"ميدل ايست أونلاين" خيرالله خيرالله التعاون المغربي الجزائري يشكل حجر الزاوية في عملية اعادة الحياة الى الاتحاد المغاربي من جهة، والتصدي ل'القاعدة' بكل فروعها في منطقة تمتد على طول الشريط الصحراوي، من المحيط الاطلسي الى البحر الاحمر من جهة أخرى. ما الذي يجري في المغرب العربي؟ هل يمكن ان تؤدي التطورات الاخيرة، على رأسها خسارة الجزائر حليفها الليبي الذي بلغت به الوقاحة حدّ دعم جبهة "بوليسارو" الى تقارب مغربي جزائري؟ في كلّ الاحوال، يمكن اعتبار الاجتماع الذي انعقد حديثاً في الرباط بين الجانبين المغربي والجزائري على مستوى وزيري الخارجية في البلدين الجارين الطيب الفاسي الفهري ومراد مدلسي من الاخبار القليلة التي تثير بعض الارتياح. حصل الاجتماع على هامش اللقاء العربي الذي استهدف البحث في الوضع في سوريا حيث يتعرض الشعب المنتفض في وجه النظام لحملات قمع يندى لها جبين اي عربي يتمتع بحد ادنى من الشعور الانساني. ما يجدر ملاحظته ان الاجتماع بين الوزيرين انعقد في وقت بدأت الجزائر تتخذ مواقف اكثر واقعية في مجال السياسة الخارجية. فبعدما كانت بين الدول القليلة التي وقفت مع "جماهيرية" معمّر القذّافي الطيبة الذكر، وسعت الى حماية النظام فيها، انتقلت اخيراً الى الاعتراف بالواقع الجديد المتمثل بعودة ليبيا الى الليبيين. اما بالنسبة الى النظام السوري، فقد انضمت الجزائر اخيراً الى ما يشبه الاجماع العربي، اي الى الوقوف مع الشعب السوري وليس مع العائلة الحاكمة "الى الابد" في بلد نظامه، الى اشعار آخر، جمهوري...او هكذا يفترض! يبدو ان المنطق بدأ يتسلل الى القرار السياسي الجزائري. والمنطق يقول ان على من يدّعي الوقوف مع "حق تقرير المصير" للشعوب تفادي الانحياز الى الانظمة التي تحرم شعوبها او الشعوب الاخرى من حدّ ادنى من الحرية. وهذا يشمل في طبيعة الحال الصحراويين الموجودين في مخيمات داخل الاراضي الجزائرية. هؤلاء محرومون بالقوة والقهر من حدّ ادنى من العيش الكريم ومن حقّ العودة الى ارضهم في المغرب والتمتع بحق المواطنة الكاملة فيها بعيدا عن الشعارات الفارغة التي ترفعها جبهة "بوليساريو". هذه الجبهة التي ليست سوى اداة لشن حرب استنزاف على المغرب وصرفه عن التركيز على الحرب التي يشنها على الفقر والارهاب والتطرف بكلّ اشكاله وانواعه. فاذا كانت الجزائر مهتمة فعلا بقيام دولة مستقلة للصحراويين، لماذا لا تقيم هذه الدولة على ارضها؟ فالجنوب الجزائري جزء من المناطق التي يعيش فيها صحراويون فضلاً عن ان معظم سكان موريتانيا صحراويون! بعيداً عن الحساسيات ووهم الدور الاقليمي والمحاولات الهادفة الى المتاجرة بالصحراويين، لا يمكن لايّ تقارب بين المغرب والجزائر الاّ ان يصب في مصلحة البلدين وفي مصلحة الاستقرار في شمال افريقيا والمنطقة الافريقية القريبة منها. اكثر من ذلك، لا يمكن لايّ حرب على الارهاب ان تحقق نتائج ملموسة من دون تعاون مغربي جزائري. هذا ما يعرفه من يمتلك حداً ادنى من الوعي السياسي وفهم لطبيعة المنطقة التي يتحرك فيها الارهابيون. مثل هذا التعاون يشكل حجر الزاوية في عملية اعادة الحياة الى الاتحاد المغاربي الذي تأسس في العام 1989 من جهة، والتصدي ل"القاعدة" بكل فروعها في منطقة تمتد على طول الشريط الصحراوي، من المحيط الاطلسي الى البحر الاحمر من جهة اخرى. سيكون الاستمرار في عملية التقارب المغربي الجزائري امتحانا لقدرة الجزائر على الذهاب بعيداً في سياسة الانفتاح على محيطها بعيداً عن اي نوع من العقد. واذا كان الوزير الجزائري اعطى اشارات مشجعة في ما يخصّ متابعة الاجتماعات بين الجانبين، فما لا بدّ من ملاحظته انّ ساعة الحقيقة تقترب. عاجلا ام آجلا سيتبين هل تستطيع الجزائر اعادة فتح الحدود بين البلدين والسماح للجزائريين والمغاربة بحرية التحرك في المنطقة الحدودية؟ هذه الحدود مغلقة منذ العام 1994. حصل في البداية خطأ من الجانب المغربي الذي سارع الى اغلاق الحدود ردّا على عملية ارهابية كانت مراكش مسرحاً لها. سرعان ما ادرك الجانب المغربي ان لا بدّ من تصحيح الخطأ، فاذا بالجزائر تصرّعلى ابقاء الحدود مغلقة لاسباب لا علاقة لها بمصالح الشعبين لا من قريب او بعيد. الاكيد ان اغلاق الحدود يضرّ البلدين والشعبين ولكن ما العمل عندما تتغلب السياسات المرتبطة بتصفية الحسابات على كلّ ما عداها. ما العمل عندما يتقبّل المسؤولون في بلد معيّن الضرر الذي يلحق بشعبهم لمجرد ان هناك ضرراً يلحق ببلد آخر يعانون من عقدة تجاهه؟ ستكون اعادة فتح الحدود الامتحان الاول امام البلدين. ستمثّل خطوة من هذا النوع دليلاً على وجود رغبة حقيقية في فتح صفحة جديدة بين المغرب والجزائر. ان الفضاء المغاربي الرحب يتسع للجميع ويتسع خصوصاً لنقاش يقود الى تسوية في الصحراء الغربية، وهي صحراء مغربية. مثل هذه التسوية لا يمكن ان تقوم الاّ على الحل الوسط الذي طرحته الرباط والذي يحفظ ماء الوجه للجميع، خصوصا للصحراويين الذين يعانون منذ سنوات من وجود عدد كبير منهم في ما يشبه معسكرات الاعتقال التي تشرف عليها "بوليساريو". هذه المعسكرات تحوّلت اخيرا الى بؤر تحمي ارهابيين ومهرّبين. انه حلّ مبني على الحكم الذاتي الموسّع في اطار السيادة المغربية. يصبّ مثل هذا الحلّ في مصلحة المغرب والجزائر في آن نظراً الى انه يمهد لتعاون في العمق بين الركيزتين الاساسيتين للمغرب العربي الذي دخل مرحلة جديدة مختلفة كلّيا عن الماضي في ضوء التطورات التي شهدتها كل من تونس وليبيا. او ليس من من الافضل للمغرب والجزائر التعاطي مع التطورات التي تشهدها المنطقة يداً واحدة؟ ان التعاون المغربي الجزائري يفضي الى انتصار الاعتدال على التطرف في كلّ منطقة شمال افريقيا. هذا التعاون يساعد في اخراج المنطقة من اسر ما يسمى قضية الصحراء وهي قضية مفتعلة اصلاً لا هدف لها سوى ابتزاز المغرب لا اكثر ولا اقلّ.