هل دخلت الفضائيات العالمية ومنها الجزيرة وفرانس 24 و تي أف 1 وغيرها في مسلسل ثورات لا تنتهي حتى تبدأ أخرى؟ هل أصبح غذاءها ما يحدث في بلدان بعيدة عن مقراتها؟ أسئلة كثيرة طرحها الجزائريون وهم يتابعون بدهشة سهرة أول أمس، تغطية الكثير من القنوات لمسيرة لم تكتمل بالعاصمة رغم أن الاحتجاجات التي تعرفها مختلف المداشر وبشكل يومي ومنها التي شهدتها عنابة زوال أمس، أكبر من هذه المسيرة التي حاول الإعلام العربي والغربي أن يصنع لها ذات التوابل التي وُجدت في الطبخة المصرية .. الجزيرة مثلا قال إعلاميوها أكثر مما قاله المشرفون على مسيرة أول أمس، فهم حضّروا للمسيرة عبر شريط إعلان لم يتوقف طوال يوم الجمعة وبذلوا المستحيل على أمل أن ينتقل مسلسلهم إلى حلقات جزائرية مثيرة تنتهي بقلب النظام، فقد قدمت الجزيرة نشرتها المغاربية مليئة بالسموم وأشارت إلى تنويه، الكل يعلمه في آخر حصتها على أساس أنها لا تمتلك مكتبا في الجزائر وهو ما يتناقض مع خوضها في مشاكل الجزائريين كونهم لا يختلفون معاناة عن التونسيين والمصريين حسب صحفي محلل لم يزر الجزائر؟ .. رد فعل الجزائريين تابعناه نهار أمس عبر موقع الشروق اليومي وأيضا عبر الاتصالات التي تهاطلت على مكاتب الشروق اليومي، إذ أجمع المتصلون والمتصلات على أن ما قامت به الجزيرة بالخصوص كان خاطئا هذه المرة لأن الإعلام لا يصنع الثورات من أحلامه وأمانيه وإنما الشعب المعذب المقتنع بذلك هو من يقرر، والدليل على ذلك أن الجزائريين ثاروا على مدى عقود قبل ثورة التحرير في زمن لم يكن فيه سوى المذياع ثم ثاروا في أكتوبر 1988 قبل عصر الفضائيات وهم يثورون الآن وبشكل يومي في المداشر ويُضربون في الجامعات والمصانع دون حاجتهم إلى فضائية هدفها كسب المتفرجين أو التحول إلى ناطق باسم الشعوب أو قنوات تتغذى من الفتن ..البي بي سي أرابيك والعربية والجزيرة وفرانس 24 وغيرها بقيت إلى غاية أمس تتحدث عن مسيرة أهلها أنفسهم اعتبروها من الماضي .. بعض الإحصاءات تقول إن عدد الاحتجاجات في العشرية الأخيرة قاربت 10 آلاف والمواطنون يؤكدون أنها أكثر من ذلك وهدفها دائما الحياة الإجتماعية الكريمة طلبا للغاز الطبيعي والماء والعمل والسكن، وبعض الذين لجؤوا إلى هذا الأسلوب لا يمتلكون كهرباء في بيوتهم فما بالك بقنوات فضائية .. الجزائريون تابعوا بإعجاب ثورة جيرانهم التوانسة وتابعوها بجوارحهم ثورة إخوانهم المصريين، وشبّهوا ما يحدث حاليا في العالم العربي بثورة البريسترويكا التي عمت المعسكر الشرقي في نهاية القرن الماضي، فمنهم من تغير بالدم كما حدث مع تشاوسيسكو في رومانيا والأغلبية تغيرت سلميا بأخذ الدروس مما حدث في بولونيا ورومانيا، والجزائر وبقية الدول العربية مليئة فعلا بالمشاكل ولكن أن تُستنسخ الثورات في مكان وظروف مختلفة لأجل التسلّي الإعلامي فذلك من المستحيل، والذي يريد لسوريا مثلا ثورة ربما يريد أن يُدخلها في الصف الإسرائيلي.