تشهد الجزائر تحركاً برلمانيا وشعبياً لتمرير قانون يجرم الاستعمار الفرنسي الذي استمر من عام 1830 إلى العام 1962. وتكاتف 120 نائباً وجمعية وهيئة أهلية للوصول بمشروع قانون تجريم الاستعمار إلى مرحلة نهائية تشكل فيها محكمة جنائية تتولى محاكمة فرنسا عن الحقبة الاستعمارية. ويضم مشروع القانون 20 مادة أولاها "تجريم الاستعمار الفرنسي عن كامل الأعمال الإجرامية التي قام بها في الجزائر"، ويطلب في مادة أخرى استرجاع الأرشيف الجزائري الذي استولت عليه فرنسا. وقال رئيس لجنة مساندة قانون تجريم الاستعمار أحمد شنة إن لجنته لا تهدف فقط إلى مساندة المشروع، لكن تسعى لتنشيطه وتفعيله على أرض الواقع، وتريد حشد التأييد الشعبي له. وقال للجزيرة نت إن اللجنة تجمع الأدلة والصيغ القانونية التي من شأنها أن توصل رسالة إلى الرأي العام العالمي مفادها أن الشعب الجزائري عازم على استعادة حقوقه على غرار الشعوب الأخرى التي حصلت على حقوقها عن الحقبة الاستعمارية. نماذج عديدة وقال شنة إن المبادرة يجب ألا يحتكرها تيار أو لون سياسي أو حزبي، فقد أطلقها 120 نائباً بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية. وتحدث عن نماذج في المسلك السياسي الفرنسي "تعزز من مطلبنا.. مثل تبني الجمعية الوطنية الفرنسية لقانون يدين تركيا على ما وصفته بمذابح الأرمن، فضلاً عن اعتذار الدولة الفرنسية عن ممارساتها بحق اليهود في ظل حكومة فيشي". كما ذكّر بسابقتين أخريين هما التعويضات التي دفعتها ألمانيا لليهود عما حدث في الحرب العالمية الثانية، واعتذار إيطاليا لليبيا عن فترة الاستعمار، وهو اعتذار أثمر صيغة لتعويض الليبيين. ويطلب مشروع القانون أيضا استرجاع الأرشيف الجزائري الذي استولت عليه فرنسا. أحمد شنة قال إن المسعى تعززه سوابق مثل اعتذار فرنسا لليهود (الجزيرة نت) حراك سياسي وقال وكيل الموقعين على مشروع القانون موسى عبدي للجزيرة نت إن الخطوة انعكاس لتداعيات شهدتها البلاد، خاصة مع وجود عبد العزيز بوتفليقة على رأس السلطة، حيث عرفت مؤخرا حراكاًُ سياسياً بالتوازي مع تحولات في الساحة الخارجية، ما أثمر بلورة مشروع القانون. وأشاد عبدي بمواقف إيجابية سابقة في الموضوع حال دون استكمالها ظروف محلية وخارجية، وطالب فرنسا بتقديم اعتذار رسمي وعلني وتعويض الشعب الجزائري مادياً ومعنوياً. وكانت حركة الإصلاح الوطني قد تقدمت سابقا بمشروع مماثل للبرلمان، لكنه بقي حبيس الأدراج. وينص المشروع الجديد في مادته الثالثة على عدم سقوط جرائم الاستعمار بالتقادم، وفي مادته الخامسة على محاكمة كل من قام أو شارك أو ساهم بأي فعل من الأفعال الواردة في المادة الثانية (جرائم الحرب، الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية) أمام محكمة جنائية دولية في الجزائر. وحسب عبدي يقف التحالف الرئاسي المكون من جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وحركة مجتمع السلم وراء هذا المشروع. وحرص الموقعون على إضفاء الصفة الدولية على المحكمة لإجبار فرنسا على الاستجابة، خاصة في ظل وجود نحو 20 جمعية فرنسية تضغط على حكومة بلادها للاعتراف بجرائمها في الجزائر. وتدخل بعض التعديلات الآن على مشروع القانون بسبب تحفظات على بعض الصياغات القانونية أبداها مكتب المجلس الشعبي الوطني (البرلمان). ورفض عبدي اعتبار مشروع القانون مجرد مناورة سياسية، ووصفه بأنه تعبير صادق وجاد عن مطلب شعبي تجاه الحقبة الاستعمارية.