسعات البرد الإفريقي.
استغرق وصولنا إلى ملعب «ايليس بارك» القريب من الفندق أكثر من ساعة،في حين ان عودتنا إلى مقر إقامتنا لم تستغرق أكثر من «15» دقيقة، والسبب أن شوارع المدينة شهدت ازدحاماً رهيباً باتجاه «الاستاد»، الذي كان بالاساس ملعباً لمباريات «الرجبي» افتتح عام 1928، وتم تحديثه لتنظيم كأس العالم للقارات، ومباريات «المونديال»، وقد شهد هذا الملعب حادثا مأساوياً في عام «2001» عندما تدافعت الجماهير خلال مباراة محلية لكرة القدم مما أدى إلى مصرع «42» مشجعاً.
كانت الطرقات المؤدية إلى الملعب مكتظة ومتعرجة وملتوية، مما جعل الحافلة تتحرك باتجاهه مثل حركة «الأفعى»، عندما تحاول اصطياد فريستها ! .. ولا أبالغ عندما اقول ان التقدم باتجاه «الاستاد» يمكن قياسه ب «السنتيمترات» وليس «المترات»!. وعلى امتداد الطريق المتعرج يستقبلك الباعة المتجولون، ويكادون يدخلون إلى سيارتك، وهم يحملون بضاعتهم المكونة من الأعلام الإسبانية، وأبواق «الفوفوزيلا»، والغريب أنني لم أشاهد بائعاً واحدا يحمل علم هندوراس ! فالجميع كانوا يبيعون العلم الإسباني، مما يعكس رهانهم على منتخب «لافوريا روخا» كما يسمونه في إسبانيا.
كان برفقتنا ضمن «المجموعة الصحفية المدعوة» الزميل «هادي بن حسن الفقيه» مدير تحرير صحيفة «عكاظ» السعودية، وقد حرص على ارتداء «الشماغ» والزي الوطني السعودي، ووضع على كتفيه «لفافة» تحمل شعار منتخب «الماتادور»، فكانت شخصيته مثار إعجاب الكثيرين، وخصوصاً لأنه رسم على وجنتيه العلمين السعودي والإسباني، فكان يبدو بجسمه الضخم وملامح «الوجاهة» البادية عليه، وكأنه زعيم من زعماء «الهنود الحمر» ! .. وعندما وصلنا إلى الملعب التفت الجماهير الإسبانية حوله لالتقاط الصور التذكارية معه، وأستطيع القول انه خطف الأضواء من نجوم المنتخب الإسباني «توريس» و«راموس» و«تشابي» صاحب الرئات الثلاث، حيث يستخدم الأولى لبناء الهجمات، والثانية لاطلاق التسديدات،والثالثة لقطع الكرات المضادة !. كانت «دشداشة» زميلنا «هادي» الوحيدة الموجودة في كل ارجاء الملعب، أما «شماغه» الأحمر فكان منسجماً مع ألوان المنتخب الإسباني، فبدا وكأنه رئيس رابطة المشجعين الإسبان.
عندما بدأت المباراة كان الملعب الذي يتسع ل «50» ألف مشجع ممتلئا، وليس هناك موطئ قدم لمشجع زائد، وكان الجمهور الإسباني بقمصانه الحمراء يشكل «75 %» من المشجعين الذين بلغ عددهم الإجمالي «54396».
كانت المباراة سريعة، حماسية، وهجماتها متبادلة بين الفريقين، حتى سطع نجم الهداف الخطير «ديفيد فيا» مهاجم برشلونة الجديد، الذي استعرض مهاراته، فاطلق صاروخاً من بعيد، ليرتطم بالعارضة فتنطلق معه «اهات» المشجعين.
.. وبعدها تلاعب «فيا» نجم المباراة الأوحد بثلاثة مدافعين، قبل ان يرسل كرة لولبية لتستقر مثل «الرمح» في الشباك «الهندوراسية» وكأنه مصارع إسباني في ساحة المواجهة يسدد «ضربة الموت» في عنق ثور هائج.
بعد الهدف وجه اللاعب التحية للجماهير الإسبانية، بنفس طريقة مصارعي الثيران، فلم يكن ينقصه في تلك اللحظة سوى التلويح لهم بالرداء الاحمر ! مع إحراز الهدف الإسباني الأول تحول الملعب إلى بحر من البشر، مياهه تهدر ولاتستقر، لتشكل امواجاً هادرة، لايقل صخبها عن هدير أمواج المحيط الاطلنطي.
وسط ذلك الهدير والصفير، تكاد تسمع «الفلامنجو» وهي تدق ايقاعاتها «الفلكلورية»، وتعزف موسيقاها الكلاسيكية في المدرجات.
كنا نتابع المباراة في المقصورة رقم «320» وهي أشبه بصالة فندقية، جمهورها لايزيد على «50» مشجعاً، الخدمة فيها «فايف ستار» وكانت تدار بكوادر ومضيفات «طيران الإمارات»، باعتبارها إحدى الشركات الراعية للبطولة.
فالمعروف ان رعاية بطولات كأس العالم ليست شيئاً جديداً على هذه الشركة، فقد سبق لها رعاية البطولة السابقة عام 2006 في ألمانيا، كما ستكون من رعاة البطولة اللاحقة عام 2014 في البرازيل.
وبعيدا عن بطولات «المونديال»، لها تجربة أخرى في الرعاية الرياضية، مع أندية «الارسنال» الإنجليزي و«باريس سان جيرمان» الفرنسي، و«اولمبياكوس» اليوناني، و«هامبورغ» الألماني، و«ميلان» الإيطالي الذي سيقوم بارتداء شعار «طيران الإمارات» خلال الموسم المقبل مقابل «60» مليون يورو. هذا ماعرفته ونحن نتناول العشاء بين شوطي المباراة، وعندما انطلق الشوط الثاني حاصر المنتخب الإسباني خصمه في نصف ملعبه، فتوالت الهجمات من جميع الجهات والاتجاهات، وكأنك تتابع فيلماً من أفلام «الأكشن» بطولة الممثل اللاتيني العالمي «انتونيو بانديراس» ، الذي كان يحلم أن يكون لاعبا محترفا في كرة القدم، لكن قدمه كُسرت، فتكسرت أحلامه ! ..وخلال الحصار الإسباني لم يستطع الفريق المحاصر ان يلتقط انفاسه، فتبارى لاعبو «الماتادور» في تضييع الفرص وما أكثرها، حتى نجح «فيا» في إحراز هدفه الثاني. لقد لعب مهاجم برشلونة الجديد دور البطل «زورو»، ولم ينقصه سوى ارتداء «قناعه الأسود» فقد كان نجم المباراة الأوحد، رغم اضاعته هدفاً ثالثا من ضربة جزاء.
كان بإمكان اللاعب المتألق أن يصبح ثاني لاعب يسجل «الثلاثية» في النسخة الحالية من البطولة العالمية، بعد الارجنتيني «هيجو اين» لكنه أضاع ركلة الجزاء المشكوك في صحتها، وأطاح ب «المستديرة» خارج المرمى.
قبل تسديد الكرة همس في أذني «حاتم عمر» مدير العلاقات العامة في «طيران الإمارات» بان اللاعب سيفشل في أحراز الهدف، لأن ضربة الجزاء غير صحيحة.
وبالفعل انحرفت كرة «فيا» عن مرمى «هندوراس» واتجهت يمينا على بعد سنتيمترات من القائم الأيمن، فالتفت باتجاه صديقي ورأيته ينظر لي مبتسماً وكأن لسان حاله يقول لي :
«إنها الحاسة السادسة التي أملكها ولاتعرفها»! وبعيداً عن ضربة الجزاء الضائعة كانت المباراة إسبانية «100 %»، فاصطبغت باللونين الأحمر والأصفر، وكأنها لوحة «سريالية» من لوحات الفنان الإسباني «سلفادور دالي- 1904/1989»، الذي يعد من أبرز رسامي القرن الماضي ومن أشهر أعماله «إصرار الذاكرة».
.. ومع إصرار منتخب «لافوريا روخا» على تحقيق الفوز، كان حارس إسبانيا «ايكر كاسياس» يرتجف من شدة البرد، لأنه لم يختبر طيلة الشوط الثاني، إلى درجة أنه كاد يتجمد في مكانه ، فشعرت أنه ربما يحتاج إلى «دفاية»، أو «بطانية» ليدفئ بها جسمه بعيداً عن لفحات الهواء البارد ! خلال متابعتنا تفاصيل الانتصار الإسباني، كنا نسترجع لحظات الانبهار بالأداء الجزائري أمام المنتخب الإنجليزي.
.. وبغض النظر عن خروج منتخب الجزائر من الدور الأول، بعد خسارته أمام فريق «رجال أوباما» بهدف قاتل، عندما كانت المواجهة العربية - الأميركية تلفظ أنفاسها الأخيرة، ستبقى مباراة «المحاربين» أمام فريق «المستعمرين» من روائع ماقدمته الكرة الجزائرية في هذه البطولة العالمية.
فقد لعب «محاربو الجزائر» أمام «الإنجليز» مباراة العمر، وكان بامكانهم بذلك الأداء البطولي الصعود بفريقهم إلى سطح القمر!. كان أداؤهم منظماً مثل النظام الدقيق المتبع داخل «خلية النحل»، او في «بيوت النمل» حيث الكل يعمل دون كلل أو ملل، من أجل تشريف الكرة الجزائرية ورفعة شأن الكرة العربية.
كان الإنجليز يحتاجون في مباراتهم مع الجزائر إلى سحر الصبي الساحر «هاري بوتر - Harry Potter» الذي اخترعت شخصيته الكاتبة البريطانية «جي.كي. رولنج»، فلم يجدوه لا في حذاء «روني» ولا في شورت «جيرارد» ولا في قميص «لامبارد» ! .. ومع مرور الدقائق الأولى من الشوط الأول، اكتشف لاعبو المنتخب الإنجليزي أن مباراتهم مع الجزائر ليست «ايزي»، وان من كان يعتبرها مجرد «نزهة» هو شخص «كريزي». كان «روني» المغرور الذي انطفأ بريقه في «المونديال»، يعتقد واهماً ان مباراته مع فريق «المحاربين» ستكون مجرد نزهة في حديقة «الهايدبارك»، لكنه فوجئ بانها تحولت إلى حقل من «حقول الألغام»، فاكتشف أنه يعيش في «الاوهام». لقد تحولت تلك المباراة إلى مهمة صعبة وشاقة، بل شائكة لاتقل في تعقيدها عن الصعوبات التي يواجهها الجنود الإنجليز في افغانستان!. .. وعن طريق خطة «المقاومة» المستمدة من نهج المناضل المحارب «عبدالقادر الجزائري - 1808/1883»، نزع «محاربو الصحراء» مخالب وأنياب المهاجم «روني»، وأجبروه على الوقوف بعيداً عن مرماهم، وكأنه تمثال بلا روح من تماثيل متحف «مدام توسو» للشمع، الذي يعد من أشهر المعالم الثقافية والسياحية في العاصمة البريطانية ! ولعل من أكبر المكاسب التي حققها منتخب الجزائر في «المونديال»، اكتشاف موهبة حارسه الرائع «مبولحي»، الذي ولد عملاقاً فكان نخلة باسقة داخل المرمى، تفيض عطاء سخياً، وثمراً شهياً، وتمراً جنياً مثل تمور «دقلة النور» الجزائرية ! كان منتخب الجزائر في مبارياته الثلاث في مستوى «التحدي»، ولولا عدم فاعلية هجومة لنجح في الصعود. مثلما أبدع في الصمود. فالهجوم الجزائري بلا نجوم، وهو أضعف خطوط الفريق، وكان يصاب بحالة من «الفوبيا» عندما يقترب من مرمى الفريق المنافس، وعندما تكون الكرة بين أقدام المهاجمين لايعرفون هل يركلونها في مرمى منافسهم، أم يسددونها في مرماهم، أم يرسلونها إلى مدربهم «رابح سعدان» ؟! لقد نجح الجزائريون في تحقيق كل شيء في «المونديال» باستثناء شيء واحد وهو إحراز الأهداف، ولان «الكورة أجوان» كما يقول «الاخوان» في مصر، بلد «البطل» الإفريقي، الذي يحمل «الكأس»، ويرفع الرأس، ويسعد الناس عندما يكون حاضرا مع «شحاتة» في الميدان، كان من الطبيعي ألا يكون هناك مكان لمنتخب الجزائر في الدور الثاني. فبدون الأهداف تصبح كرة القدم مجرد «حصة تدريبية» من حصص اللياقة البدنية، وبعيداً عن الاعذار، يمكن القول باختصار، ان منتخباً بلا هدافين مثل «شيك بلا رصيد»، قيمته الرقمية وليس النقدية مليون دولار، لا يقبل الصرف بالدينار الجزائري!. هكذا اصبحت مشاركة الجزائر في كأس العالم، بكل التفاصيل المثيرة التي اتسمت بها مباراتهم مع الإنجليز، مثل شوكة في «البلعوم» الإنجليزي، لايمكن نزعها، ولايمكن بلعها في «الحلقوم» ! وعلى العموم، هذا هو الكلام المعلوم، ويبقى ان نتوقف أخيراً عند فضيحة «البطل» المهموم، وإخفاق المنتخب الموهوم! ولعل من مفارقات «مونديال مانديلا» خروج منتخب إيطاليا بطل العالم السابق، ووصيفه منتخب فرنسا من الدور الأول، بسبب الأداء الهزيل، الذي قدماه في البطولة، فلم يستحقا البقاء فيها، فغادرا «المونديال» من الباب الخلفي.
وإذا كانت خسارة منتخب «الآزوري» المذلة أمام سلوفاكيا، التي تشارك لأول مرة في كأس العالم تعد «فضيحة» للكرة الإيطالية، فان فوز منتخب جنوب إفريقيا على فريق «الديوك» يعد إهانة بل مهزلة للكرة الفرنسية.
فهذه الخسارة المخجلة أمام فريق الدولة المضيفة، تعتبر حدثاً تاريخياً مدوياً، لايقل في صداه ومداه، عن فوز الزعيم «مانديلا» بجائزة «نوبل» للسلام!. كنا في تلك اللحظات في المطار استعدادا لرحلة العودة، وكان «الأفارقة» يتابعون مباراة منتخبهم على شاشات التليفزيون وعندما انتهت المباراة بفوز منتخب «البافانا بفانا»، اشتعلت صالة المغادرة بالأغاني والأهازيج الإفريقية.
كان المشهد مثيراً للغاية، فالموظفون والمسافرون انطلقوا يغنون ويرقصون، فقد كانوا سعداء بفوز منتخب «جنوب إفريقيا» على نظيره الفرنسي، الذي فقد مدربه «دومنيك» السيطرة على لاعبيه فتمردوا عليه، واسقطوه بفضيحة مدوية.
كانت علامات الصدمة المرسومة على وجه المدرب الفرنسي المهزوم، تشبه إلى حد كبير حركات المفتش «جاكليس كلوسو - Jacques clouseau» في سلسة افلام «النمر الوردي»!. وإذا كان «المفتش الساذج» نجح - رغم سذاجته - في استعادة ماسة «بانك بنثر - the pink panther» المفقودة، فان «دومنيك» أضاع بين يديه ماسة الكرة الفرنسية البراقة.
.. ومن المؤكد ان مدرب «الديوك» لن ينسى كوابيس «جنوب إفريقيا» التي تعتبر أكبر فشل في تاريخ الكرة الفرنسية، وستظل تتردد في أذنه موسيقى «بانك بنثر».
«تم.. ترم.. ترم.. ترم.. ترم...تتتراااااااام....ترررررم» فهذه الموسيقى المشهورة التي ألفها «هنري مانشيني - henrymancini» الموسيقار الاميركي النشأة، الايطالي الجذور، الحائز على «20» جائزة عالمية في التوزيع الموسيقي، تصلح لتكون مدخلا لمتابعة «الفضيحة الكروية» التي أدت إلى فقدان الرئيس «ساركوزي» شعبيته ! فالاهداف الإفريقية التي دخلت المرمى الفرنسي، أصابت شباك «رئيس الجمهورية»، ودخلت مباشرة إلى مرمى «قصر الاليزيه»، مما يؤكد ترابط الرياضة والسياسة، على اعتبار انه يجمعهما «ملعب واحد» وان اختلف «اللاعبون» ! ... ومشكلة الفريق الفرنسي انه تعامل مع منافسيه في المجموعة، وكأنهم لقمة سائغة من «الكرواسون» فاراد ان يأكلهم ب «الشوكة» و«السكين»، ونسى أنه فريق بائس مسكين لاحول له ولاقوة، حتى لو ادار المباريات «نابليون بونابرت»! اما المنتخب الايطالي، فقد كان يتميز عن جميع فرق العالم ب «منظومته الدفاعية»، المتطورة، الصلبة والصعبة التي لايمكن اختراقها بسهولة، مثل منظومة «باتريوت» ! ولكن دفاع ايطاليا استقبل ثلاثة أهداف في مباراة «سلوفاكيا»، فتحول إلى وجبة من «الاسباجتي» ! .. وبصراحة لم يجرد «السلوفاك» اللقب العالمي من «ابطال العالم» فحسب، بل جردوهم من ثيابهم، فبدا منتخبهم عارياً ومكشوفاً امام الجمهور الرياضي ! ولوكان «بافاروتي» مغني «الاوبرا» الايطالي الشهير حياً، لفضل العودة إلى «المقبرة» على رؤية منتخب بلاده يتعرض لكل هذه «المسخرة» ! هكذا غادر بطل العالم ووصيفه «مونديال منديلا»، من «الداعوس» الخلفي، اما مشجعو منتخب «جنوب إفريقيا» فما زالوا يغنون ويرقصون، ويحتفلون بفوز فريقهم على منتخب «دومنيك» .
ومازالوا ينفخون في ابواق «الفوفوزيلا»، التي تعد جزءاً من ثقافة بلادهم، حتى بعدما غادرت طائرة «الامارات» الرحلة رقم «EK764» مطار «جوهانسبرغ»، وحلقت في السماء، فعانقت السحاب، وبدت من بعيد وكأنها «فراشة» صغيرة ترفرف بجناحيها وسط الفضاء الإفريقي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.