سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المنصف المرزوقي: أتحمل مسؤوليتي في كل إنجازات الحكومة وكل إخفاقاتها الرئيس التونسي ل «الشرق الأوسط» : أعلم بالتجربة أنه لا يمكنك أن تسيطر على الإعلام كما لا يمكنك أن تسيطر على الطقس
أكد الرئيس التونسي المنصف المرزوقي أنه لا ينزه الحكومة التونسية الحالية، لكنه أوضح ل«الشرق الأوسط» موقفه، قائلا: «أقول لمن ينتقدونها ليلا ونهارا.. أنا أتحمل مسؤوليتي في كل إنجازات الحكومة وكل إخفاقاتها لأني جزء من الترويكا». وعن المؤسسات في تونس، قال إنها بحاجة لمراجعة وإصلاح، بعد أن خربها النظام السابق، وأضاف: «نحن نبني على خراب 50 سنة من الديكتاتورية». وحول السلفيين الجهاديين الذين يحب الرئيس التونسي أن يسميهم ب«التكفيريين»، قال إن «حجمهم الحقيقي صغير جدا. فهم عبارة عن كتلة متحركة يضخمها الإعلام، وخطرهم الكبير على صورة تونس وعلى علاقاتها الخارجية». وحول ترشحه للرئاسة خلال الانتخابات المقبلة، التي من المفترض أن تكون في نهاية صيف 2013، قال المرزوقي: «القرار الأخير سأتخذه ربما قبل الانتخابات بشهر، عندما تتضح الصورة السياسية والتحالفات السياسية القائمة، وإمكانيات النجاح، وهل ما زال لي دور أقدمه». وبالنسبة للإعلام في تونس، قال: «نحن بصدد التفكير الجدي جماعيا في نظام إعلامي سليم يخدم المصلحة الوطنية ويخرج عن التجاذبات السياسية، ولا يكون ضحية للمال القذر.. وأنا شخصيا لا أخاف من الإعلام ولا أطمع فيه، وليس لدي أي وهم حول طبيعته، ولا أريد السيطرة عليه ولا أن أستخدمه لأنني أعلم بالتجربة أنه لا يمكنك أن تسيطر على الإعلام كما لا يمكنك أن تسيطر على الطقس». «الشرق الأوسط» التقت الرئيس التونسي المنصف المرزوقي أمس على هامش زيارته لندن. وفي ما يلي نص الحوار: * هذه الزيارة للندن في أي إطار تندرج؟ - هي زيارة خاصة، حيث تم إسناد جائزة لي وأخرى للشيخ راشد الغنوشي من طرف «تشاتم هاوس»، أتينا لتسلمها، ولها صبغة سياسية، لأنها تشمل شخصيتين بارزتين في تونس، وثانيا لتثمين الثورة التونسية والتوجه الذي اتخذناه أنا والشيخ راشد الغنوشي، وهو تحقيق التوافق لتجاوز الخلافات العقائدية لنبني المستقبل بصفة براغماتية، وبريطانيا بلد براغماتي، ولا أتصور أن بلدانا أخرى كان يمكن أن تمنحنا مثل هذه الجائزة. * كيف تقيمون الأوضاع في تونس في هذه المرحلة، وقد سبق أن حاورناكم منذ نحو سنة وكنتم متفائلين، هل ما زلتم تحملون نفس التفاؤل؟ - أكثر من أي وقت مضى. لسبب بسيط، وهو أن السنة الماضية كان الوضع الأمني فيها صعبا جدا، فكنت عندما أبدأ نهاري أجد على مكتبي قائمة تحمل ما حدث من إضرابات واعتصامات وقطع للطرق، وكل هذا يكاد يكون انتهى الآن. وأيضا الاقتصاد؛ كان مصنفا على أنه في الخانة الحمراء، ويمكن أن نقول إنه الآن في مرحلة البرتقالي، إن صح التعبير، حيث ارتفع من تحت الصفر إلى مستوى 2 و3 في المائة فوق الصفر، فالسياحة عادت لنشاطها، والتوافقات السياسية تتقدم خاصة في موضوع كتابة الدستور، والأزمة المفتعلة التي مررنا بها يوم 23 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث كان البعض يهددون بالفوضى ويحلمون بمظاهرات صاخبة وتدخل الجيش، مرت بسلام، كانت عبارة عن مجرد فقاعة هواء. في تونس الآن عملية المخاض ما زالت قائمة، وصعبة وموجعة، لكن التونسيين على الطريق الصحيح إن شاء الله، وأنا واثق من أننا سنتمكن من خلال كتابة دستور توافقي، وتحقيق انتخابات حرة ونزيهة أن نتفادى كل المطبات، ثم نتفرغ أخيرا للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية. * هل ستترشحون لمنصب الرئاسة في الانتخابات المقبلة، خاصة أنها ستكون انتخابات مباشرة من الشعب، وستكون للرئيس صلاحيات أكبر من الصلاحيات التي تتمتعون بها الآن؟ - أنا قلت أكثر من مرة في ردي على هذا السؤال إنني وفي هذا الموقف أعمل بالقول: «اعمل لدنياك وكأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك وكأنك تموت غدا»، أنا أشتغل ليلا ونهارا كأنني سأترشح حتى أستطيع أن أواجه الشعب التونسي وأقول لهم: انظروا. هذا ما قمت به من إنجازات لأترشح، كما أنه يمكن أن لا أترشح، لأنني أريد عندما أنهي مهمتي وأعود إلى بيتي ومكتبي أن أقول إنني قمت بواجبي غير منقوص، والقرار الأخير سأتخذه ربما قبل الانتخابات بشهر، عندما تتضح الصورة السياسية وما هي التحالفات السياسية، وما هي إمكانيات النجاح، وهل ما زال لي دور أقدمه. وعلى أساس هذه المعطيات سأتخذ القرار، ولكن في الوقت الحالي لا أريد أن يشغل هذا الموضوع بالي، خاصة أني لا أريد أن يؤثر على قراراتي، لأنني إذا قررت منذ الآن الترشح، فسأدخل في تحالفات، وهذا أرفضه، وأريد التفرغ والقيام بعملي، بغض النظر عن هذه المسألة. * كيف تقيِّمون عمل الحكومة التونسية اليوم؟ - الحكومة تواجه صعوبات كثيرة، وهي ناجمة بالأساس عن ثقل التركة، وقلة الخبرة.. ولا أحد ولد وزيرا ولا أحد ولد رئيسا للجمهورية، والخبرة يجب أن تُكتسب، ولكن نحن مُنعنا من اكتساب الخبرة تحت نظام الديكتاتورية، ومُنعنا حتى من تسيير بلدية. وهناك أيضا الدور المعطل لجزء من البيروقراطية في البلاد، فلأنها تعتبر الحكومة انتقالية يكون التعامل في الإدارة معها على أنها حكومة عابرة. ولكن رغم كل هذه الصعوبات ورغم ما تتعرض له من هجمات لم تعمد إلى قمع الحريات، كما أنها حكومة تواكب انتعاشة اقتصادية لا يمكن أن ينكرها أحد، وتواكب الإصلاحات السياسية، وهذا لا يعني أنه ليس لها ضعف، أنا لا أنزه هذه الحكومة، لكن أقول لمن ينتقدونها ليلا ونهارا أنا أتحمل مسؤوليتي في كل إنجازات الحكومة وكل إخفاقاتها لأني جزء من «الترويكا»، ووجود وزراء من حزبي واتفاقاتي مع رئيس الحكومة، يجعلني أتحمل كل مسؤولياتي، وعلى كل حال ليست لنا حكومة افتراضية أخرى لنقارن بينها وبين ما تفعله الحكومة. * هل الشعب التونسي الذي اخترت النضال من أجله مشوارا من حياتك هو نفسه الشعب الذي تترأسه اليوم؟ وما الذي تغير في الناس بعد الثورة؟ - الناس تغيروا ولم يتغيروا، فهم تغيروا من ناحية أنهم أصبحوا أقل خوفا، وأصبحت لديهم ثقة أكبر في أنفسهم، واسترجعوا كرامتهم، لكن في النهاية هم الشعب نفسه، وأنا دائما عندما يقع نقد للتونسيين حتى من التونسيين أنفسهم أرد بأنه شعب يزخر بالطاقات، لكنه يتربص مثل النمر الذي يتربص بمعذبه وسينقض عليه في اللحظة المناسبة، وهذا فعلا ما تم، التونسيون لديهم كثير من العيوب ككل الشعوب، ولديهم أيضا كثير من الخصال، مثل الذكاء والاعتدال، وكره العنف، لكن الثورة رفعت الغطاء عن أسوأ ما فينا وهو «المطلبية»، تواصل التواكل، وأنهم ينتظرون كل شيء من الدولة، أو على الأقل، جزء منهم. وأرى أنه ستكون هناك مرحلة طويلة ليصبحوا مواطنين، فالنظام السابق فرض عليهم عقلية الرعايا، والرعية تتطلب نوعا من السلبية والانتظار والتعويل على الآخر حتى يحل مشكلاتهم، الآن الديمقراطية ستخلق نوعا جديدا من التونسيين، وهم المواطنون، وهذا النوع هو ليس الذي يطالب فحسب، وإنما أيضا يعطي، ويتحمل مسؤوليته ويشارك ويفعل، الآن النسبة بين المواطنين والرعايا لم تتضح بعد، وما زال لدينا رعايا كثيرون ومواطنون قليلون، لكن شيئا فشيئا المواطنون سيكبر عددهم ويقل عدد الرعايا، وتونس تتغير دائما إلى الأحسن. * هل ترون أن الشعب التونسي اليوم يتمتع بالوعي الكافي، أم هو فريسة سهلة للتجاذبات السياسية؟ - الشعب التونسي ذكي جدا، وهو محصن جيدا ضد شائعات الإعلام الذي يمرح ويصول من دون أي رقابة، لو نظرتم إلى الانتخابات الماضية والمال السياسي الذي دفع، ومحاولات الإعلام للتأثير في هذا الاتجاه أو ذاك، واستطلاعات الرأي الكاذبة التي كانت تمول للتأثير على الرأي العام، أنا أعتبر أن لنا شعبا ذكيا وواعيا ومحصنا ولا يمكن لتلاعبات السياسيين أو الإعلاميين أن تؤثر فيه. والشعب الآن يمر بفترة تعلم غير مسبوقة في تاريخ تونس، بالنسبة لشعبنا الذي يكتشف الحرية. * هل هناك أطراف خارجية بالفعل لها مصالح في عدم الاستقرار في تونس؟ - لا أعتقد هذا، فكل واحد الآن مهتم بشؤونه الداخلية الخاصة وليس لديهم الوقت للتآمر على الشعوب الأخرى، وأيضا نحن ربما من حظنا في تونس أن كل الشعوب لها مصلحة لسبب أو لآخر في نجاح الثورة والانتقال الديمقراطي، في أوروبا الآن يريدون نجاح هذه التجربة حتى تكون نموذجا للديمقراطية، وجيراننا يعلمون أن تونس بلد ليس له طموح لتصدير أي شيء، نحن نريد فقط إنجاح ثورتنا وبناء دولتنا الديمقراطية ولا ندعي أننا نريد تصدير أي شيء، والعالم نفسه ماض في هذه التغيرات الجذرية. * أبديتم حماسا كبيرا لتنظيم القمة المغاربية في تونس، وفي الوقت نفسه وفي الشهر نفسه الذي من المفترض أن تنتظم فيه هذه القمة في تونس، أدليتم بتصريحات حول ضعف الاندماج بين دول المغرب الكبير الذي قيمتموه ب2 في المائة مقابل 80 في المائة من الاندماج في أوروبا. هل خابت توقعاتكم حول إمكانية تحقيق توافق مغاربي؟ - نسبة الاندماج كانت معطى موضوعيا يعرفه كل الزعماء في الدول المغاربية، ونحن ننطلق من هذا لنقول إن هذا الوضع غير طبيعي، الآن الموضوع كان وكأنه مجمد نهائيا، ما أردناه نحن هو أن نعيد إليه الحياة، وكما دخلنا في مشروع سياسي، الذي هو بناء الدولة المدنية ووضع الدستور، أيضا دخلنا في نفس المسار لبناء الاتحاد المغاربي، نحن وضعناه على السكة، وما ننتظره الآن كم سيأخذ من الوقت، وما الصعوبات التي سيواجهها.. هذا ما سيظهر في المستقبل. لكن قناعتي أنا أن الاتحاد المغاربي سيرى النور، لأنه مفروض بالتاريخ والجغرافيا وبالمصالح الاقتصادية المشتركة، ولأن هناك بعض التعطيلات فلن نعمل بنفس السرعة المطلوبة أو المرجوة أو التي أريدها، هذا ممكن، لكننا سنواصل، على الرغم من العراقيل التي كان السبب الرئيسي فيها الحادث الأليم الذي تعرض له الرئيس الموريتاني ولد عبد العزيز، الذي أتمنى له الشفاء العاجل، وعلى الرغم من المشكلات التي ما زلت قائمة بين الإخوة الجزائريين والمغاربة. ونحن نواصل سعينا لتعقد هذه القمة، وإن شاء الله ستعقد. * هل تعتقدون أن الخلافات بين المغرب والجزائر لن تحول دون هذا ويمكنكم تجاوزها؟ - الجزائريون والمغاربة الآن بصدد الحوار، ويسعون لرفع هذه الصعوبات، ونحن ندعم توجهاتهم لكن لا نتدخل في المشكلات، وندعوهم لإيجاد نقطة تفاهم، ورأي تونس أن الخلافات التي لا يمكن حلها بسرعة يجب وضعها بين هلالين (قوسين) وتجاوزها وبناء الاتحاد المغاربي، أو على الأقل وضع الأسس، من دون اشتراطات لحل هذه المشكلات، لأننا إذا اشترطنا حل مشكل الصحراء، فإننا لن نتقدم، لذلك نقول هذا الأمر نتركه للأمم المتحدة، ونشرع في بناء الاتحاد المغاربي أو في وضع الأسس. * السلفيون في تونس، ما حجمهم الحقيقي وخطرهم على البلاد في هذه المرحلة الانتقالية؟ - هناك في البداية قضية المصطلح؛ هناك سلفيون دعويون عقيديون يمارسون فهمهم للإسلام حسب الطريقة السلفية، وهم جزء من التعددية التونسية وليس لنا معهم أدنى مشكلة، ولهم الحق في اللباس الذي يريدونه وفي ممارسة إسلامهم بالطريقة التي يرونها، لكن المشكلة والخط الأحمر يبدأ مع نوع من السلفيين، وهم السلفيون الجهاديون، ومن الأحسن تسميتهم ب«التكفيريين»، هؤلاء دخلوا في منظومة أنه يجب فرض تصورهم للإسلام إما بالتهديد أو بممارسة العنف، هؤلاء الدولة ستضع حدا لكل محاولة من طرفهم لفرض آرائهم، وإذا كانت لهم أفكار فليذهبوا إلى صندوق الاقتراع ليكوّنوا حزبا سياسيا وليقنعوا الشعب التونسي، وإذا أعطاهم الشعب التونسي السلطة، وهو ما لا أتصوره، فيمكنهم حينها أن يطبقوا مشروعهم الخيالي والسريالي بالنسبة لي، لأن مشكلات الشعب لا علاقة لها بقضايا اللباس والنقاب.. إنها مشكلات اجتماعية وصحية. إذا تجاوز هؤلاء الحدود فنحن تعاملنا وسنتعامل معهم في إطار القانون وليس في إطار قانون الإرهاب، وأنا قلت إنه يجب التعامل معهم بغير طريقة بن علي، أي باحترام الحرمة الجسدية، أنا منعت التعذيب، ومنعت كل الانتهاكات والتجاوزات، وقررت أن تتم محاكمتهم بطريقة شفافة وعادلة، حسب قوانين الجمهورية، وليس حسب قوانين الإرهاب الذي وضع في ظروف دولية معروفة، والذي أعتبره قانونا مخالفا لحقوق الإنسان وللديمقراطية، وأتصور أنه سيلغى بقرار، وسيكون مخالفا للدستور. وحجمهم الحقيقي صغير جدا؛ هم عبارة عن كتلة متحركة يضخمها الإعلام، وخطرهم الكبير هو خطر على صورة تونس، لكن لا يمكن أن يشكلوا تهديدا جديا، لا للمجتمع ولا للدولة، الدولة جدية ولنا جيش جمهوري منضبط، ولدينا أمن يسترجع قوته، ولنا دولة لها عمود فقري، الذي هو الإدارة التونسية والموجودة في كل مكان، والمجتمع أيضا متجانس، حتى إن حدثت فيه خلافات فهو لا يريد التطرف، هم لا يشكلون خطرا لا على البنية الاجتماعية ولا على الدولة، وإنما فقط على الصورة، لأن بعض الصحف، خاصة في أوروبا، أصبحت لا تتحدث عن تونس إلا لتنقل ما فعله السلفي هذا أو ذاك. لكن يجب الإشارة أيضا إلى أن هذه الجماعات تشكل خطرا على علاقاتنا الخارجية؛ فالهجوم الذي وقع يوم 14 سبتمبر (أيلول) الماضي يعتبر واقعة خطيرة جدا، لأنهم كادوا يشكلون لنا أزمة خطيرة مع الولاياتالمتحدة، لكن من حسن الحظ أن الأميركيين يعلمون أن هذه الجماعات لا علاقة لها بالمجتمع، وما وقع كان خطأ ترتيبيا أمنيا نتحمل كلنا مسؤوليته، والحمد لله أننا تفادينا كارثة مثل التي وقعت في ليبيا، لكن هذا أعطانا إشارة إلى أنه على الرغم من قلة عددهم، فإنه يمكن أن يشكلوا خطرا على العلاقات الخارجية وعلى صورة تونس. * يبدي مسؤولون غربيون، خاصة أميركيين، رضا عن أداء الحكومة التونسية إلى حد الآن، هل تعملون على مراعاة رضا الغرب في معاملاتكم؟ - نحن نسعى لإرضاء شعبنا والدفاع عن مصالحنا. إن رضي عنا الآخرون أو لا، ما يهمنا قبل كل شيء هو تطبيق القانون، ولا يمكن أن نسمح لمجموعة من المنحرفين أن يحرقوا سفارة أي بلد كان، نحن نسعى لفرض القانون لبناء دولة ديمقراطية لمصلحة تونس، وهذا لن يضعنا في المواجهة مع أي دولة، نحن والحمد لله علاقاتنا طيبة مع كل الدول. * الإعلام في تونس هل يعمل الآن ضد الحكومة والبلاد كما يردد كثير من المسؤولين، أم أنه سوء فهم للحرية التي أصبح يتمتع بها وقلة احتراف؟ - كل المنظومات في حالة مخاض بما في ذلك النظام القضائي، والنظام التعليمي، وما أقصده هو إعادة تشكيل؛ فبعد حالة الانفلات كل الأطراف تريد إعادة صياغة هذا النظام القضائي والإعلامي والتعليمي وغيره من الأنظمة وفق منظومة جديدة، وهناك صراع كبير بين الأطراف السياسية والأشخاص لنحت معالم النظام السياسي والنظام المجتمعي المقبل، والإعلام يدخل في مرحلة المخاض هذه، وهذا لا يقلقني، لأن كل الأمراض التي تظهر على الساحة بدأ يتنبه لها الشعب التونسي، ونحن بصدد التفكير الجدي جماعيا في نظام إعلامي سليم يخدم المصلحة الوطنية ويخرج عن التجاذبات السياسية، ولا يكون ضحية للمال القذر، ويؤدي دوره بالحد الأدنى من المهنية، وأنا شخصيا لا أخاف من الإعلام ولا أطمع فيه وليس لدي أي وهم حول طبيعته، هو مؤسسة يجب أن تعمل من أجل المصلحة الوطنية العامة، ولا أريد منه أن يطبل لي ولا أن يزمر، ولا أريد السيطرة عليه ولا استخدامه، لأنني أعلم بالتجربة أنه لا يمكنك أن تسيطر على الإعلام، كما لا يمكنك أن تسيطر على الطقس. كل ما أريده هو إعلام يرتكن إلى الحدود الدنيا من المعايير التي هي الموضوعية واحترام الذات، عدم السب، عدم الشتم، عدم الارتباط بالأموال القذرة، وهذا ما نطمح لإنجازه، وأنا أعمل في الوقت الحاضر على قائمة الهيئة العليا للإعلام السمعي والبصري، واجتمعت كثيرا برؤساء التلفزيونات، وهناك عمل جدي وتوافق كبير حول الخطوط العريضة، فهذه فترة ستمر وسنستطيع بناء مؤسسة إعلامية صلبة ومتينة وفي خدمة الوطن. * لتأسيس تونسالجديدة كما ترونها، هل هناك مؤسسات يمكن الاستفادة منها كما هي وإحداث تغييرات فيها، وأخرى يجب اجتثاثها، ما هو تصنيفكم للمؤسسات وعمق الإصلاحات المطلوبة؟ - كل المؤسسات في تونس بحاجة لمراجعة وإصلاح، ولا توجد مؤسسات مخربة بشكل نهائي، المؤسسة السياسية خربها النظام السابق، التربوية أيضا، نحن نبني على خراب 50 سنة من الديكتاتورية، ويجب أن نعمل بمبدأ الرجل أو المرأة المناسبة في المكان المناسب، بدل المبدأ القديم الذي هو الولاء قبل الكفاءة، ثم يجب أن نتعلم من تجارب الشعوب الأخرى، وكل هذا لنستطيع أن نعطي لتونس أحسن نظام قضائي، أحسن نظام تعليمي، واقتصادي وإعلامي وسياسي، إذا استطعنا أن نعطي لتونس أحسن الأنظمة الممكنة فهذا يعني أننا سنحصل في المستقبل على خدمات إعلامية جيدة، وصحية جيدة وثقافية، وهذا ما سيسمح للشعب بأن يحقق تحسين ظروفه المعيشية. * العلاقات التونسية مع الدول العربية كيف تقيمونها، وما أهميتها في هذه المرحلة؟ - علاقاتنا متميزة جدا، خاصة بعد أن أصبح لتونس دبلوماسية نشطة، فمع دول الاتحاد المغاربي لنا علاقات ثنائية متميزة، وكذلك مع مصر علاقاتنا متميزة، ومع الفلسطينيين، ومع بلدان الخليج، باستثناء النظام السوري، وليس لدينا أي مشكلة مع أي بلد عربي غيره. * ما الموقف التونسي مما يحدث في سوريا وما حدث في غزة، والغليان الذي تشهده المنطقة عموما؟ - فيما يخص القضية الفلسطينية هناك 3 مستويات، أولا ندين كل شيء له علاقة بمعاداة السامية، وأذكركم بأنني دخلت منطقة الغريبة في جزيرة جربة التونسية وزرت الكنيس اليهودي، لنقول إننا ضد كل ما له علاقة بمعاداة السامية، وفي نفس الوقت نحن مع الشعب الفلسطيني وحقه في دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، ودعمنا إخواننا في غزة عندما تعرضوا للاعتداء، وأرسلنا وفدا وزاريا مهما، من بينهم مدير الديوان الرئاسي، وأنا وعدت بزيارة المدرسة التي دمرها الإسرائيليون بعد أن يتم بناؤها. نحن مع السلام، ولسنا مع الاستسلام. وبالنسبة لقضية تجريم التطبيع أنا قلت إن هذه مزايدة لا محل لها، لأن الدستور مبني حول توافق التونسيين حول نظامهم السياسي، وليس مكانه مثل هذه الأشياء، وإذا فتحنا المجال فسنتعرض لمطالب قد تشمل تجريم الإلحاد، أو تجريم الليبرالية، يعني لن نخرج من هذا، هي مزايدة لا معنى لها. وبالنسبة للمسألة السورية فإذا كانت توجد دولة موقفها واضح من النظام السوري فهي تونس، فنحن أول من بادرنا بطرد السفير السوري، ووقتها أقاموا علينا القيامة وقالوا إنها غلطة ثم ساروا كلهم على منهجنا، نحن ندعم الشعب السوري سياسيا، وبالمعونات، وأرسلنا أدوية ونريد رحيل الطاغية، كما أننا ضد التدخل الخارجي والتسليح، لكن للأسف سبق السيف العذل.. إلا أن ما هو مطروح الآن هو هل سنعترف بالائتلاف الجديد..؟ أنا لست ضد هذا الاعتراف، لكن أردت أن أقابل الإخوة المسؤولين، وطلبت منهم أن يأتوا إلى تونس للتحدث إليهم، ونحن منفتحون على هذا الأمر، لكن لا بد أن نتشاور في تونس فيما بيننا وسندعم أي قوة سياسية تأتي بديلا لهذا النظام.