لم يفاجأ متتبعو المشهد الحزبي في المغرب بالتطور الجديد الحاصل في الصراع بين قياديين في حزب التجمع الوطني للأحرار، ووصوله إلى القضاء، وذلك نظرا لما تعرفه كواليس هذا الحزب من شد وجذب بين بعض مسؤوليه. ومنذ مدة والخلافات مندلعة بين صلاح الدين مزوار، رئيس التجمع الوطني للأحرار، وعبد الهادي العلمي، عضو المكتب التنفيذي للحزب. ومما زادها اشتعالا، وصب الزيت عليها، بشكل أكبر، هو خروجها إلى العلن من خلال الحملات الإعلامية المتبادلة بين الطرفين. فقد نسب إلى مزوار قوله، إن هناك من خصص دعما ماليا كبيرا لإصدار جريدة تهاجمه، وذلك في تلميح إلى عبد الهادي العلمي، الرئيس المؤسس ليومية " الخبر" التي تصدر من الدارالبيضاء. ولم يسكت هذا الأخير، فقد خرج مؤخرا ليعلن في ندوة صحافية، بمدينة مراكش، أنه تقدم بدعوى قضائية ضد الحزب في شخص أمينه العام صلاح الدين مزوار، إلى رئيس المحكمة الابتدائية بالرباط، يطعن من خلالها بقرار فصله من الحزب لكونه مخالف لنص القانون التأسيسي. ووفقا لكريم الوافي مراسلنا من مراكش، فقد قال العلمي إن رجوعه إلى الحزب بات مستحيلا لكونه وصل إلى ما أسماه ب"اليأس الكبير"، ولا يمكنه العودة إلى توجهه، مؤكدا بأنه يعتزم تأسيس حزب جديد حداثي ليبرالي، أو الالتحاق بإحدى الأحزاب السياسية التي تؤتتث المشهد السياسي بالمغرب. وأوضح العلمي، بأن قرارطرده من الحزب، الذي يعتبره مبيتا ويستهدفه كعضو فاعل ومستقل وفي لمبادئ الحزب، لم يحترم القانون الأساسي للتنظيم، وأبسطها تخويله فرصة الإدلاء برأيه والدفاع عن نفسه أمام لجنة التأديب والتحكيم. يذكر أن دائرة الخلافات تتسع يوميا داخل "الأحرار"، على خلفية نتائج الانتخابات الأخيرة، التي يرى الكثيرون من المنتسبين للحزب أن مزوار يتحمل القسط الأوفر فيها،بسبب ما يعتبرونه "سوء التدبير للمرحلة"، سواء قبل الانتخابات أو بعدها، وانخراطه في تكتل الثمانية، بل وتزعمه له، واتخاذه قرار التموقع في المعارضة،دون الاستماع لرأي المجلس الوطني، يضاف إلى ذلك كله، استقالة عزيز اخنوش، وزير الفلاحة الحالي من الحزب، ونجيمة طاي طاي، عضو المكتب التنفيذي والوزيرة السابقة. واعتبر رشيد الطالبي العلمي، عضو المكتب التنفيذي للحزب، في تصريح صحافي أدلى به مؤخرا لصحيفة "الصباح" ، وجود الخلافات " مسألة طبيعية، لأن كل طرف يقرأ الإشكالات والتحديات المطروحة بمنظار معين، " حسب تعبيره. ولم يحمل البيان الصادر عن الاجتماع الأخير للجنة المركزية أي جديد، ماعدا أن المؤتمر الوطني سوف ينعقد في غضون ثلاثة أشهر، دون تحديد تاريخ محدد بالضبط، وهو الأمر الذي كان مزوار قد تطرق إليه من قبل. وكان مناضلو الحزب ينتظرون أن يسفر الاجتماع عن الإعلان عن إجراءات تنظمية جديدة لضبط عمل الحزب، أو تحديد موعد لعقد المجلس الوطني، الذي يطالب به الكثيرون منذ مدة،دون حصو ل أي استجابة، رغم وعود القيادة الحزبية. وقد أدت الخلافات إلى حدوث نزيف حزبي من خلال انسحابات جديدة لمناضلين من "الأحرار"، خاصة في كل من تارودانت واكادير، فقد التحق حوالي 200 مستشار جماعي من التجمع بحزب الاستقلال، احتجاجا على مااعتبروه سوء قيادة الحزب، في تلميح إلى صلاح الدين مزوار. وقالت مصادر حزبية إن هناك حوالي 20 رئيس جماعة بنفس المنطقة سوف ينسحبون من التجمع في اتجاه أحزاب أخرى، معبرين عن تذمرهم من الحالة التي وصلها الحزب، وباتت تهدد وجوده ومستقبله السياسي،مادفعهم إلى القفز من المركب قبل الغرق.