فتحت مصالح الأمن سلسلة من تحقيقات معمقة في عدد من الملفات، حول صفقات مشبوهة أبرمتها مؤسسة التلفزيون الجزائري مع عدد من الشركات الخاصة بطرق غير قانونية، وبمبالغ مضخمة ومبالغ فيها. وأول ملف في سلسلة فضائح التلفزيون يتعلق بإبرام صفقة تنظيف مبنى شارع الشهداء وملاحقه، وهي مخالفة ارتكبت في حق إبرام الصفقات العمومية، وانتهى المحققون من التحري فيها، وكان ذلك بمثابة الخيط الذي قاد المحققين إلى فتح ملفات أخرى أثقل. تحصلت ''الخبر''على أول وثائق تلك الملفات، والتي تخص صفقة تنظيف مبنى مقر مؤسسة التلفزيون الجزائري، وهي الصفقة الحاملة للرقم 002/.2009 وأهم ما يلفت الانتباه فيها، هو مناقصتها المعلنة حيث تنافس أصحاب العروض، حسب ما يفرضه دفتر شروط على المقاس، على القيمة الشهرية للصفقة المقدرة ب236 مليون سنتيم وليس القيمة الإجمالية التي تقارب 6 ملايير، على اعتبار أن مدة الاتفاقية تمتد على مدار 24 شهرا. تتضح الحيلة، حسب ما تكشفه وثائق الصفقة، من خلال المادة 11 من مضمون الاتفاقية الموقعة في جانفي ,2009 حيث تضمنت الاتفاقية وملحقها الموقع من طرف المناقص قيمة الصفقة شهريا وليس القيمة الإجمالية التي تصل إلى قرابة ستة ملايير، على اعتبار أنها مبرمة لمدة سنتين، مثلما هو مدون في المادة 20 من الاتفاقية. وبغض النظر عن قيمة الصفقة ما إذا كانت ضخمة أو معقولة، فإن ما وقف عليه المحققون هو مخالفة قانون الصفقات الصادر في نوفمبر 2008 قبل تعديله بالتحديد في مواده رقم 14 و111 و119 التي تتضمن على التوالي ضرورة تحديد القيمة الإجمالية وليس جزءا منها فقط مثلما تضمنته اتفاقية التلفزيون مع شركة النظافة. وجاء في المادة 14 من قانون الصفقات أنه من الواجب تحديد طبيعة وأهمية الخدمات والأشغال المطلوبة، وتحديد الأماكن والقيمة الإجمالية للصفقة، أما المادة رقم 111 للقانون فتنص على إلزامية عرض الصفقة على لجنة دراسة العروض وتشرف على تحليل العروض عكس ما تم في الصفقة موضوع التحقيق. وجاء في نسخة الاتفاقية المبرمة في صفقة تنظيف مبنى التلفزيون وبعض ملحقاته في المادة ,20 تحديد مدتها بسنتين، ما يجعل من القيمة الإجمالية لها باحتساب المعدل الشهري (237 مليون سنتيم) إلى قرابة 6 ,5 مليار سنتيم. وهو الغلاف الإجمالي للصفقة. لكن المناقصة تمت بالنسبة للقيمة الشهرية. وما تجدر الإشارة إليه أن دفتر الشروط كان في صالح المناقص محل التحقيق، على اعتبار أن منافسيه أقصوا في العرض التقني للصفقة، ليبقى الوحيد الذي تتوفر فيه شروط المناقصة، ما أدى إلى اعتباره العرض الأحسن تقنيا وتجاريا. وبمقارنة صفقات النظافة لبعض المؤسسات العمومية ونظيرتها المبرمة بين التلفزيون والشركة الخاصة، يتضح أنه رغم كبر مبنى التلفزيون وملاحقه، فإنه على سبيل المثال لا الحصر لا يصل إلى عدد مرافق وهياكل جامعة الجزائر قبل التقسيم، حيث فازت شركة تنظيف الجامعة بكل ملاحقها ومدرجاتها ومكاتبها بقرابة 3 ملايير سنتيم فقط. وفضلا عن كل ذلك، فإن تحقيق مصالح الأمن امتد إلى عدة قضايا، لعل من أهمها تلك التي لا تزال قيد التحقيق، حسب ما تسرب من معلومات، والمتعلقة بالإطارات العاملين في التلفزة على الورق فقط بينما يتقاضون أجورا معتبرة دون خدمات نظير ذلك، ومنهم من يوجد على هذا الحال منذ سنوات، حسب الوثائق التي تضم الكثير من الأسماء ونسخا عن كشوفات الرواتب واتفاقيات العمل المبرمة بينهم وبين مؤسسة التلفزيون. كما تجري مصالح الأمن تحقيقاتها حول ملف ثقيل آخر خاص بإحدى الشركات المتعاقدة مع مؤسسة التلفزيون، أوكلت لها مهمة كل ما يتعلق بعمليات دبلجة البرامج. في حين تفيد مصادرنا بأن مؤسسة التلفزيون تملك إمكانيات ضخمة تغنيها عن هدر الملايير لفائدة الشركة محل تحقيق، وتمكنها من أداء الخدمة دون اللجوء إلى ميزانية بهذا الحجم، مثلما تكشفه الوثائق. ولم تتوقف تحقيقات الأمن عند هذه الملفات فحسب، بل تتعداها إلى فضيحة أخرى تتعلق بشراء حقوق بث مباشر لمقابلة الجزائر وإفريقيا الوسطى التي كلفت ملياري سنتيم، في حين أنه كان بالإمكان شراء حقوق البث لدى قناة الجزيرة بقيمة أقل بعشر مرات، أي بما لا يزيد عن 200 مليون سنتيم فقط، ليبقى التساؤل قائما حول من كان وراء إبرام تلك الصفقة المضاعفة، ولفائدة من ؟