أكد وزير الاقتصاد والمالية نزار البركة٬ اليوم الثلاثاء٬ أن مشروع قانون المالية لسنة 2012 ينبني على نموذج اقتصادي "واضح المعالم والمرامي" يرتكز على تعزيز النمو الداخلي وتشجيع الاستثمار وتطوير آليات التضامن والحماية الاجتماعية. وأبرز البركة٬ في معرض جوابه على تدخلات الفرق والمجموعات النيابية٬ في جلسة عمومية خلال المناقشة العامة لمشروع القانون المالي٬ أن هذا الأخير يرتكز أيضا على خلق فرص الشغل وتأهيل العنصر البشري٬ وإرساء تنمية مندمجة متوازنة ومستدامة ذات بعد ترابي، وفق ماأوردته وكالة الأنباء المغربية. وفي الجانب المتعلق بتعزيز النمو الداخلي٬ أوضح الوزير٬ أنه تم تخصيص 188 مليار درهم بالنسبة للاستثمارات العمومية وتطبيق ما تم الاتفاق عليه في إطار التزامات الحوار الاجتماعي (2ر13 مليار درهم)٬ ورفع مستوى دعم المواد الأساسية في إطار صندوق المقاصة (5ر46 مليار درهم )٬ مؤكدا أن دعم الطلب الداخلي (الاستثمار والاستهلاك)٬ الذي يشكل 60 في المائة من الناتج الداخلي الخام٬ يفرض نفسه خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعرفها الأسواق التقليدية٬ وعلى الخصوص٬ منطقة الأورو٬ وهو ما أدى إلى تراجع الطلب الموجه إلى المغرب. وعلى مستوى تشجيع الاستثمار٬ أبرز البركة أنه تم الرفع من حجم استثمار الميزانية العامة والاستثمار العمومي إلى ما مجموعه 188 مليار درهم مقابل 3ر167 مليار درهم سنة 2011 وذاك من أجل إنعاش التشغيل وإعطاء دفعة قوية للأوراش الكبرى وإبراز أقطاب جهوية تنافسية ومن شأن هذه الاستثمارات أيضا٬ حسب الوزير٬ تفعيل الإستراتيجيات القطاعية بهدف تنويع وتحديث البنيات الإنتاجية وإحداث مناصب الشغل وتعزيز قدرات المغرب التصديرية والتنافسية٬ وتعزيز جاذبية وتنافسية الاقتصاد الوطني وتشجيع الاستثمارات٬ ومواكبة المقاولات الصغيرة والمتوسطة٬ وملاءمة التكوين مع حاجيات الإستراتيجيات القطاعية٬ فضلا عن تأهيل العنصر البشري. وبخصوص تطوير آليات التضامن والحماية الاجتماعية٬ أبرز البركة أن مشروع قانون المالية رصد أزيد من 5ر2 مليار درهم لإحداث صندوق التماسك الاجتماعي لاستهداف الفئات المعوزة من خلال المساهمة في تمويل تعميم نظام المساعدة الطبية (راميد)٬ وتقديم الدعم النقدي المشروط بتمدرس أبناء المعوزين ( برنامج تيسير)٬ ودعم ذوي الاحتياجات الخاصة لأول مرة٬ والبدء في تفعيل آليات استرجاع الدعم الذي تستفيد منه الفئات الميسورة٬ وتخصيص 160 مليون درهم لتفعيل صندوق التكافل العائلي لفائدة النساء المطلقات ودعم التماسك الأسري٬ إلى جانب رصد 2ر3 مليار درهم لدعم برامج المرحلة الثانية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية لتشمل 701 جماعة قروية و530 حيا حضريا مهمشا٬ وإطلاق برنامج للتأهيل الترابي لفائدة 22 إقليما يعاني من العزلة. وفي ما يتعلق بإرساء تنمية مندمجة ذات بعد ترابي٬ أشار وزير الاقتصاد والمالية إلى أنه تم تخصيص 20 مليار درهم للعالم القروي موزعة بين مختلف القطاعات المعنية من أجل توسيع ولوج الساكنة القروية إلى التجهيزات والخدمات الأساسية وتحسين ظروف عيش الساكنة القروية٬ وتوسيع مجال تدخل "صندوق التنمية القروية" ليشمل العمليات الخاصة بتنمية المناطق الجبلية مع تعزيز إمكانياته المالية لتبلغ 1 مليار درهم (مقابل 500 مليون درهم سابقا)٬ فضلا عن رصد 53ر1 مليار درهم في إطار برنامج استعجالي لدعم القطاع الفلاحي والعالم القروي عموما لمواجهة الانعكاسات السلبية لتأخر التساقطات المطرية. وذكر البركة أن البرنامج الحكومي أرسى أسس هذا النموذج الاقتصادي الجديد الرامي إلى النهوض بالإمكان البشري في إطار تقوية الهوية وتحقيق المواطنة الكاملة٬ وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية لتحقيق تنمية متوازنة ومجتمع متضامن٬ وتحسين الحكامة حتى يصبح الإنفاق العمومي أكثر نجاعة ومردودية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي. وبخصوص التساؤلات التي أثارتها بعض الفرق البرلمانية حول مسألة التوازنات المالية والماكرو-اقتصادية للمغرب٬ أكد البركة أن الحكومة تضع ضمن أولوياتها استعادة هذه التوازنات بهدف الحفاظ على السيادة الاقتصادية والمالية٬ وذلك من خلال حصر عجز الميزانية في معدل 5 في المائة من الناتج الداخلي على أساس العودة التدريجية إلى نسبة 3 في المائة في أفق 2016٬ مما سيساهم٬ حسب الوزير٬ في الإبقاء على المديونية في مستويات قابلة للتحكم فيها والتوفر على إمكانيات لتمويل القطاع العام والخاص. وأوضح في هذا السياق أن بنية الدين العمومي تسمح بالتحكم في كلفته حيث أن حصة الناتج الداخلي الخام المخصصة لأداء الفوائد لا تتعدى 3ر2 في المائة عوض 7ر4 في المائة سنة 2000 ٬ كما أن كلفة الدين تراجعت من 8ر6 في المائة سنة 2000 إلي 5ر4 في المائة حاليا حيث يظل أقل من متوسط معدل زيادة الثروة الوطنية٬ مشيرا الى أن قرار بنك المغرب القاضي بتخفيض السعر المرجعي للفائدة من 25ر3 إلى 3 في المائة سيمكن من تحسين ظروف تمويل الاقتصاد بشكل عام . وبخصوص التساؤلات حول الفرضيات التي انبنى على أساسها مشروع قانون المالية٬ أكد الوزير أن مشروع قانون المالية لسنة 2012 يندرج ضمن تصور استراتيجي يمتد إلى أفق 2016 ويستهدف تحقيق نمو اقتصادي يصل إلى 5ر5 في المائة كمعدل سنوي للمدة بكاملها٬ وليس سنويا٬ مضيفا أن تطورات الظرفية الوطنية والإقليمية والدولية٬ أملت تحيين نسبة النمو خاصة في ظل مراجعة توقعات نمو أهم شركاء المغرب٬ وكذا وتيرة تطور مبادلات التجارة العالمية. وأبرز أن التوقعات تفيد أن الأسس المالية العمومية وخصوصا من جانب المداخيل لن تتأثر بشكل ملموس بمراجعة معدل النمو٬ وذلك نظرا إلى كون مداخيل الضريبة على الشركات مرتبطة بنتائج السنة الماضية وأن نتائج الفصل الأول لسنة 2012 تبين تحسنا لهذه المداخيل بحوالي 3 في المائة٬ كما أن جزءا كبيرا من مداخيل الضريبة على الدخل يتم تحصيلها من الأجور٬ وبالتالي لن تتأثر بتراجع المداخيل الفلاحية. وأشار إلى أن إعداد هذا المشروع تم على أساس فرضية للموسم الفلاحي في أوائل شهر فبراير الماضي٬ إلا أن تأخر التساقطات المطرية " كان له انعكاسات سلبية على مستوى النمو المتوقع٬ ولو أن تأثير الجفاف على مستويات النمو الاقتصادي٬ يضيف البركة٬ لم يعد بذلك الوقع الذي كان عليه في التسعينيات وقبلها". وأكد أن الحكومة ستعمل على مواكبة التطورات المناخية وآثارها على الفلاحين ورصد الاعتمادات المالية اللازمة باعتماد مقاربة متجددة ومختلفة بالمقارنة مع التدابير المتخذة في سنوات التسعينيات٬ ترتكز على تشخيص الخصاص بدقة واعتماد برامج مندمجة دائمة وغير ظرفية تهدف إلى دعم صغار الفلاحين٬ وإحداث فرص الشغل وتحقيق استثمارات منتجة في مختلف جهات المملكة. من جهة أخرى٬ أبرز الوزير أن الحكومة٬ وفي انتظار المصادقة على مشروع قانون المالية٬ بادرت إلى اتخاذ مجموعة من التدابير الاستباقية للحفاظ على جو الثقة وإعطاء إشارات قوية لكافة الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين من خلال٬ إعطاء انطلاقة تعميم المساعدة الطبية من طرف الملك محمد السادس لتمكين الفئات الضعيفة والمستضعفة من ولوج الخدمات الصحية بالمجان٬ ووضع البرنامج الاستعجالي لمواجهة الانعكاسات السلبية لتأخر التساقطات المطرية على القطاع الفلاحي والعالم القروي٬ وتوجيه منشور لرئيس الحكومة من أجل تفعيل ميثاق الممارسات الجيدة لحكامة المنشآت والمؤسسات العامة٬ وكذا عرض نتائج عمليات التدقيق وتقييم إنجاز الشطر الأول من الشراكة بين القطاع العام والخاص حول الأراضي الفلاحية التابعة للملك الخاص للدولة٬ وإبرام اتفاقية الشراكة مع الإتحاد العام لمقاولات المغرب من أجل توضيح الرؤية وترسيخ الشراكة والتعاون وبناء الثقة بين الفاعلين في القطاعين العام والخاص. وأكد البركة أن الحكومة نهجت مقاربة تشاركية مع فرق الأغلبية والمعارضة بخصوص التعديلات المقترحة بهدف إغناء مشروع قانون المالية 2012٬ بحيث تمخضت المناقشات المثمرة التي عرفتها لجنة المالية والتنمية الاقتصادية إدراج جملة من التعديلات٬ أكثر من 50 في المائة منها تم اعتمادها بالإجماع٬ وهي تعديلات همت بالأساس تعزيز البعد الاجتماعي لهذا المشروع. وشرع مجلس النواب٬ أمس الإثنين٬ في مناقشة مشروع القانون المالي لسنة 2012٬ وسط جدل بين فرق الأغلبية والمعارضة حول مدى قدرته على مواجهة الظرفية الاقتصادية الصعبة٬ والاستجابة لانتظارات المواطنين خاصة الاقتصادية منها والاجتماعية. ففيما اعتبرت الأغلبية أن مشروع القانون المالي يعد مشروعا لإعادة الأمل واستعادة ثقة المواطن اعتبرت المعارضة أن المشروع يندرج في إطار منطق الاستمرارية ويفتقد إلى نظرة شمولية لحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية.