في حفل شيق حضره ثلة من الكتاب العرب والمغاربة، وعلى وقع نغمات وأغان من موسيقى "الفلامينكو" التي وقعتها مجموعة "لا نيولا"، سلم الأديب المغربي عبد الكريم غلاب، درع اتحاد كتاب المغرب إلى الشاعر والروائي حسن نجمي، خلال تكريمه مساء الجمعة بالمكتبة الوطنية بالرباط. وسلم وزير التربية الوطنية السابق الحبيب المالكي، المحتفى به ملصق الاتحاد فيما سلمه صاحب دار المركز الثقافي العربي الذي نشر رواية "جيرترود"، تذكار الدار، مثلما سلمه الشاعر والفنان التشكيلي عزيز أزغاي، لوحة من إبداعاته وتناوب على المنصة سبعة كتاب وشعراء وروائيين ونقاد، تحدثوا ، كل من زاويته، عن تقنيات الكتابة الروائية عند حسن نجمي، مبرزين قدرته على تناول العديد من القضايا المعاصرة، كقضية الهجرة. وقال القاص والروائي المصري إبراهيم عبد المجيد، مقارنا الرواية والتاريخ، إن ما يميز رواية نجمي "جيرترود" محاولتها نقل القارئ من "الهنا " إلى "الهناك" وليس جلب التاريخ إلى الهنا. وفي معرض تعريفه ب"جيرترود" أوضح عبد المجيد أنها كاتبة أمريكية من الجيل الضائع، ما بين الحربين العالميتين مثل أرنست هيمنجواي وسكوت فيتز جيرالد، وارسكين كالدويل ووليم فولكنر وغيرهم. وأشار عب المجيد إلى أن علاقة محمد الطنجاوي ن أحد شخصيات الرواية ، ب"جيرترود" تقابلها علاقة السارد ب ، ليديا ألتمان، الأمريكية التي عملت ملحقة ثقافية في السفارة الأمريكية، مشيرا إلى أن" جيرترود كانت تعرف أن علاقتها عابرة بالطنجاوي تماما كما كان السارد يعرف أن علاقته عابرة بليديا. ومن جهته، رأى الشاعر والروائي محمد الأشعري، أن نجمي تناول الأمريكية "جيرترود" ليتحدث من خلالها عن مُوَاطنيها، أدباء ونقاد وفنانين وموسيقيين، الذين أقبلوا منذ عشرينات القرن الماضي على العواصم الأوروبية وعلى باريس تحديدا، بحثاً عن جذور منسية، أو عن كثافة مفقودة أو فقط تمهيدًا لملء المتاحف الأمريكية بأعمال تشكيلية لتلك المرحلة. وأضاف الأشعري أن "جيرترود" لا تشكل "روائيا" مسارا مبهرا بنى عليه حسن نجمي عالما مدهشا، يفترض أن يكون في كل عمل روائي، وبالمقابل فإن ما تعقبه الروائي من خلال جيرترود، هو تلك المرحلة التي عاشتها، أي ذلك العصر الذي اخترقته بجسدها وبروحها، وتلك الأمكنة المشحونة، المتأرجحة بين عتاقة الأحياء والأزقة والجسور والحدائق، وبين بدائية الضاحية الغجرية، ثم ذلك التزامن المذهل بين عبقريات مخلخلة للفكر وللوجدان أمثال المبدعين أبولينير و بيكاسو، ماتيس، غري، ماكس جاكوب، فرنسيس سكوت فيتزجراد، فرجيل طومسون، والعشرات من هذا العيار. كلهم كانوا يرتادون صالون جيرترود في باريس . وبعد أن أشار إلى واقعة الشعراء المغاربة الذين تحولوا إلى روائيين كمحمد الأشعري وفتيحة مرشيد وحسن نجمي، قال الناقد والروائي والقاص العراقي المقيم في تونس، عبد الرحمان مجيد الربيعي إن نجمي كان يعرف أنه لا يكتب رواية بقدر ما يعيد تشييد باريس في سنوات الثلاثين والأربعين من القرن الماضي. واعتبر الربيعي أن الرواية، رغم كونها تحمل عنوان "جيرترود"، التي عرفت "بدمامتها ومثليتها الجنسية " إلا أنها رواية محمد الطنجاوي بامتياز، الذي "ترك خطيبته الجميلة في طنجة، وأحرق سفنه باتجاه مدينة الضباب بحثا عن عاشقة عرفها ذات يوم في مدينة الشمس". وخلص الربيعي إلى أن محمد "اكتشف في النهاية أن حياته كانت على خطأ، وأنه ما كان عليه أن يفعل ما فعله". وأضاف أن نجمي نجح في استعمال التلميح بدل التصريح، وأنه لم يكتب الرواية لجيرترود بقدر ما كتبها عن الشعر والشعراء والكتاب والفنانين الذين حبلت بهم المرحلة وكذا عن" محمد" الذي يمثل كل طالب أو عامل محروم من الكرامة، يختار الجنة الأوروبية قبل أن يصطدم بالبؤس والممارسة التمييزية. و طرح حسن بحراوي سؤالا أرقه كثيرا بخصوص الهجرة المتزايدة من الشعر إلى الرواية، حيث قال: "لماذا يستطيع الشاعر أن يهرب إلى الرواية بينما يعجز الروائيون عن كتابة بيت شعري?". واعتبر بحراوي أن رواية جيرترود تعتمد على تقليد روائي عريق، يعتمد العثور على صندوق من الوثائق، فنجمي لا يقتصر على وثائق محمد الطنجاوي بل على وثائق أخرى مدته بها أمريكية معتمدة في المغرب، عن " جيرترود" وانتهى بحراوي إلى أن نجمي، أبرز من خلال روايته، معرفته الشاسعة بالشعر والفنون المتواجدة في فترة ما بين الحربين. أما الناقد نور الدين درموش فاعتبر أن علاقة محمد أي الطنجاوي بجيرترود، تتماهى مع علاقة حسن بليديا، التي تشكل مصفاة لجيرترود، معتبرا أن شخصية محمد الطنجوي غير ثابتة، إذ لم يسبق له أن أشهر اختلافه الثقافي في وجه جيرترود. أدار الجلسة النقدية القاص عبد النبي دشين تقع رواية "جيرترود" في 335 صفحة من القطع المتوسط، والغلاف عبارة عن صورة لجيرترود أنجزها الرسام الإسباني بابلو بيكاسو.