تعتبر محاكمة نجل الزعيم الراحل معمر القذافي على الأراضي الليبية مسألة فخر وطني لقادة البلاد الجدد، لكن عدم وجود دولة فاعلة كما ينبغي يجعل من الصعب عليهم إقناع العالم الخارجي بأنهم أهل لهذه المهمة. وتتمسك ليبيا بمحاكمة سيف الإسلام القذافي الذي كان في وقت من الأوقات بمثابة ولي العهد لوالده. لكن تتمسك بنفس الحق أيضا المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي التي وجهت له اتهامات في يونيو بارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال الحملة على الانتفاضة العام الماضي، وفق تقرير لوكالة "رويترز". وستوضح ليبيا يوم الاثنين لقضاة المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، حسب نفس المصدر، كيف تعتزم محاكمة سيف الإسلام. وإذا خلصت المحكمة إلى أن ليبيا لا يمكنها محاكمته وأنها لا تتعاون مع المحكمة في القضية المقامة ضد سيف فبوسعها في ذلك الوقت إحالة طرابلس إلى مجلس الأمن. ويتصاعد الضغط على طرابلس لتسليم سيف الإسلام للمحكمة الجنائية الدولية مع تشكيك جماعات حقوقية فيما إذا كان نظامها القضائي يستطيع الوفاء بمعايير القانون الدولي. وقدمت ليبيا أكثر من مرة طلبات لإعطائها فسحة من الوقت لتعرض حجتها في محاكمة القذافي بنفسها. وبعد خمسة أشهر من إلقاء القبض عليه في الصحراء مرتديا زي رجال القبائل البدو لا يزال سيف الإسلام في بلدة الزنتان الجبلية في أيدي مقاتلي الميليشيا التي أسرته بزعم تأمينه إلى أن يتمكن حكام ليبيا الجدد من إجراء محاكمة له. لكن الطبيعة الخاصة لعملية اعتقاله وفشل السلطات الوطنية في تولي عملية احتجازه يسلط الضوء على مدى ضعف سيطرة الحكومة المؤقتة المنشغلة بالفعل في إدارة عملية تحول صعبة إلى الديمقراطية بعد الحرب. وتتعلق عملية الشد والجذب بشأن المكان الذي سيحاكم فيه سيف الإسلام من حيث الجوهر بما إذا كانت ليبيا بعد ثمانية أشهر من الإطاحة بوالده لديها سمات الدولة الفاعلة بما في ذلك نظام قضائي سليم. ويقول آسروه أن تحديد موعد تسليمه بيدهم لا بيد طرابلس. وقال مصدر مقرب من أسريه "ليس معروفا متى سينقل إلى طرابلس. انه قرارنا. ننتظر أن تهدأ الأمور، وهذا ليس أكيدا الآن". وليس للمجلس الوطني الانتقالي الحاكم في ليبيا حول ولا قوة تذكر في هذا الصدد. فقد أرسل المجلس الأسبوع الماضي وفدا للتفاوض مع أهالي الزنتان الذين يقول مسئولون إنهم يطالبون بتعويض مادي عن جهودهم. وعاد الوفد خالي الوفاض. وخلال زيارته لليبيا الأسبوع الماضي قال لويس مورينو اوكامبو ممثل الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية إن السلطات الليبية أخبرته أنهم يعدون قضيتهم ضد سيف الإسلام بجمع روايات الشهود والوثائق. وقال احمد الجهاني المحامي الليبي المسؤول عن قضية سيف الإسلام والذي يتولى التنسيق بين الحكومة والمحكمة الجنائية الدولية إن فريقه يعمل "ليل نهار" لإعداد قضيته. وأضاف إن الشيء الأهم بالنسبة لقضاة المحكمة الجنائية الدولية هو أن يروا أن هناك نية حسنة لمحاكمة مرتكبي الجرائم وليس التغطية على جرائمهم. وتابع إن استعدادات فريقه لعرض القضية على قضاة المحكمة تسير بشكل جيد جدا. لكن في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة إعداد قضيتها فان لديها مشكلاتها الخاصة التي يتعين عليها التصدي لها. فقد كثرت الشائعات هذا الشهر بشأن دعوة أعضاء من المجلس الوطني الانتقالي إلى تغيير وزاري قبل شهرين من إجراء أول انتخابات حرة في ليبيا. ونفيت هذه الأنباء في وقت لاحق. ولليبيا الحق في محاكمة سيف الإسلام على أراضيها إذا كانت تستطيع ذلك. ولا تتحرك المحكمة الجنائية الدولية إلا إذا اعتبرت أن دولة ما غير قادرة أو غير مستعدة للتحقيق أو المحاكمة لأسباب من بينها على سبيل المثال انهيار نظامها القضائي. وتقول جماعات لحقوق الإنسان وأسرة سيف الإسلام -وهم أشقاء لجأوا إلى الخارج- إنهم يشكون في حصوله على محاكمة عادلة في ليبيا. وستكون عقوبته الإعدام إذا وجدته محكمة ليبية مذنبا وحكما بالسجن إذا أدانته المحكمة الجنائية الدولية. وفي بلد لا يزال فيه أسرى الحرب معتقلين دون أن يعرف احد مصيرهم وتظهر فيه مزاعم على تعذيبهم على يد الميليشيات التي تحرسهم تجد السلطات الليبية نفسها مضطرة لإثبات قدرتها. وقال ماريك ماركزينسكي رئيس فريق القضاء الدولي بمنظمة العفو الدولية إن السلطات الليبية "كلفت محامين أجانب للعمل على هذه القضية لكن هذا ليس كافيا فهم يحتاجون إلى نظام قضائي فاعل". ومن أجل الحصول على المشورة بشأن كيفية بناء النظام القضائي الليبي وتمثيلها أمام المحكمة الجنائية الدولية يوم الاثنين القادم عينت ليبيا ثلاثة محلفين دوليين بينهم محامي حقوق الإنسان الكندي بايام اخافان الذي كان أول مستشار قضائي لمكتب الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية في جرائم الحرب الخاصة بيوغوسلافيا السابقة ورواندا. وقال ماركزينسكي إن قضاة المحكمة الجنائية الدولية سيبنون قرارهم بشأن مدى استعداد ليبيا لمحاكمة سيف الإسلام على كيف تحقق في جرائم أخرى. وأضاف "السؤال هو ما إذا كان النظام القضائي في ليبيا يمكنه التصدي لها /المحاكمة/. وعلى هذا النحو يمكن التحقق من الاستعداد". وفي مثال من المرجح أن يثير المخاوف بشأن عدم استقرار البلاد وقعت عدة انفجارات في محكمة بمدينة بنغازي بشرق ليبيا أمس الجمعة بعد يوم من مهاجمة ميليشيا سجنا هناك في محاولة للإفراج عن احد أعضائها. وقال فريد ابراهامز من منظمة هيومن رايتس ووتش التي تتخذ من نيويورك مقرا لها انه يعتقد أن ليبيا ستتبع إجراءات قانونية صحيحة لكنه أضاف أن الأمن المحيط بالقضية يمثل مشكلة. وقال "هل يستطيع قاض في ليبيا اليوم إصدار حكم لصالح سيف بدون التعرض لتهديد أو المخاطرة بمواجهة عواقب محتملة.. ماذا عن محامي الدفاع.. هل يمكن لهذا الشخص أن يأتي إلى ليبيا أو أن يكون آمنا خارجها.. الانفعالات والأسلحة يمكن ان تضع هذا الشخص في الخطر". وإجراء محاكمة في دولة في أعقاب حرب مهمة صعبة. فعندما حوكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين قتل ثلاثة من محامي الدفاع وتنحى رئيس للمحكمة بسبب التدخل السياسي. واستطرد ابراهامز "وماذا عن الشهود.. في أي محاكمة عادلة سيريد سيف الإسلام أن يكون لديه شخص يدافع عنه. هل سيتمكن هذا الشاهد من التحدث بصراحة وان يشعر بالأمان.. من الصعب ضمان محاكمات عادلة بعد الدكتاتوريات وإراقة الدماء. إنها طبيعة الفوضى التي تعقب الحرب". وقال الجهاني إن ليبيا ستوفر الامن لمن يعملون في هذا القضية. وأضاف أن أي محام ليبي يشعر بأنه في خطر بتوليه قضية سيف الإسلام من حقه رفضها. وقال انه اذا رفضها جميع المحامين الليبيين فيستطيع توكيل محام أجنبي وسيكون بهذه الطريقة آمنا بعد مغادرته البلاد. وينتظر سيف الإسلام مصيره خلال وجوده في موقع سري في الزنتان. ونقلت عدة منافذ إعلامية دولية عن وثيقة للمحكمة الجنائية الدولية قولها أن وفدا من المحكمة زاره في الزنتان في الثالث من مارس. ونقل عن سيف الإسلام قوله لاثنين من مسؤولي المحكمة انه يأمل ان يحاكم في ليبيا سواء أعدموه أم لا. لكن جاء في التقرير انه كان يقول ذلك فيما يبدو لوجود ممثل عن رئيس الادعاء الليبي في اللقاء. وقال التقرير انه كان من الواضح ان سيف الاسلام لم يكن قادرا على الرد على الأسئلة في وجود ممثل الادعاء الليبي. ونقلت وسائل الإعلام عن الوثيقة قولها ان الفرصة الوحيدة التي تمكن فيها المسؤول الذي يسجل اللقاء من التحدث إلى سيف الاسلام مباشرة كانت عندما خرج مسؤول الادعاء الليبي خارج القاعة لعدة دقائق حيث سأله عما إذا كان قد تعرض لإساءة معاملة. وذكر التقرير انه تحول من الاسترخاء الى التوتر وانه بدون ان ينطق كلمة واحدة رفع يده التي اختفى منها صابعان واشار الى سنة مفقودة بين المجموعة الأمامية من أسنانه في اشارة الى الإصابة التي قال سيف الاسلام انه تعرض لها خلال ضربة جوية لحلف شمال الاطلسي. وكان محام كبير في فريق الدفاع في المحكمة الجنائية الدولية قال في وقت سابق من الشهر الحالي ان سيف الاسلام تعرض لاعتداء بدني وانه يعاني من الم في الأسنان. وتنفي ليبيا ذلك. وفي غضون ذلك تستمر الاستعدادات للمحاكمة. وعرضت السلطات هذا الشهر قاعة محاكمة جرى طلاؤها حديثا. لكن ما دام المشتبه به في أيدي أهل الزنتان، فان الحكومة المركزية ليس لديها متهما. بل ان هناك حديثا في الزنتان عن إمكانية محاكمته في المدينة التي يسكنها 35 ألف نسمة.