استبعد مواجهة عسكرية مع المغرب.. وتوقع تضييقا اقتصاديا عليهما الرباط-عادل الشاوني خلص تقرير مفصل أعدته مؤسسة "بدائل" الإسبانية ، نشر ملخص عن محتواه أخيرا ، بخصوص "الوضع الأمني الشامل لإسبانيا في أفق عام 2020"إلى أن الخطر الذي يتهدد البلاد ، مصدره مدينتا سبتة ومليلية ،اللتان تحتلهما إسبانيا في شمال المغرب ، رافضة الانسحاب منهما منذ أكثر من خمسة قرون، رغم مطالبة المغرب لذلك سلما وحربا. وأرجع التقرير،الذي هيأته المؤسسة المختصة في إنجاز الأبحاث والدراسات ذات الطبيعة السياسية الراهنة ، والقريبة فكريا وليس تنظيميا من الحزب الاشتراكي العمالي الحاكم ، استمرار الخطر الماثل في المدينتين المحتلتين إلى سببين رئيسيين يتمثلان في كونهما مقترنتين بمعاني خاصة في أذهان المسلمين عبر أنحاء العالم . أما السبب الثاني ،فيعود في نظر معدي التقرير إلى عدم اهتمام الاتحاد الأوروبي بالوضع القائم في سبتة ومليلية، اللتين يعتبرهما "خاصرتين" هشتين في الجسد الأوروبي. ويناقش التقرير الذي نشرت خلاصته بعض الصحف الإسبانية وخاصة الصادرة في المدينتين المحتلتين ، احتمال أن تتحول المدينتان إلى ساحتي مواجهة عسكرية مع المغرب ، لكن محرريه يؤكدون أن المخاطر ليست حربية بل اقتصادية. ويتوقع التقرير أن يتعرض الثغران المغربيان المحتلان في المدى المتوسط إلى خنق اقتصادي نتيجة الشروع في تشغيل المشاريع التنموية الكبرى التي أطلقها المغرب في السنوات الأخيرة في شمال البلاد ولا سيما ميناء طنجة المتوسطي، والطريق الساحلية "المغرب العربي" التي ستربط شمال المغرب بشرقه ، مختصرة مائات الكيلومترات عن المسارات التقليدية الحالية. ويتحدث التقرير الذي وصفه ،أنطونيو كاماشو، كاتب الدولة الإسباني في الأمن ، ب"الجدي والمهم والدقيق علميا " ، عن خطر آخر يتمثل في الجانب البشري ، إذ يعتقد أن أغلبية سكان المدينتين ستصبح على المدى المتوسط من غير الأسبان ، ما قد يعرضهما لأزمة التعايش بين الأديان ومكونات السكان. وأمام هذا السيناريو الأسود الذي يرسمه التقرير ، فإنه يوصي السلطات الإسبانية أن تظل يقظة، وفي حالة استنفار دائم لمواجهة كافة المخاطر المحتملة،وذلك بتكثيف الحضور الأمني والاستخباراتي في المدينتين ، لكنه ينصح بموازاة مع ذلك بمد قنوات الاتصال مع المجموعات الإسلامية التي تدعو إلى الوئام والتعايش بين مكونات السكان في المدينتين. ويدعو التقرير في جانب منه إلى إيلاء الأهمية للجانب الاقتصادي والتنموي وابتكار أساليب لمقاربة مشكلة سبتة ومليلية في إطار إقليمي شامل من شأنه المساعدة على خلق فرص وشروط التنمية الاقتصادية وضمان الاستقرار الاجتماعي في الضفة الغربية القصوى للبحر الأبيض المتوسط. وينطلق التقرير من مسلمة أن المدينتين قطعتان من التراب الإسباني ، ومع ذلك فإنه يقر أنهما مرتبطتان برمزية خاصة في أذهان ووجدان المسلمين في العالم ، تذكرهما بالوجود العربي الإسلامي في الأندلس ، حيث كانت سبتة المعبر الإجباري إلى الفردوس المفقود ،حيث امتدت حضارة الأندلس لتشملها فعرفت المدينة نهضة اقتصادية وازدهارا تجاريا ونشاطا فكريا وفنيا امتد لقرون. وعلى عكس استنتاجات التقرير المحذرة ، قلل رئيس حكومة مليلية المحتلة ،خوان خوصي إيمبرودا، من المخاطر التي وصفها التقرير ، قائلا إن سبتة ومليلية لا تختلفان بخصوص مشكلة الإرهاب عن أية منطقة إسبانية. واستدل إيمبرودا، وهو من الحزب الشعبي اليميني ، الذي يدافع بكل قواه عن الطابع الإسباني لسبتة ومليلية ، على رأيه بالتذكير أن الأحداث الإرهابية التي تعرضت لها إسبانيا ، جرت في قلب العاصمة مدريد في مارس 2004 .غير أن الحل الذي يقترحه حاكم مليلية، لا يخرج عن المنطق الاستعماري ، فهو يدعو إلى تعاون وثيق مع المغرب ، قائم على الصراحة ليفضي ذلك، من وجهة نظره ،إلى تسليم الرباط بالسيادة النهائية لإسبانيا على سبتة ومليلية ، وبعدها ينخرط البلدان في تعاون شامل، يحقق الازدهار الاقتصادي لمنطقة شمال المغرب ، ما من شأنه أن يبعد شبح المخاطر الاجتماعية في المستقبل. ويؤمن إيمبرودا أن ما يدعو إليه لن يتحقق إلا باندماج المغرب في الاتحاد الأوروبي ، مبرزا أن على إسبانيا أن تساند الرباط وتؤيد المغرب في هذا المسعى. إلى ذلك، يلاحظ أن التقرير ، وهو خلاصة بحث واستقراء ميداني ، أشرفت عليه مؤسسة بحثية مستقلة ولكنها قريبة من اليسار ، انطلق من فرضية مغلوطة لا تشكك في الطابع الاستعماري الإسباني لمنطقتين هما بحكم التاريخ والجغرافيا ، جزء من افريقيا وليس أوروبا. وكان يفترض حتى يكون التقرير منصفا وموضوعيا وشاملا أن تؤخذ بعين الاعتبار وجهة النظر المغربية في هذا النزاع العالق مع جارة المغرب الشمالية. لكن منجزيه قد يتلمسون العذر في أنهم يتعاملون مع الواقع كما هو وليس استنادا إلى الخلفيات التاريخية والسياسية والخلاف بين المغرب وإسبانيا. وعلى العموم ، لم يخرج التقرير عن ما توصلت إليه تقارير ودراسات مماثلة أنجزت منذ سنوات ، التقت كلها في التحذير المبالغ فيه من خطر البركان النائم في مدينتي سبتة ومليلية ووراءهما المغرب، وكأن هذا الأخير قوة عسكرية جبارة متربصة وبرأي خبراء ، فإن هذا المنحى في التقرير قد يكرس في المخيال الشعبي الإسباني، هاجس "الذعر " والارتياب من المغرب والمغاربة . وبدل أن تدفع مراكز البحث في بلد ديمقراطي مثل إسبانيا ، السلطات والرأي العام إلى التخلي عن الأفكار الاستعمارية القديمة ، فإنها توجه اللوم إلى أوروبا كونها أهملت الوضع في سبتة ومليلية، وتدعو بدل ذلك إسبانيا إلى تقوية الحضور الأمني، والإكثار من عناصر الاستخبارات بها.