ليس صدفة أن موريتانيا اتجهت في وقت واحد شمالاً نحو المغرب وجنوباً نحو السنغال، وفيما كانت وزيرة خارجية نواكشوط الناهة بنت ولد مكناس تحط الرحال في في تطوان لمقابلة العاهل المغربي الملك محمد السادس، كان وفد عسكري يقوده وزير الدفاع السنغالي عبد الله بالدي يبحث في موريتانيا خطة تنسيق لمواجهة الانفلات الأمني وتطويق التحركات المشبوهة في المنطقة. لا يتعلق الأمر بمحور ثلاثي بصدد التشكيل، ولكنه الجوار الإقليمي حتم على موريتانيا إشراك أقرب الدول إليها في انشغالات ترى أنها تتجاوز حدودها نحو استهداف أمن واستقرار غرب شمال أفريقيا برمته. وهي لم تستثن مالي والنيجر في الامتداد الأفقي إلا لكون خلافات في التعاطي مع شروط الإفراج عن رعايا غربيين اختطفهم تنظيم «القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي، فرضت تبايناً في المواقف، فيما أن الوضع الأمني في النيجر ما زال يتلمس طريقه الى الاستقرار. لا شك أن الموريتانيين اهتموا كثيراً بتطورات الموقف الأوروبي حيال استشراء عدوى التطرف والإرهاب والانفلات الأمني في منطقة الساحل جنوب الصحراء. فقد شكلت القمة الأوروبية – المغربية الأولى من نوعها مناسبة للإحاطة بهذه الأوضاع التي تقلق بلدان الاتحاد الأوروبي كما تؤرق عواصم المنطقة. وشكلت المباحثات المغربية – الموريتانية فرصة سانحة للتداول في ما يجب فعله للإبقاء على الحماس الأوروبي. المنحى الجديد الذي اتخذته الأوضاع في الساحل جنوب الصحراء لم يعد يترك مجالاً للتردد إزاء المخاطر الأمنية والسياسية التي تهدد المنطقة. وبعد أن كان الدور الأوروبي أقل حماسة إلا في الحالات المرتبطة بتداعيات الهجرة غير الشرعية والنزوح الكبير للمهاجرين الأفارقة الفارين من الجوع والمرض والموت، بات اليوم يعاين وقائع لافتة تستهدف الرعايا الأوروبيين. فيما أن الوصفة الأميركية لمظلة (أفريكوم) لم تراوح مكانها وسط تردد المواقف. إن كان الأمر سيطاول إقامة قواعد عسكرية دائمة، أم مجرد تنسيق يشمل رقابة البر والبحر والصحارى. غير أن ربط الاتحاد الأوروبي بين الهاجس المتوسطي والأطلسي في التعاطي مع التحديات الأمنية في المنطقة يعكس تفاهماً أميركياً وأوروبياً على الاستياء. من هذا المنطلق يبدو المحور المغربي – الموريتاني – السينغالي ذا أهمية استراتيجية، إذا كانت تقتصر في الوقت الراهن على إشكالات الهجرة غير الشرعية وتهريب البضائع والأشخاص، فإنها تتطلع لموازاة هذه الجهود بتنفيذ طموحات لتغيير وجه المنطقة، أقله في تطوير آليات ومجالات المساعدة في التنمية، فثمة مشروعات كبرى لم تحظ بالاهتمام اللازم، مثل إقامة الطريق الساحلية الممتدة من طنجة الى لاغوس عبر موريتانيا والسينغال. وكذلك الحال بالنسبة الى مشروع الربط القاري بين أفريقيا وأوروبا عبر مضيق جبل طارق. رهانات وتحديات بهذا المستوى لا يمكن تنفيذها بوسائل محدودة كتلك التي تتوفر ذاتياً لهذه البلدان، ولكنها تتطلب مشروعات أكبر لضخ الاستثمارات وتعزيز البنيات وسخاء الموارد، كما في تجارب النهوض بأوروبا ما بعد الحربين، أو في انفتاح دول أوروبا الغربية على نظيراتها الشرقية بعد انهيار جدار برلين ونهاية الحرب الباردة. المشكل في الحوار الأوروبي – المغربي الذي يؤشر لبداية عهد جديد من الشراكة ذات المردودية العالية، أن المغرب بدوره يواجه صعوبات تشغله عن تطوير علاقاته مع بلدان الجوار الأفريقي، والأمر ذاته ينسحب على محور العلاقات المغاربية التي أضاعت فرصاً عدة. والأكيد أن هذا المحور الثلاثي الذي يطرح مقاربة استراتيجية في العلاقات الأوروبية – الأفريقية مؤهل لإسماع صوت بعض دول الجنوب على إيقاع ما تلتقطه الآذان الأوروبية والأميركية. لكن نبرته الهادئة والمقنعة في الوقت نفسه، في وسعها أن تطرق الأبواب والمنافذ، لو أنها اتسعت أفقياً لتشمل دول غرب أفريقيا والمغرب العربي. فعلى ضفاف هذا الشريط الذي يمتزج فيه البحر بالصحراء توجد ثروات وموارد تغري شركاء المنطقة بالبدء في حوار واسع النطاق، إن كان مجاله الطبيعي اقرب إلى تفهم منظومة الاتحاد من أجل المتوسط، فإن انضمام دول غرب أفريقيا الى الامتدادات المتوسطية سيكون أقرب إلى التفاهم، طالما أن التحديات موجهة ضد مصالح متوسطية وأطلسية في الأمد القريب والبعيد.