الجزائر "مغارب كم": نسرين رمضاني لم تختلف طريقة مقتل محمد مراح ،منفذ عملية تولوز، عن الطريقة التي لقي فيها أسامة بن لادن حتفه على أيدي "كوماندو أميركي" وكأن السلطات الفرنسية أرادت بذلك إقفال الملف الى ما لا نهاية دون محاكمة، رغم ما يشهد للآمن الفرنسي بالتفوق الكبير في فك اعقد العمليات، فهل لذلك علاقة بإغراض سياسوية خفية؟ والى أي درجة من "التطرف الإسلامي" يمثله هذا الشاب ذو ال 23 ربيعا، ما جعل القضاء عليه في أول فرصة سانحة أمرا مسموحا دون حساب أو عقاب؟. تنحدر أصول محمد مراح من ولاية "المدية" الواقعة على بعد 150 كيلومترا جنوب العاصمة الجزائرية، وهي من المناطق التي شهدت عمليات إرهابية كبيرة خلال العشرية الماضية في الجزائر ولد وترعرع في فرنسا ولم يزر بلده الأصلي سوى بعض المرات حسب اعترافات والده محمد بن علال، الذي انفصل عن زوجته عندما كان محمد في سن الخامسة من عمره. ويرى أقارب منفذ عملية تولوز، وحتى بعض الأصدقاء الجزائريين الذين كانوا يرافقونه خلال زيارته لبلده الأصلي ان محمدا، ابعد من ان يكون فكره متطرفا، رغم اقرارهم بدخوله السجن لأسباب متعلقة بالسرقة، لكن ان يصل الأمر الى حد اعتناق الأفكار المتطرفة للإسلاميين، فهذا ما لم يكن في الحسبان لا سيما بالنسبة لشاب ترعرع بين اقرأنه الفرنسيين، الذين أدلى بعضهم بشهادات تبعد عن المقتول أي شبهة التطرف. وحسب ما أفادت به السلطات الامنية الفرنسية، فان للمعني شهادة سوابق عدلية بها 18 قضية معظمها السرقة بالعنف، وهي الأعمال الإجرامية التي باشرها في سن 16 عندما طُرد من الثانوية، وتم إلقاء القبض عليه في عام 2005 وتوبع كقاصر، لأن سنه لم يزد حينها عن 17 عاما، لكن في سن 19 دخل لأول مرة السجن وقضى 18 شهرا بسبب سرقته للأفراد والسيارات باستعمال العنف. هذه المعلومات نفاها والده قطعيا، بالقول إن ابنه ليس مسبوقا قضائيا و ان كل ما في الأمر أنه سريع الغضب وفي كثير من الأحيان يدخل في ملاسنات ومناوشات تنتهي بمشاجرات فتتدخل الشرطة وتوقفه، لفترة محدودة، ثم تخلي سبيله، وهو ما تستند عليه العدالة الفرنسية في إدعاءاتها بأن له سوابق قضائية. وقد يكون محمد قد تعرض حقيقة الى غسيل مخ في السجن على أيدي متطرفين، مثلما قال خاله جمال عزيري، الذي يعيش في الجزائر، حيث اقر بشغف ابن شقيقته بالتعرف على الدين الإسلامي كما لاحظ تغيرا في سلوكه خلال زيارته للجزائر في المرة الأخيرة والتي تعود الى قرابة العامين. وقد يكون هذا الشغف قد زرعه فيه أخوه الأكبر عبد القادر المعروف بتزمته الديني، علما أن محمدا يعد سادس إخوته، له ثلاثة أشقاء يكبرونه سنا واختان ، يعيشون كلهم في فرنسا. في حين يعيش والده الذي انفصل عن أمه في الجزائر والذي سبق له حسب اعترافه دخول السجن أيضا عندما كان في فرنسا. وقد اعترف والد المقتول بان ولده كان احرص إخوته على أداء الصلاة وتعلم القرآن وانه خلال زيارته له في الجزائر، دخل محمد المدرسة القرآنية في منطقة "موزاية " الواقعة بولاية البليدة كما حاول الالتحاق بإحدى زوايا تعليم القرآن بولاية "تيزي وزو(منطقة القبائل)، لكن حاله دون ذلك تخوفه مما يتردد حول حقيقة تدهور الأوضاع الأمنية في المنطقة. ورغم تدين ولده، الا ان الاب يرفض ان تلصق بابنه صفة التطرف لاسيما بعد ان صنفته وزارة الداخلية الفرنسية ضمن لائحة المتطرفين الإسلاميين المنتمين إلى مجموعة أيديولوجية إسلامية سلفية متطرفة في شمال فرنسا، كما كذب جميع الإشاعات التي قالت بأنه قام في الماضي بعدة رحلات إلى أفغانستانوباكستان، مشيرا الى أنه دخل الجزائر خلال سنوات 2006، 2007، 2008، 2009، 2010، حيث زاره في مقر إقامته بولاية "تيارت" الواقعة غرب الجزائر، مشيرا الى انه في سنة 2010 طلب منه مساعدته على البقاء والاستقرار في الجزائر والزواج من فتاة جزائرية متدينة، تختارها العائلة ويقدم لها المصحف كمهر لها، إلا انه بعد ذلك غير رأيه و قرر العودة الى فرنسا. واذا كانت اعترافات الأب وأقاربه جاءت في سياق التعاطف مع فلذة كبدهم، إلا ان أترابه في فرنسا يستبعدون ان يكون لمحمد أي ميل ديني لاسيما وانه كان يحب الحياة ويستمع للموسيقى و يضع الأقراط ويصبغ شعره، وحتى زيارته التي قام بها الى باكستان دون أفغانستان، حسب ما اكدته والدته زليخة عزيري، كانت بغرض التقاء فتاة كان يحبها هناك، مما يعني استبعاد أي سلوك يوحي بان له علاقة مع تنظيم إرهابي. وفي المقابل فتح الرفض الجزائري بدفن جثة مراح في الجزائر وصمت السلطات الفرنسية إزاء هذا الموقف، تساؤلات حول هذه القضية وطريقة التعامل معها والحجم الأكبر الذي أخذته. فبغض النظر عن استغلالها في الانتخابات الفرنسية، الا ان مصادر تؤكد حقيقة ما أثير بخصوص تعامل المعني مع المخابرات الفرنسية التي عادة ما تستغل المسبوقين قضائيا لتكليفهم بمهمات، وان أكثر ما يعزز هذا الطرح هو رفض السلطات الأمنية الفرنسية عند محاصرتها له ببيته الانصياع الى طلبه القاضي باستقدام وسائل إعلام أجنبية للتحدث معها، فكان ان قضت عليه مباشرة ربما لتفادي كشف ما كانت لا تريد كشفه. وبما انها ألصقت تهمة الإرهاب على المعني، فقد وجدت في شقيقه الأكبر عبد القادر ذي التوجه السلفي أفضل وسيلة لإقناع الرأي العام بهذا الطرح، خلال القاء القبض عليه واتهامه بالتواطؤ في اعمال قتل والتآمر في الإعداد للقيام بأعمال إرهابية. ومن هنا لا يستبعد الاستغلال السياسي في هذه القضية تزامنا مع إطلاق الحملات المضادة للمهاجرين واقتناص ادنى اخطائهم، لدرجة تساءل احدهم قائلا "لماذا يركز الفرنسيون على تحديد أصول مهاجر ما عند ارتكابه لأبسط خطا، بينما تغاضوا عن ذكر الأصل الجزائري للاعب كرة القدم، زين الدين زيدان، طيلة مشواره الرياضي الحافل بالنجاحات في المنتخب الفرنسي؟"، كما ان الحجم الكبير الذي عمدت السلطات الفرنسية إعطاءه لها رغم وقوع قضايا أكثر دموية على أرضها يؤكد العديد من الشكوك حولها في وقت تصر فيه عائلة مراح على عدم الصمت.