سادت الساحة المسرحية، موجة من التأثر، منذ الإعلان عن موت الممثل المسرحي المغربي، مصطفى سلمات، بعد صراع طويل مع المرض ألزمه الفراش مدة طويلة من الوقت، ابتعد خلالها عن الأضواء، لكنه ظل محفوفا بتعاطف المعجبين والأصدقاء. وجرى يوم أمس الثلاثاء تشييع جثمانه إلى مثواه الأخير، في مقبرة الرحمة بمدينة الدارالبيضاء، وسط حشد كبير من ألمع نجوم الفن والمسرح والتلفزيون، من الجنسين، فقد كان الفقيد محبوبا من طرف الجميع، نظرا لدماثة أخلاقه، وسلوكه المتزن بالبساطة والتواضع. تقول الممثلة زهور السليماني من وراء دموعها،التي كانت تنساب على خديها،خلال الجنازة، إنها تعلمت من الفقيد الشيء الكثير، ولاتنسى فضله عليها أبدا، مضيفة أنه لم يسبق له أبدا أن فاه بكلمة سوء في حقها او حق غيرها، بل كان عفيف اللسان،يأخذ بأيدي الجميع، وخاصة أصحاب المواهب الوافدة على الميدان الفني. ورغم تعب السنين، تحامل الفنان الطيب الصديقي، الذي يعتبر من اكبر أصدقاء الفقيد، وجاء لتوديعه،مرتديا جلبابا أبيض، وعلامات التأثر بادية على ملامحه،فقد ارتبطا معا بصداقة عميقة منذ أن تعرفا على بعضهما. وأبدى الصديقي إعجابه بقدرة الراحل على تجسيد كل الأدوار المسندة إليه، سواء فوق خشبة المسرح، أو أمام كاميرات التلفزيون والسينما، واصفا إياه بأنه من أكبر أسياد التشخيص في المغرب. ورحل الفقيد، قبل أن يكتمل المشروع الفني الكبير الذي ينهمك الصديقي منذ مدة في إنجازه، وهو بناء مسرح جديد في مدينة الدارالبيضاء، وقد كان يعلق عليه الفقيد أملا كبيرا في تنشيط الحركة المسرحية في العاصمة الاقتصادية. ولطالما كان سلمات يردد أنه من فرط عشقه للمسرح يتمنى أن يموت فوق الخشبة، لكن الصديقي كان يعاكسه مداعبا إياه بنوع من المزاح" يمكن لك أن تحقق امنيتك بالموت بتسليم الروح إلى خالقها فوق المسرح، اما أنا فأفضل أن أموت في فراشي في بيتي." وكانت علامات الوهن والتعب بادية أمس على ملامح الصديقي، الرجل الذي لم يفارق سلمات منذ ان تعرف عليه في الستينيات من القرن الماضي، وكان يعتبره بمثابة العمود الفقري لفرقته، ولا يمكن أن تكون هناك مسرحية جديدة من دون أن يتقمص سلامات دورها الأساسي. وكانت مسرحية "مدينة النحاس " التي انتجها الصديقي، منتصف الستينيات،علامة فارقة في مسيرة سلمات الفنية، ولطالما كان يفتخر بها، في أحاديثه، لأنها أتاحت له فرصة أول لقاء مباشر مع الناس على خشبة المسرح البلدي بالدارالبيضاء. بعدها تواصلت أدواره في المسرح، مع الصديقي،" سلطان الطلبة"، و" الحراز"، و"أبوحيان التوحيدي"،و" المقامات"، و" عبد الرحمان المجذوب"،و" رسالة الغفران"، غيرها. "صحيح، يقول أحد متتبعي المسار الفني لسلمات، إنه " كان يخطف نفسه بين الحين والأخر، للقيام ببعض الأدوار في التلفزيون والسينما، مثل " حوت البر"، وجنان الكرمة"،و" الدار الكبيرة"، إلا أنه سرعان مايعود إلى بيته الأصلي، ألا وهو المسرح، الذي كان يرتاح له أكثر، ويجد فيه ذاته". كما كان الفقيد متمسكا بجذوره، مما يدل على وفائه للإنسان والمكان معا، فقد بقي رغم اتساع دائرة شهرته،محافظا على السكن في بيته بالمدينة القديمة، محاطا بدفء معارفه وأهله وجيرانه ورفاقه، من دون أن يفكر لحظة واحدة في الابتعاد عنهم، نظرا لمعدنه الأصيل. وخلال الموكب الجنائزي تجدد الحديث، وسط مشيعي الفقيد مصطفى سلمات إلى مثواه الأخير، حول النهايات الدرامية، التي تعصف صحيا وماديا بالعديد من رجالات الموسيقى وأهل المسرح والسينما، في أخر محطات العمر،في غياب ضمانات حقيقية وقوية، توفر لهم الأمان، حين تنحصر عنهم الأضواء ، وتفاجئهم عاديات الزمن وتقلباته المزاجية مثل الطقس، مما يفرض ضرورة التفكير في صندوق يتكفل بهم، ويحافظ على كرامتهم ،ويوفر لهم كل حاجياتهم حين يعجزون عن العطاء الفني تحت ضغط المرض أو غيره من العوائق. رحم الله مصطفى سلمات،وجزاه احسن الجزاء على ماقدمه من جهد في تضحية ونكران ذات لفنه ووطنه.