يقوم، الفريدو بيريث روبالكابا، وزير الداخلية الإسباني، بزيارة للمغرب يوم الاثنين 23 من الشهر الجاري، ليبحث مع نظيره المغربي مولاي الطيب الشرقاوي، أوجه التعاون القائم بين البلدين منذ عدة سنوات في مجال الأمن ومحاربة الإرهاب والهجرة السرية. ولم تحدد وزارة الداخلية الإسبانية المدة التي سيقضيها روبالكابا في الرباط، ويبدو أنها لن تتعدى في الأغلب يوما أو ساعات، كما جرت العادة في زيارات سابقة من هذا القبيل، كما لم تشر الوزارة الإسبانية إلى ما إذا كانت الأحداث الأخيرة التي اندلعت عند المعبر الحدودي مليلية ستشكل إحدى القضايا الرئيسية التي سيبحثها الجانبان، خاصة وأن الوزير الإسباني، سيكون مسبوقا أو مرفقا، بمديري الأمن الوطني والحرس المدني، وبالتالي فإن التوتر الأخير الحاصل بين البلدين لا بد وأنه سيأخذ جزءا أساسيا من مباحثات الشرقاوي روبالكابا، اللذين يلتقيان لأول مرة منذ تعيين الوزير المغربي في منصبه خلفا لشكيب بن موسى الذي يعرفه روبالكابا جيدا واجتمع به في مناسبات عدة. وتتزامن زيارة روبالكابا، مع إعلان المغرب تفكيكه أخيرا لخلية إرهابية، كان أعضاؤها 18 يخططون للهجوم على مصالح أجنبية ووطنية داخل البلاد. وجرت العادة أن يتبادل البلدان المعلومات الاستخباراتية، عند الكشف عن أي تنظيم مماثل، بل إن التنسيق الأمني بين المغرب وإسبانيا، بدافع درء الخطر المشترك، كان وراء نجاحهما في وضع يد الأجهزة الأمنية على عدد من الخلايا الإرهابية ذات الامتداد في البلدين. وكانت أخبار تواترت في أعقاب الاتصال الهاتفي بين الملكين محمد السادس وخوان كارلوس، مفادها أن مدريد أعربت عن استعدادها إيفاد مبعوث رفيع المستوى إلى الرباط ، لم تقل في البداية إنه سيكون بمرتبة وزير، ليتولي تقديم الإيضاحات اللازمة بخصوص ما تقول السلطات المغربية إنه اعتداء متكرر على مواطنيها في المعبر الحدودي لمليلية من طرف عناصر الأمن، ما جعل وزارة الخارجية بالرباط، تصدر بيانات متتالية شديدة اللهجة مطالبة الجانب الإسباني بإعطاء توضيحات دقيقة عن ما جرى. ويبدو أن الاتصال الهاتفي بين العاهلين، أعطى نتائجه الإيجابية، فمنذ ذلك اليوم، هدأت الأجواء بشكل تدريجي على الحدود وأرجأت جمعيات المجتمع المدني في منطقة الريف، قرار منع دخول المواد الغذائية إلى مدينة مليلية، إذ يعتبر المغرب المزود الرئيس لأسواق المدينةالمحتلة بالخضر والفواكه والأسماك الطرية، بأثمان جد مناسبة. وفي هذا السياق، توالت تصريحات مطمئنة صدرت عن مسؤولين إسبان، حزبيين وحكوميين، أبرزهم وزير الداخلية ومسؤولة العلاقات الخارجية في الحزب الاشتراكي العمالي، إيلينا فالنثيانو، اللذين قللا من الأحداث الأخيرة، ودافعا عن استمرار أفضل العلاقات مع المغرب، مشيرا (وزير الداخلية) إلى أن الاتصالات جارية على أرفع مستوى بين مدريدوالرباط لاحتواء الموقف. ودخل الحزب الاشتراكي الحاكم في جدل سياسي مع الحزب الشعبي المعارض، فقد اتهم هذا الأخير الحكومة بالرضوخ كعادتها للمغرب وعدم إبداء الحزم عند المعابر الحدودية. ولم يقبل الحزب اليميني أن يلجأ رئيس الوزراء خوصي ثباطيرو إلى العاهل الإسباني، ليتدخل لدى ملك المغرب، من أجل إنهاء النزاع وفسح المجال للحوار. بل إن الحزب الشعبي ذهب بعيدا حين قال على لسان بعض قيادييه إن ثباطيرو، تعامل مع الملك خوان كارلوس وكأنه وزير خارجية إسبانيا، في إشارة مزدوجة إلى عجز الحكومة من جهة وعدم تحبيذ تدخل الملك في الشأن السياسي العام من قبل الحزب الشعبي. والحال أن استعانة الحكومة الاشتراكية بالنفوذ المعنوي للقصر الملكي الإسباني، ليست بالأمر الجديد، فمنذ أن عاد الاشتراكيون إلى السلطة في مدريد عام 2004 صرح رئيس الوزراء أن حكومته الاشتراكية ستنسق مع الملك وستستشيره في القضايا الكبرى المتعلقة بالسياسة الخارجية. وكان ثباطيرو وحزبه الاشتراكي، مخلصين في هذا التوجه للتقليد الذي سنه ورسخه رئيس الوزراء الأسبق فيليبي غونثالث، الذي تميزت ولاياته الثلاث على رأس السلطة للتنفيذية، بتجاوب وتناغم بينه وبين الملك خوان كارلوس. إلى ذلك، يمكن النظر إلى الأزمة الحالية بين المغرب وإسبانيا على أنها أعادت الحرارة إلى خيوط الاتصال بين القصرين الملكيين، بعد الفتور الذي شابها في أعقاب الزيارة غير المسبوقة التي قام بها خوان كارلوس إلى سبتة ومليلية أواخر العام 2007. وفي هذا الصدد فإن اتفاق العاهلين على لقاء غير رسمي في المستقبل، يترك الباب مفتوحا أمام احتمال عودة أجواء الود التي طبعت في الماضي العلاقة بين الأسرتين الملكيتين. وإذا سارت الأمور في النهج السليم، فلا يستبعد أن يلتقي خوان كارلوس ومحمد السادس، والمناسبات كثيرة.