إذا صدقت استطلاعات الرأي، فإن مصر ستحظى بحلول يوم الأحد على دستور جديد. وستحظى المسودة التي طرحها الرئيس محمد مرسي للاستفتاء بأغلبية بسيطة في الاستفتاء الشعبي. وتؤكد هذه الممارسة على عدد من النقاط. من هذه النقاط قرار ما يقرب من ثلثي الناخبين المصريين العزوف عن المشاركة في الاستفتاء. ففي الجولة الأولى التي أقيمت يوم السبت الماضي بلغت نسبة المشاركة 30 في المائة، ولا يتوقع أن ترتفع النسبة في الجولة الثانية. ومن ثم، إذا ما تمكنت النسخة، بحسب توقعات استطلاعات الرأي، من الحصول على نصف عدد الأصوات فسوف تحظى بدعم ما يقرب من 16 في المائة من إجمالي أصوات الناخبين. ستحظى مسودة الدستور، في ظل وجود قاعدة دعم منخفضة بهذا الشكل، بشرعية قانونية. لكن هل ستحظى المسودة أيضا بشرعية أخلاقية، الأمر الذي يمثل أهمية محورية إذا كان على الدستور الجديد أن يجمع المصريين سويا؟ سيجد أصحاب الأفكار الليبرالية صعوبة في تأييد المشروع المقترح، بيد أنه من غير المنصف رفضه لكونه وسيلة لبناء دولة دينية على غرار نظام الخميني في إيران وطالبان في أفغانستان. فمؤيدو قيام نظام خميني أو طالباني هاجموا المسودة المصرية «كمنتج يستقطب العلمانيين ذوي التوجهات الغربية»، حتى إن كراهية الإعلام الرسمي في طهران للدستور المصري الجديد يشير إلى أننا لن نشهد بداية ديكتاتورية دينية في ظل مرسي. ومقارنة بدستور عام 1971، تحظى المسودة الجديدة بمسحة إسلامية طفيفة إلى حد ما، لكنه لا يهدف إلى إنشاء دولة ثيوقراطية كما يشير المنتقدون. وقد اتضح هذا في المادة الخامسة التي تؤكد على أن «السيادة للشعب وحده»، وقد عززت الكثير من المواد هذه الفكرة. المسحة الإسلامية واضحة في المادة الثانية والمادة 219 التي تعطي العقيدة الدينية سلطة محدودة في صياغة القوانين، في الوقت الذي أعطت المادة الثالثة لمؤسسة الأزهر دورا استشاريا في التشريع. بيد أن هناك عددا من المواد الأخرى التي تثير القلق وتحديدا في المادة 11 تعطي، ضمنيا على الأقل، الدولة الحق في نشر وحماية الدين. وكذلك المادة 44 التي تعطي الدولة الحق في تقييد الحريات الشخصية باسم حماية المقدسات الدينية. لكن ما يشكل أهمية الآن هو كيفية استخدام هذا الدستور كمصفوفة لقوانين مطلوبة لإعادة بناء الدولة والفضاء العام. فأفضل دستور يمكن تفسيره بأسوأ طريقة، فرغم أهمية الدستور فإن الأهم هو كيفية تطبيقها. فالاتحاد السوفياتي السابق كان يملك واحدا من أكثر الدساتير ليبرالية في التاريخ. ويصف النظام في كوريا الشمالية نفسه بالجمهورية الديمقراطية الشعبية. في السياسة تكون العملية والتطبيق العملي بقدر أهمية الدستور والقوانين المنبثقة عنه. ويحتل الإدراك أهمية مماثلة. أحد أسباب استياء المصريين هو قرار مرسي، الذي ربما اتخذه تحت ضغط من قيادة الإخوان المسلمين، لتسريع العملية ومن ثم منع معارضيه من الحصول على وقت كافٍ لتعديل المسودة قبل الاستفتاء. قد يكون السبب في نهج مرسي الصارم الخوف من أن تحاول بقايا النظام السابق، الذين يطلق عليهم «الفلول»، إثارة الفوضى بمساعدة «الدولة العميقة». الشيء الواضح هو أن الفلول سيقومون بكل ما في وسعهم للحفاظ على القوة التي لا يزالون يمتلكونها، ناهيك باستعادة جزء مما خسروه. بيد أن الفلول لا يسيطرون على الدولة العميقة التي يفترض وجودها، فالمحكمة الدستورية العليا، التي وصفها مرسي بأنها جزء من الدولة العميقة، التي قامت بحل البرلمان المنتخب، أقرت بانتصار مرسي في انتخابات الرئاسة. من ناحية أخرى، تقدم الانتخابات البرلمانية والرئاسية والاستفتاء الأخيرة صورة دقيقة إلى حد بعيد بشأن الرأي العام في مصر، فأكثر من ثلثي المصريين لا ينتمون إلى أي من الفصائل السياسية الكثيرة التي تتنافس على السلطة. وقد يعود ذلك في جانب منه إلى أن فترة عام ليست كافية للتعرف على البرامج السياسية المتنافسة. في الوقت ذاته، لم تبذل الأحزاب السياسية جهدا كبيرا في الوصول إلى أبعد من دوائرهم الانتخابية الأساسية. أما الثلث الباقي من المصريين الذين ينتمون إلى الأحزاب المختلفة فمنقسمون إلى مجموعات مختلفة. المجموعة الأضخم هي الإخوان المسلمون التي تشكل قاعدتها الأساسية نحو تسعة في المائة من أعداد الناخبين. ويشكل السلفيون والمجموعات الإسلامية الأخرى ستة أو سبعة في المائة أيضا. فازت الجبهة الإسلامية ككل بدعم نحو 22 في المائة من الناخبين في الانتخابات الرئاسية، ويتوقع أن تبدو كانتصار في الاستفتاء بنحو 16 في المائة من أصوات الناخبين. خارج الجبهة الإسلامية، هناك وفرة في المجموعات. فبعيدا عن الفلول هناك الناصريون ومؤيدو القومية العربية والاشتراكيون والشيوعيون والليبراليون المطالبون بنمط غربي، ناهيك ببعض الشخصيات التي تضخمت لديها الأنا بشكل كبير. والمشكلة هي أن غالبية المشاركين في النقاش السياسي لا يزالون أسرى لخطاب قديم فقد مصداقيته يوصم بموجبه من لا يتفقون معه بأنهم «متآمرون أو عملاء القوى الأجنبية». من الواضح أن مرسي غير قادر على تخيل أن بعض الأفراد قد يكونون مخالفين له لأنهم يعارضون سياساته أو لأنهم، ببساطة، يطمعون في الوصول إلى كرسي الرئاسة. ومن ثم وصمهم بالمتآمرين الذين تحركهم الدولة العميقة. على الجانب الآخر من المشهد وصف خصوم مرسي إياه بالدمية في يد جماعة الإخوان المسلمين في مؤامرة لإنشاء دولة ثيوقراطية. لا يمكنهم تخيل أن يحاول مرسي تنفيذ البرنامج الذي انتخب من أجله ومن ثم تعزيز موقفه. لم يستفد المصريون، الذين أمطروا بألفاظ مبتذلة بشأن المؤامرة والمؤامرة المضادة، من الحوار المسؤول والرصين والمستفيض الذي يتاح لهم الآن للمرة الأولى. بيد أنه لا ينبغي للمرء أن يفقد الأمل. فمصر تقوم بأولى خطواتها في رحلة طويلة، على الرغم من كونها مؤلمة، باتجاه جعل المادة الخامسة من الدستور حقيقة.