"الشرق الاوسط" لندن: محمد الشافعي أصبح اسم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي لا يذكر إلا وهو مرتبط بعملية اختطاف رهائن أو تهريب مخدرات أو سرقة وكالات مصرفية. وأصبح التداخل بين الجريمة المنظمة والإرهاب قويا لدرجة أن بعض المحللين بدأوا يتحدثون عن تحول «القاعدة» من ممارسة الإجرام بهدف تمويل الإرهاب إلى اتخاذ الإرهاب غطاء لممارسة الجريمة من أجل جني المال. ولجوء القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي منذ انضمامها إلى تنظيم أسامة بن لادن نهاية 2006 لمصادر جديدة للتمويل من اختطاف الأجانب وابتزاز المهربين وتهريب المخدرات دق ناقوس الخطر في صفوف الوكالات الأمنية بالمغرب الكبير. ويبدي خبراء ومسؤولون من مختلف البلدان تخوفهم من أن تكون عمليات القاعدة مصدرا حيويا للمداخيل لتمويل هجمات «القاعدة» عبر العالم. كما يثير الخبراء في الجزائر مسألة التداخل الحاصل بين «القاعدة» بالمغرب الإسلامي ومهربي المخدرات، بحيث يعرض الإرهابيون حمايتهم على العصابات التي تهرب المخدرات عبر الصحراء. وكانت موجة الاختطافات المتصلة بالإرهابيين قد انطلقت في 2003 عندما قام الزعيم الإرهابي الجزائري، عبد الرزاق البارا باختطاف أزيد من 30 سائحا أوروبيا في الصحراء الجزائرية. ووافقت ألمانيا في نهاية المطاف على دفع 5 ملايين يورو فدية. ومنذ ذلك الحين تحولت الاختطافات إلى تجارة. وأصبحت اختطافات السياح الغربيين مصدرا هاما للدخل للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وفي شمال الجزائر، وخاصة في منطقة القبائل يستهدف الإرهابيون بشكل خاص الأغنياء وكبار التجار لحصد فديات ضخمة. ويذهب الجزء الأكبر من هذه «المداخيل» إلى شراء الأسلحة التي يسهل اقتناؤها في أفريقيا الغربية. ويعتبر موضوع الساحل وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من أهم ما يشغل بال الفرنسيين من أجل الحفاظ على أمن فرنسا الذي بات أولوية بالنسبة لباريس في تعاونها مع الولاياتالمتحدة، كما قال مسؤول عسكري فرنسي في وثيقة دبلوماسية أميركية لموقع «ويكيليكس» كشفت عنها جريدة «لوموند» الفرنسية الشهر الماضي. وفي هذا السياق طالب الرئيس نيكولا ساركوزي ب«تنسيق أفضل بدل التنافس مع الأميركيين» في هذا المجال الحيوي. وكشف الموقع أنه في يناير (كانون الثاني) 2010، اجتمع مسؤولون كبار في الإليزيه في باريس مع الجنرال ويليام وارد، قائد أفريكوم (القيادة العسكرية الأميركية لأفريقيا) التي يوجد مقرها في ألمانيا، «حيث ألح الفرنسيون على تطوير التنسيق في المجال العسكري، وعلى تبادل المعلومات الاستخباراتية ومشاريع التنمية»، حسب برقية من السفارة، وقبل ذلك بأربعة أشهر، وأيضا في باريس، عقد اجتماع سري حضره جوني كارسون، مساعد وزيرة الخارجية للشؤون الأفريقية ودبلوماسيون أوروبيون. وكان جدول الأعمال: مجابهة الأوضاع وتعزيز التعاون. وأفادت الاستنتاجات المشتركة «أن الإرهاب أصبح على أبواب أوروبا» حسب رومان شيرمان، وهو مستشار مسؤول عن أفريقيا في قصر الإليزيه، في حين أن زميله ريمي مشيرون لم يخف تشاؤمه عندما قال: «نشعر أننا نخسر المعركة بين تنمية بلدان الساحل والتهديدات الأمنية المتزايدة التي أصبحت هدفا لها» وفي الوقت نفسه، أشارت برقية من السفارة الأميركية في نواكشوط (موريتانيا) إلى أن تزايد العمليات الناجحة التي قام بها تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي زاد من مصداقية التنظيم في الشارع (...) في الوقت الذي عززت فيه الفدى المدفوعة من قدرات التنظيم على تنفيذ عمليات في المنطقة. وقد أصبح من الثابت ميل الكثير من الشبان الموريتانيين إلى «القاعدة». فأعمال العنف التي تبنتها «القاعدة» قام بها موريتانيون يتحدرون من الطبقة الوسطى، كما كشفت مذكرة أخرى من نواكشوط. وهو ما يعني أن التشدد لا يرتبط ارتباطا مباشرا بالفقر ولكن بغياب الأمل في المستقبل.وأول من أمس أعلنت السلطات المغربية أنها فككت «خلية إرهابية» مكونة من 27 شخصا ويقودها مغربي عضو في تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي. ويتضاعف قلق حكومات المنطقة المغاربية والساحل الأفريقي يوما بعد يوم مع توسع نطاق عمليات ما يعرف ب«تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» ومع تركيز عناصره على العمليات «النوعية» من قبيل خطف الرعايا الأجانب بغية المقايضة والابتزاز، وبالتالي الدفع بالحكومات إلى التفاوض معه والاعتراف به كتنظيم ذي نفوذ وسلطة في منطقة الساحل والصحراء. وسعى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي منذ نشأته إلى جعل الصحراء قاعدة أساسية لنشاطه، ويبدو أن مساعيه بفرض أجندة الأمن على تلك المنطقة تكاد تنجح فلا حديث اليوم في شمال أفريقيا سوى عن مخاطر هذا التنظيم الذي تمكن من حشر حكومات غربية في مربع «التفاوض» سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، على غرار ما حدث مع حكومتي إسبانياوفرنسا مؤخرا. وتعمل دول المنطقة جاهدة على الحد من انتشار هذا التنظيم السلفي وقطع موارده المالية. وذكرت تقارير أن الجزائر تعكف منذ أيام على التحقيق في عمليات تبييض أموال يقوم بها أشخاص في دول الساحل الأفريقي لحساب تنظيم القاعدة في ظل توقعات بأن يكون التنظيم جنى الكثير من الأموال من الفدى والمتاجرة في الممنوعات. ويعتبر القرب من أوروبا هدفا لتنظيم القاعدة، من جهة، ومن جهة أخرى ممرا آمنا يعبره «الجهاديون» نحو العراق وأفغانستان وبقية المناطق التي تستهدفها التنظيمات المرتبطة عضويا أو آيديولوجيا بتنظيم القاعدة. إضافة إلى وجود مناطق شاسعة لا تخضع للمراقبة الأمنية أو العسكرية وهي المسماة بمنطقة الساحل وجنوب الصحراء. وخطورة هذه المناطق الشاسعة التي تتقاسم السيادة عليها عدة دول دون أن تكون لها الإمكانات التقنية واللوجيستية الكافية لبسط السيطرة عليها، تكمن في تحولها إلى مجال آمن تستغله التنظيمات المتطرفة في تدريب العناصر المستقطبة على القتال وتنفيذ العمليات الانتحارية، لدرجة أن خطورتها باتت تزعج الحكومات الغربية. وبالفعل تشهد المنطقة تزايدا مثيرا في العمليات الإرهابية التي لم تعد تستهدف فقط التجمعات السكنية لعموم المواطنين، بل باتت تركز على الأهداف العسكرية والأمنية، ضمن مخطط يعتمده تنظيم القاعدة الذي سبق أن أشار إليه فرع التنظيم ببلاد المغرب الإسلامي في أحد بياناته كالتالي «فالمجاهدون يخبئون لأعداء الله ببلاد المغرب الإسلامي مفاجآت كثيرة ستأتي في سياق متسلسل وفق خط تصاعدي».