ساعد جمع المعلومات الاستخباراتية بهمة وتطبيق عدد من أشد القوانين لمكافحة الارهاب في أوروبا، فرنسا على احباط هجمات المتشددين الإسلاميين طوال 15 عاما لكن دعوة أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة مجددا لاستهداف فرنسا وضعت البلاد في حالة تأهب قصوى. وعلى عكس بريطانيا وأسبانيا لم تتعرض فرنسا قط لهجمات من تدبير القاعدة على أرضها بالرغم من أنها عضو حلف شمال الأطلسي الذي شارك في غزو أفغانستان ولا تزال قواته تعمل هناك. لكن التوترات الجديدة بشأن أفغانستان وحظر فرنسا لارتداء النقاب وخطاب بن لادن، الذي خص فيه فرنسا كهدف محدد أثارت مخاوف المسؤولين الأمنيين الذين قالوا ان احتمالات تنفيذ هجمات داخل البلاد لم تكن مرتفعة بهذه الدرجة من قبل. وذكرمصدر قريب من وزارة الدفاع الفرنسية ل "رويترز" "انها فترة ستكون عسيرة... والأمر مبعث قلق هذا العام أكثر من أي وقت مضى. ليست خدعة أو مناورة سياسية". وأدت رسالة صوتية لابن لادن بثت الشهر الماضي أيد فيها خطف مجموعة من الفرنسيين على يد تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي وتحذير منفصل وجهه التنظيم الأسبوع الماضي لباريس الى تأجيج التوترات قبل عيد الميلاد وفيما تتأهب فرنسا لاستضافة اجتماعات رفيعة المستوى لمجموعة العشرين العام المقبل. وقالت مصادر مخابرات انه بالرغم من العزلة المفروضة على ابن لادن فانه يمكنه بسهولة تعبئة متشددين موالين له وستعتبر رسالته التي بثتها قناة الجزيرة التلفزيونية الإخبارية الشهر الماضي ضوءا أخضر للهجوم على فرنسا. ومن بين الأهداف المحتملة محطات الكهرباء التي تعمل بالطاقة النووية ونفق بحر المانش الذي يمتد الى بريطانيا وشبكة مواصلات باريس التي تعرضت لهجوم عام 1995 عندما نفذ متشددون جزائريون تفجيرا في محطة للمترو في آخر هجومي ارهابي تشهده البلاد. وقال فرانسوا ايسبورج الخبير الامني الكبير في المركز الفرنسي للابحاث الاستراتيجية "مع احباط هجومين خطيرين في المتوسط سنويا.. حسنا سينجح أحدهما في النهاية". وأوروبا في حالة رصد دائم للتهديدات لاسيما منذ هجمات مومباي في الهند عام 2008 . وحالة التأهب في فرنسا عند الدرجة "الحمراء" وهي ثاني أعلى درجة على مقياس من أربع درجات منذ تفجيرات لندن عام 2005 . وفي الأسابيع القليلة الماضية أخلت السلطات برج ايفل بعد تحذيرات هاتفية كاذبة وحذر رئيس المخابرات الفرنسية برنار سكوارسيني من أن "الاضواء الحمراء تومض" أكثر من أي وقت مضى. والشاغل الأكبر لفرنسا الان هو تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي -ومعظم أعضائه من المتشددين المولودين في الجزائر- الذي نفذ هجمات ذات نطاق محدود من بينها اختطاف سبعة أجانب مؤخرا منهم خمسة فرنسيين في النيجر. وتعود جذور التنظيم الى الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر التي غيرت اسمها الى تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي والتي كانت وراء عدة هجمات قنابل في فرنسا عامي 1995 و1996 . وفر نحو 200 من أعضاء تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي الذي تربطه صلات بابن لادن من الجزائر الى صحراء منطقة الساحل الافريقي بعد سنوات من الصراع المهلك. وهم في تصرفاتهم أقرب الى قطاع الطرق من المتشددين المتعصبين ويتباهون في صور لهم بالسيارات الرياضية والبنادق التي استولوا عليها. وفي رسالة صوتية بثت قبل قمة حلف شمال الاطلسي الاسبوع الماضي قال التنظيم ان على فرنسا ان تسحب قواتها من افغانستان اذ ما أرادت اطلاق سراح رهائنها. وذكر التنظيم للمرة الاولى انه على باريس أن تتفاوض فقط مع ابن لادن. وقال الان شوويه ،الذي تولى رئاسة جهاز الامن الخارجي الفرنسي في الفترة بين 2000 و2002 "لم يكونوا سوى قطاع طرق كبار... تعني الدعاية المحيطة بالقاعدة انه في الدول الاسلامية يمكنك تحقيق المزيد من المكاسب لو انضويت تحت لواء القاعدة". ويقول الخبراء انه مع قلة الصلات المباشرة بين تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي وفرنسا فانه بوسع التنظيم بقدر من الدعم تنفيذ عملية رمزية. وأشار مصدر للمخابرات الى أن قادة التنظيم يتحدثون الفرنسية ويمكنهم الاتصال بالمهاجرين الذين ينحدرون من شمال أفريقيا. وبالرغم من خلافات في الماضي مع واشنطنولندن بشأن السياسات ازاء الشرق الاوسط كانت فرنسا دوما هدفا للارهابيين الاسلاميين نظرا لتاريخها الاستعماري في شمال أفريقيا والمشكلات التي تواجهها في دمج الاقلية الكبيرة من المسلمين. وتعد الجالية الاسلامية في فرنسا التي يبلغ عددها خمسة ملايين هي الاكبر في الاتحاد الاوروبي لكن كثيرين منهم يعيشون في الضواحي الفقيرة للمدن ولا يتمتعون بأي فرص عمل حقيقية. وأثار قرار الرئيس نيكولا ساركوزي حظر النقاب غضب كثير من المسلمين وادان ابن لادن القرار في رسالته التي بثت في أكتوبر تشرين الاول. وتقول مصادر حكومية ان نحو 25 مواطنا فرنسيا بينهم من اعتنقوا الاسلام سافروا الى شمال باكستانوافغانستان للتدريب بعد تجنيدهم في مصر والسعودية أو اليمن. وفي حالة ألقت الضوء على عملية التجنيد السرية صدر حكم بسجن ستة رجال فرنسيين وافغاني عام 2009 لمحاولتهم تجنيد جهاديين في مسجد بباريس للقتال في العراق. وقال ايسبورج "هذا النوع من الخبرة الاجنبية ضروري للغاية لتعميق التشدد واعداد محاربين يتسمون بالصلابة". ويقول مصدر ان هذا النوع من المتشددين الذين يخضعون لرقابة مشددة من أجهزة الامن يمثل تهديدا لفرنسا اذا ما أفلتوا من قبضة المراقبة أكثر من الخلايا السرية الاكثر تنظيما. ويقول شوويه "عندما يكون لديك خمسة ملايين مسلم في بلد... اذا ما كان لدينا واحد بين كل عشرة الاف قرر اللجوء للعنف فهذا يمثل ذخيرة كبيرة".