على الأفاضل من الناس ألا يصلوا على المنتحر استنكارا لما صدر عنه وزجرا لغيره على خلفية بعض محاولات الانتحار التي أقدم عليها بعضهم في لحظات غيظ أو غضب غير محسوبي العواقب ارتأت «الصباح» أن تولي اهتماما خاصا للواعز الديني في مثل هذه المسألة فتوجهت لسماحة مفتي الجمهورية التونسية الشيخ عثمان بطيخ ببعض الأسئلة تتعلق بحكم الشرع في من يحاول التهديد بالانتحار ورأيه في من يبادر أو يحاول ذلك وبما ينصح سماحته هؤلاء. سماحة المفتي يعمد البعض في حالة يأس أو للتعبير عن موقف ما القيام بفعل مؤسف من ذلك سكب الوقود على جسمه وإضرام النار فيه بغاية التهديد أو الانتحار، فما حكم الشرع حول التهديد بهذه الطرق أو المبادرة بالقيام بذلك؟ جوابا عن سؤالكم حول الحكم الشرعي في الانتحار ومحاولته، فإن الانتحار ومحاولته جريمة وكبيرة من الكبائر، ولا فرق شرعا بين من يتعمد قتل نفسه أو قتل غيره قال تعالى {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} (1) فالنهي يفيد الحرمة لأن الله هو الذي يحيي ويميت وليس لأي كان ومهما كان السبب أن يعمد الى إزهاق نفسه لأن ذلك قنوط من رحمة الله وجهل وهو نتيجة فراغ روحي وضعف إيمان، ولأن المسلم إنما أسلم ليقي نفسه من النار لا ليلقي بنفسه فيها والله يقول {ولا تيأسوا من روح الله} (2) ويقول {من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا} (3). وسيان أكان القتل بسمّ أو سلاح أو بحرق أو بغرق فكله عمل شنيع. ومحاولة ذلك جريمة يعاقب عليها الشرع والقانون قال عليه الصلاة والسلام: «من قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة» (4) وقال أيضا: «إن النار لا يعذب بها إلا الله» (5). وفي الحديث الصحيح: «بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية فاستعمل رجلا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه فغضب فقال أليس أمركم النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني قالوا بلى قال فاجمعوا لي حطبا فجمعوا فقال أوقدوا نارا فأوقدوها فقال ادخلوها فهمّوا وجعل بعضهم. يمسك بعضا ويقولون فررنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من النار فما زالوا حتى خمدت النار فسكن غضبه فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة» (6). والمنتحر مرتكب كبيرة وليس بكافر فيغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين ولا يصلي عليه الأفاضل من الناس استنكارا لما صدر عنه وزجرا لغيره. بما ينصح سماحة المفتي هؤلاء... وكيف يرى ضرورة التضامن لتجنب مثل هذه المآسي؟ وعلى المرء أن يكون عاقلا مسيطرا على انفعالاته متغلبا على الصعاب بالصبر والجد والاجتهاد ولا يستنكف من أن يعمل أي عمل شريف لئلا يكون عالة على غيره، وعلى المرء أن لا تهزه العواطف والأقاويل المغرضة، والتعاطف مع ضعفاء الحال لا يكون بالبكاء والصراخ وإنما بتقديم المساعدات المادية لهم. ولو أخرج الأغنياء زكاة أموالهم ووزعوها بالعدل على المناطق الأكثر احتياجا وفقرا أسوة بسيادة رئيسنا المفدى الذي يعمل جاهدا على إزالة مظاهر الفقر وتوفير مواطن الشغل للقضاء على البطالة لكان خيرا لهم ولغيرهم. وفقنا الله جميعا لما فيه خير هذه الأمة الطيبة وجنبنا جميع الفتن إنه سميع مجيب.