هناك حكمة فرنسية تقول: "إذا أردت ان تقضي على أي ملف او قضية او فضيحة، شكل لها لجنة" وهذا ما ينطبق على الكثير من ملفات الفساد والرشوة ونهب المال العام واستغلال النفوذ في هذه البلاد، والتي لم تقنع المسؤولين فيها مسيرات 20 فبراير ولا تظاهرات 20 مارس ولا الزلازل التي ضربت تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن والبحرين... بضرورة تغيير سلوكهم وإنهاء سياسة اللاعقاب... واليكم بعض اللقطات المعبرة في هذا المسلسل المرعب. -المجلس الأعلى للحسابات، وهو مؤسسة دستورية ورئيسها معين بظهير، أنجز تقارير عدة حول سلامة التسيير المالي في عدد من المؤسسات العمومية برسم سنة 2009، وانتهى من العمل في النصف الاول من سنة 2010، والى حد الآن لم ينشر هذا التقرير رغم أننا في ربيع 2011، والمبرر جاهز هو: إن الميداوي وضع التقرير في الديوان الملكي، وينتظر الضوء الأخضر لنشره... ولماذا ينتظر الضوء الاخضر؟ لان التقرير سيثير الكثير من الجدل، وسيسيل الكثير من المداد... من أين أتى السيد الميداوي ببدعة "الضوء الاخضر" هذه؟ الظهير المؤسس للمجلس لا يتحدث عن إذن مسبق من قبل الملك حتى ينشر المجلس تقريره. يقول الفصل 97 في بابه العاشر: "يرفع المجلس الأعلى للحسابات بيانا الى الملك عن جميع الاعمال التي يقوم بها" ولا يقول القانون: "تشترط مصادقة الملك على التقرير قبل نشره"، كما هو معمول به مثلا، مع تقارير المجلس الوطني لحقوق الانسان... إن عقلية "الخوف" و"انتظار التعليمات" التي تسكن عقل الميداوي، وغير الميداوي، تشل عمل المؤسسات حتى عندما تكون قوانينها متقدمة، فلنتصور، مثلا، ان تقرير المجلس وقف على اختلالات عميقة في احدى المؤسسات، فإن هدر المال العام سيتواصل من تاريخ وضع التقرير اواسط 2010 الى اليوم... وعوض وقف النزيف وتحريك المتابعات القضائية يقف الميداوي بانتظار الضوء الأخضر أو الأصفر أو الأحمر. -عوض ان تنشغل الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة بملاحقة المفسدين وقطارات الذهب المتحركة على سكك كثيرة، أصبح شغلها الشاغل هوة "النضال" مع عباس الفاسي، الوزير الاول، وأعضاء حكومته الذين يعتبرون بودرار وهيئته مجرد واجهة لإعطاء الانطباع، في الداخل والخارج، بان المغرب يتوفر على هيئة لمحاربة الرشوة، في حين ان هذه الآفة تتمتع بحصانة سياسية وقانونية وقضائية كاملة. الهيئة رفعت 13 ملف فساد امام القضاء ولم يحرك ساكنا، وهذه الملفات تهم صفقات عمومية، ولهذا اصبح اعضاؤها يتساءلون: هل الوزير الاول قدمها الى زميله في العدل او نسيها في أدراج مكتبه الى جانب ملفات اخرى؟ -مجلس المنافسة تأسس سنة 2009، ومازال يقاوم الطابع الاستشاري له، ومازال بنعمور "يناضل" من اجل دفع الحكومة الى توسيع صلاحياته في بلاد تعتبر فيها المنافسة الشريفة، في الاقتصاد كما في السياسة، الاستثناء الذي يؤكد القاعدة... فكم من صفقة مررت الى هذا او ذاك دون طلب عروض ودون منافسة... وبعد كل هذا، عندما يخرج الشباب للتظاهر او المطالبة بالتغيير وبالدستور الجديد، وبمحاربة الفساد، تقول عنهم تلفزات الدولة: "إنهم مجموعة صغيرة استولت عليها جماعة العدل والإحسان، وإن بلادنا استثناء عربي وعالمي"...رجاء، إذا لم تخافوا من الله ومن الشعب فشيء من الحياء على الأقل.