أثارت أزمة مصر الكثير من الأسئلة المتعلقة بموقف الرئيس محمد مرسي، وما إذا كان هو المسؤول عن الإعلان الدستوري، أم أن جماعة «الإخوان» هي التي كلفته طرح هذا التوجه بهدف الوقوف على رأي الشارع والأحزاب. فريق من «الإخوان» يشعر بعمق الإحراج الذي سببه له إعلان الرئيس مرسي، لذلك إتهمه بالتفرد وعدم إستشارة المرشد العام محمد بديع أو مؤسسات التنظيم. وفريق آخر يرى أن الجماعة الإسلامية الممثلة بالإخوان والسلفيين هي التي تقف وراء القرار المفاجىء الذي يؤدي الى إسقاط الدولة المدنية بكل مؤسساتها القومية والماركسية والليبرالية. كما يؤدي بالتالي الى حل الجمعية التأسيسية المنوط بها وضع مشروع دستور جديد للبلاد. ويُستدَل من تجاهل الرئاسة لوضع دستور جديد يحافظ على حقوق المواطنين أن مرسي غير راغب في إنجاز هذا المشروع الذي يحدد صلاحياته ويقيد خطواته. وقد وجد في إنسحاب ممثلي الكنائس المختلفة سبباً لتأجيل إجراءات التنفيذ. وكان الأقباط، الذين يشكلون ما نسبته عشرة في المئة من عدد سكان مصر، يتوقعون من الرئيس مرسي معاملة مختلفة عن معاملة الرئيس السابق حسني مبارك. ولكنهم أصيبوا بالإحباط يوم تجاهل مرسي تطويب الأنبا تواضروس الذي ورث البابا الراحل شنودة، ولم يحضر مراسم التطويب. ويعترف المقربون من البابا تواضروس أن رأس الكنيسة القبطية ينتظر الفرصة المناسبة لإطلاع محمد مرسي على المشاكل العالقة التي يعاني منها أبناء طائفته. وتأتي في سلم الأولويات مسألة إقرار قانون دور العبادة الموحد، وإصدار اللائحة المعدلة لقانون الأحوال الشخصية للأقباط كي يتمكنوا من الإحتكام لشريعتهم. المسألة الثانية التي تقلق الأقباط تتعلق بظروف تهميشهم في المجتمع، وعدم إعتبارهم جزءاً من المجموعة الوطنية. وهذا ما دعا «السلفيين» الى وصفهم ب «الكفار» ويجب عليهم دفع جزية. المسألة الثالثة المعدة للتشاور مع مكتب الرئاسة تتعلق بإستبعاد الأقباط من المناصب العليا في الدولة، علماً أن رموزهم السابقة من أمثال مكرم عبيد كانت في طليعة الأحزاب الوطنية. وكما يشدد الرئيس مرسي على محاكمة المسؤولين عن قتلى التظاهرات... كذلك يشدد البابا تواضروس على ضرورة محاسبة المسؤولين عن جرائم الإعتداء على الأقباط ومنها مذبحة «ماسبيرو». ومع أن مرسي تعهد في خطبه الإنتخابية حماية المواطنين المسيحيين إلا أن شيئاً من هذا القبيل لم يحدث. وقال مؤسس الشبكة العربية لحقوق الإنسان جمال عيد أن ممارسات العنف من جانب متشددين إسلاميين إزدادت بطريقة ملفتة منذ إنتخاب محمد مرسي. وواضح من تطور عمليات تصعيد العنف في القاهرة والاسكندرية والسويس ودمنهور ومناطق الأرياف أن هناك إصراراً من قبل الرئيس مرسي على التمسك بالإعلان الدستوري. وعليه يرى «السلفيون» أن رئيس الجمهورية ليس أكثر من أداة تنفيذية لموقف إتخذته قيادة «الأخوان المسلمين». وربما يُزاح عن كرسيه من قِبَل جماعته في حال أظهر بعض التراجع أو الضعف. وهذا ما يفسر كلام المرشد العام للجماعة الدكتور محمد بديع الذي قال: «يبدو أن حلم الشيخ حسن البنا في إحياء الخلافة الإسلامية قد إقترب.» وكان هذا التصريح بمثابة تذكير للرأي العام بأن نجاح حزب الحرية والعدالة سيفتح الباب وسيعاً لإحياء دعوة مؤسس الجماعة الشيخ حسن البنا. ولم تكن دعوة البنا سنة 1928 سوى ردّ متأخر على كمال أتاتورك الذي أعلن إلغاء الخلافة الإسلامية سنة 1924. وكان أتاتورك يدعو للتخلي عن الإرث الامبراطوري ويحمل تركيا في مسار «التغريب» وإستبدال الطربوش بالقبعة. وذكر في حينه أن ملك مصر فؤاد الأول كان متحمساً للفكرة على إعتبار أنه كان يطمح الى حمل لقب خليفة المسلمين. وفي إجتماع حضره ثلاثون شخصاً يمثلون أعيان مصر عارضت غالبية الحضور هذه الفكرة، بسبب وجود البلاد تحت هيمنة الإنتداب البريطاني. لذلك أيّد الجميع دعوة القوميين العرب الى التخلص من الإنتداب البريطاني- الفرنسي الممثل بمشروع سايكس- بيكو. سنة 1928 أعلن حسن أحمد عبدالرحمن محمد البنا الساعاتي ولادة حركة الإخوان المسلمين. وترك مهنة التدريس ليتفرغ لإدارة تحرير جريدة «الشباب» التي تنطق باسم الحركة وتتحدث عن توجهاتها. وتجدر الإشارة الى أن الأحزاب السياسية المصرية قاومت بضراوة أفكار حسن البنا، وخصوصاً «حزب الوفد» الذي تخوفت قيادته من إضعاف شعبيتها بين الشباب. وقد حاول البنا إختبار شعبية دعوته عن طريق خوض الإنتخابات في دائرة «الدرب الأحمر» في القاهرة، ولكنه سقط في عدة دورات. وفي عهد حكومة النقراشي باشا صدر قرار بحل جماعة «الإخوان المسلمين» ومصادرة أموالها وإعتقال معظم أعضائها. وكانت التهم تشمل الإعتداءات على مؤسسات الدولة، وإغتيال بعض الشخصيات المرموقة من موظفيها مثل القاضي خزندار. مساء 12 شباط (فبراير) 1949 إغتيل حسن البنا وهو خارج من مبنى جمعية الشبان المسلمين في القاهرة. وقد أصيب بطلق في بطنه، ولكن الجرح لم يمنعه من الجري وراء السيارة التي كان يقودها القاتل. ثم تبين أنها سيارة رسمية تخص الاميرالاي محمود عبدالمجيد، مدير عام المباحث الجنائية في وزارة الداخلية. المرحلة الثانية في تاريخ المجموعة الإسلامية بدأت بنشاط سيد قطب إبراهيم حسين الشاذلي في عهد الرئيس جمال عبدالناصر. إستوحى سيد قطب أفكاره من كتابات حسن البنا ومؤلفات أبو الأعلى المودودي، مؤسس الجماعة الإسلامية في الهند سنة 1941. وفي ضوء تلك الإرشادات حاول سيد قطب تجديد روح النضال لدى جماعة الإخوان المسلمين، وتنشيط أجهزتها السرية توطئة لتنصيبه مرشداً عاماً بدلاً من حسن الهضيبي. كان سيد قطب يؤمن بالجهاد وإستخدام القوة لتحقيق مجتمعات مسلمة صافية. وعليه طالب بقيام صفوة مختارة تفهم الإسلام على وجهه الصحيح... صفوة تصحح عقيدة الناس وتغيّر واقع المجتمع. ثم اختصر هذه الدعوة بالقول: انها جهاد وإستشهاد. انها الثورة الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها وأنظمتها وأوضاعها، والتمرد الكامل على كل وضع يكون فيه الحكم للبشر. على هذه الأفكار أقامت جماعة الإخوان المسلمين منهاجها العقائدي. وقد إتخذت طريقها الى التنفيذ عبر تنظيم سري تزعمه سيد قطب وضم في قيادته عبدالفتاح إسماعيل وعلي عشماوي وأحمد عبدالمجيد وصبري عرفة ومجدي عبدالعزيز. وقام هذا التنظيم بتدريب الأعضاء على إستعمال السلاح، وتخزين ترسانة ضخمة مليئة بالمسدسات والبنادق والخناجر والمفرقعات وقنابل المولوتوف. وعندما إنطلقت ثورة عبدالناصر شعر سيد قطب بأن الحركة التي أسسها حسن البنا قد آذنت على الزوال، وأنه مدعو لمقاومتها ولو بالقوة. ومن رحم ذلك الشعور القلق ولد القرار بضرورة إغتيال جمال عبدالناصر سنة 1954. يذكر اللواء فؤاد علام في كتابه «الإخوان... وأنا» أنه في اليوم المقرر لتنفيذ حكم الإعدام بسيد قطب توجه الى السجن الحربي بمدينة نصر وإصطحبه مع إثنين آخرين. وفي طريقه الى غرفة الإعدام راح يردد: «ان الحكومة لا تملك إلا أن تقضي على العقل الإسلامي الكبير حتى تنفرد بأعمالها ضد الإسلام.» وبما أن الحكومة لم تنجح في طمس أفكاره، لذلك قررت إعدامه. بعد إنتظار طويل، دام نحواً من 84 سنة، وصل «الإخوان المسلمون» الى الحكم في مصر. وقد إختاروا محمد مرسي رئيساً للجمهورية التي تستلهم في ادائها نظام الجمهورية الإسلامية في ايران. ولم تكن العقبات المفتعلة أمام لجنة الدستور سوى مؤشرات أظهرت الإعلان الدستوري وكأنه سلطة دينية ودنيوية لا يملكها سوى علي خامنئي، مرشد النظام. ولم تكن المفاجأة التي طلع بها الرئيس مجرد مفاجأة للأحزاب المصرية وللشعب المصري، بقدر ما فاجأت الولاياتالمتحدة التي اعتمدت على مرسي في حل أزمة غزة. لذلك سارع الكونغرس الى تجميد مبلغ أربعة بلايين و800 مليون دولار، كان من المتوقع أن ينزل في خزينة مصر كقرض مسهل. وتبع هذا القرار تردد من الصندوق الدولي الذي أرجأ عملية التوقيع في 19 الشهر المقبل. أما على صعيد «الربيع العربي» فإن الحكومات في ليبيا وتونس واليمن تنتظر ما سيحدث في مصر الأسبوع المقبل، لعلها تكتشف الى أين تأخذ البلاد جماعة الأخوان!