كانت الحرب الإسرائيلية المحدودة ضد حماس الأسبوع الماضي الاختبار الأول لنظام ما بعد الصحوة العربية في الشرق الأوسط. كانت حماس، بتورطها في صراع صاروخي مع إسرائيل ثم طلب دعم الدول العربية، وبخاصة مصر، تختبر القاهرة كما تفعل مع إسرائيل. والسؤال الذي طرحته حماس على المصريين كان بسيطا: هل قامت مصر بثورة ديمقراطية العام الماضي كي تصبح أكثر شبها بإيران أو الصين؟ وبعبارة أخرى، هل مصر مستعدة للتضحية بمعاهدة كامب ديفيد والمساعدات الأميركية والتنمية الاقتصادية لدعم حماس الأصولية والأجندة المؤيدة لإيران، أم لا؟ كانت الإجابة من القاهرة هي لا. لم يرغب الرئيس محمد مرسي في الانجرار إلى انتهاك كامل للمعاهدات مع إسرائيل لصالح حماس، وبدلا من ذلك ألقت مصر بثقلها في التوسط لوقف إطلاق النار. لكن ذلك يثير مزيدا من الأسئلة الأكثر إثارة للاهتمام، عما إذا كان لدى مرسي، الذي أظهر أنه يفضل في الوقت الراهن أن يكون أشبه بدينغ شياو بينغ منه بآية الله الخميني، أي ميل لأن يكون أنور السادات الثاني، من خلال استخدامه نفوذه لتحقيق انفراجة بين الفلسطينيين والإسرائيليين حتى لا تسقط مصر في هذه الرذيلة مرة أخرى، أم لا. ربما يكون من المستحيل إدراك كم النفوذ الذي سيتمتع به مرسي في عملية السلام، إذا ما اختار الدخول في مفاوضات مع إسرائيل. ولأنه يمثل تحديدا «الإخوان المسلمين»، وتحديدا لأنه انتخب ديمقراطيا، فإذا ألقى بثقله خلف اتفاق السلام الإسرائيلي - الفلسطيني، فسوف يكون ذلك أكثر قيمة بالنسبة لإسرائيل من السلام البارد الذي وقعه السادات وحافظ عليه حسني مبارك. عرض السادات السلام على إسرائيل، ويمكن لمرسي عرض السلام على إسرائيل مع الشعب المصري وعبرهم، والعالم الإسلامي من ورائهم. بيد أن المثير للعجب أن كل هذا يعتمد على ألا يصبح مرسي ديكتاتورا مثل مبارك، بل في أن يظل رئيسا منتخبا شرعيا، ويمثل بحق الشعب المصري. وقد أدخل ذلك مرسي الآن في نزاع على السلطة الأسبوع الماضي، وكان هناك رد عنيف من الشارع المصري. وكان الرئيس أوباما حذرا في ألا يشيد بالديمقراطية المصرية، لصالح التهدئة بين مصر وإسرائيل وحماس. وقد حاولنا ذلك أثناء حكم مبارك ولم ينته الأمر على نحو صحيح. ما من شك في أن ثمن مرسي للتفاوض مع إسرائيل سيكون مبادرة السلام العربية - الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الضفة الغربيةوالقدسالشرقية العربية باستثناء مقايضات الأراضي التي تم الاتفاق عليها ثنائيا، وعودة عدد من اللاجئين، في مقابل تطبيع العلاقات الكامل. وإذا ما قدم مرسي مثل هذا العرض في محادثات مباشرة مع الإسرائيليين فيمكنه أن يعيد إحياء معسكر السلام الإسرائيلي بمفرده. هل أتوقع هذا؟ أتوقع أن أفوز باليانصيب عوضا عن توقع هذا. ف«الإخوان المسلمون» يحملون كرها طويلا لإسرائيل، والتعددية الدينية والسياسية والنسائية. ومن ثم، فأنا أتوقع مزيدا من المشكلات بين إسرائيل وحماس تهدد باستمرار بجر مصر إلى النزاع. حماس منظمة غير رشيدة، تخضع مصالح الشعب الفلسطيني لإيران (ومن قبل إلى سوريا)، التي تريد من حماس القيام بكل ما في وسعها لإفشال حل الدولتين، لأن ذلك سيضع إسرائيل في قبضة الموت دائما في الضفة الغربية، والمتمثلة في تدمير الدولة اليهودية وصرف انتباه العالم عن الأعمال السورية والإيرانية. تركت إسرائيل غزة في عام 2005 وكان لحماس اختيار.. كان بإمكانها أن تعترف بإسرائيل وتحظى بحدود مفتوحة واستيراد حاسبات، أو أن تواصل رفض الوجود الإسرائيلي والإبقاء على غلق الحدود وتهريب الصواريخ. اختارت حماس الصواريخ على الحاسبات، ومع كل صاروخ يسقط بالقرب من تل أبيب أو القدس، يقول إسرائيلي آخر: «كيف يمكننا أن نخاطر بالانسحاب من الضفة الغربية ونخاطر بتعريض مطاراتنا للقصف؟»، هذا ما تريده حماس وإيران - تقويض الديمقراطية بشكل دائم، وتدمير الشرعية وعزل الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية عالميا - وهما سعيدتان للغاية باستخدام الشعب الفلسطيني كتضحيات بشرية لهذا الهدف. السبيل الأمثل لتقويض حماس يأتي عبر تمكين السلطة الفلسطينية العلمانية، التي يقودها محمود عباس في الضفة الغربية للحصول على مزيد من الاستقلالية وبناء اقتصاد مزدهر، ولذا يمكن لكل فلسطيني أن يقارن أي الخطتين أكثر نجاحا، أهي العمل مع إسرائيل أم ضد إسرائيل. فشلت الحكومة الإسرائيلية في القيام بذلك، وهي بذلك قاصرة النظر، لكن حماس تيسر على إسرائيل عمل ما يروق لها، متجاهلة ما تعلمناه من التاريخ، من أن من يجعل الأغلبية الصامتة في إسرائيل غير آمنة مع الاحتلال، وآمنة استراتيجيا داخل إسرائيل، يفوز. فبعدما زار السادات إسرائيل كان الإسرائيليون يعلمون أنهم لا يستطيعون أخلاقيا البقاء في سيناء، ومن ثم لم يشعروا بحاجة استراتيجية إليها. وعندما فعل ياسر عرفات والملك حسين الأمر ذاته، استعاد كل أرضه. اليوم لا شيء يجعل الإسرائيليين يشعرون بالخوف الاستراتيجي والأمن الأخلاقي مع الاحتلال من صواريخ حماس الغبية حتى بعد الانسحاب الإسرائيلي. وثم، فكما ترى، فإن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي لم يحل بعد، ومستقبل الديمقراطية المصرية، والصراع العربي الإسرائيلي الأميركي مع إيران وسوريا، كلها أمور متداخلة الآن. والقيادة الذكية والشجاعة اليوم يمكنها أن تنزع فتيل أزمة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وتقدم الديمقراطية المصرية، وعزل الأنظمة الإيرانية والسورية وحماس. والقيادة الضعيفة والمتهورة ستمنح هذه الأنظمة الثلاثة القوة. هذه هي اللحظة الكبيرة.