الخاسر في منافسة رياضية كثيراً ما يتهم الحكم بالتحيز لفائدة خصمه. غير أن وضع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في تعاطيه وقضية الصحراء، يزيد عن مسؤوليته كحكم نحو رصد سلوك المتنافسين حتى خارج الملعب، بدليل ان موفده الخاص كريستوفر روس حين عاين الصعوبات التي تعترض المفاوضات المباشرة، دعا الى مباحثات غير رسمية، تكون في مثل اللعب خارج أطوار المباراة. ولعله مثل بان كي مون سيحتاج الى قدر أكبر من الترويض النفسي والجسدي لمتابعة أشواط منافسات غير رياضية محتدمة. ما بين موقف الرباط الذي يميل الى بعض الارتياح وإبداء «بوليساريو» مزيداً من الانزعاج حيال التقرير الأخير للأمين العام، يكمن تباعد آخر يزيد من تعميق الهوة، فقد أقر بان كي مون بالمأزق الذي يعكسه تمسك الطرفان بمواقفهما، غير ان اتهامه من طرف «بوليساريو» بالتحيز يضيف طوباً وصخراً الى جدار الخلافات القائمة. في أكثر من مرة وجهت الأطراف المعنية سهام الانتقادات الشديدة ضد الوسطاء الدوليين الذين جربوا التعاطي وملف الصحراء من منطلقات عدة ذات خلفيات سياسية وقانونية. ولم يكن الموفد بيتر فان فالسوم الأول والأخير الذي انهالت عليه اللكمات يوم أقر بأن استقلال الإقليم خيار «غير واقعي». كذلك فإن الوسيط جيمس بيكر راوح مكانه بين ترحيب المغرب وغضب الجزائر و «بوليساريو»، ثم ارتياح الأخيرين وانتقاد الرباط الى ان اضطر الى الاستقالة. غير انها المرة الأولى التي يجد فيها الأمين العام للأمم المتحدة نفسه وسط سيل من ردود فعل سلبية، وقد يكون مصدر ذلك ان الفترة الفاصلة بين صدور تقريره واتفاق مجلس الأمن الدولي على قرار جديد دفعت في اتجاه ممارسة بعض الضغط، سيما ان التجارب أكدت ان مجلس الأمن غالباً ما يقر مشروع توصيات الأمين العام، طالما ان النزاع يندرج في خانة التوترات الإقليمية المطلوب حلها وفاقياً وليس عبر فرض حلول من فوق. وبقدر ما تبدو بعض هذه الانتقادات بمثابة تمارين تسخينية للإعداد لمباريات قادمة، بقدر ما ترسخ الاعتقاد بأن خيار المفاوضات يواجه صعوبات حقيقية، ليس أقلها ان مسؤوليات رعايته باتت عرضة للتفكيك. معنى ذلك ان المأزق لم يعد ينسحب فقط على تعارض المواقف بين التزام المغرب المضي قدماً في المفاوضات على أساس خطته منح الإقليم حكماً ذاتياً موسعاً، ورهن «بوليساريو» ذلك بمعاودة البحث في خيار الاستفتاء، وانما أصبح يطاول الإطار التنظيمي للمفاوضات، ومن غير الوارد احراز أي تقدم في مسار التسوية المتفاوض حولها في ضوء استمرار الشكوك في دور الهيئة التي ترعى تلك المفاوضات، أكانت رسمية أو غير رسمية. عندما راهنت «بوليساريو» على ورقة حقوق الإنسان التي تهم بضعة نشطاء في الإقليم الواقع تحت نفوذ المغرب كانت تسعى من وراء ذلك الى توسيع صلاحيات بعثة «المينورسو» لتشمل رقابة أوضاع حقوق الإنسان. والحال أن هذه المهمة تبقى من اختصاص لجنة الأممالمتحدة في جنيف، عدا ان مهمات البعثة المرتبطة أساساً بتثبيت سريان وقف النار محددة بقرارات صادرة عن مجلس الأمن. وما أزعج «بوليساريو» انه بدل أن يتضمن تقرير بان كي مون توصية بهذا المعنى جاءت دعوته صريحة الى إحصاء اللاجئين المتحدرين من أصول صحراوية المقيمين في مخيمات تيندوف. منطق الأشياء يفرض ان حقوق الإنسان لا يمكن تجزئتها عبر الكيل بمكيالين، وإذ يعبر بان كي مون عن قلقه حيال هذه الأوضاع في الصحراء فإنه يدعو بالقدر نفسه الى إحصاء السكان على الطرف الآخر، ولا يمكن الحديث عن أوضاع حقوقية صرفة من دون معرفة الأشخاص المشمولين بهذه المعايير، أقله على الصعيد الإنساني، ما دام الحل الكبير ليس قريباً. ليس من مصلحة «بوليساريو» ان تنحو في اتجاه العزلة، فقد أصبحت ضمن التطورات السياسية التي أدت الى بدء المفاوضات المباشرة شريكاً في الحل، تماماً كما بلورت دعوة كريستوفر روس الجزائر الى التعاون مع الأممالمتحدة في القضايا الأمنية والإنسانية لتكريس البعد الإقليمي في حل نزاع الصحراء. وما من شك في أن هذه التطورات لا بد من أن تفضي الى تسوية في حال توافر «حسن النية والإرادة السياسية» كما حدد ذلك بان كي مون. غير ان الدرس الواجب استيعابه يكمن في استحالة العودة الى الوراء. فقضية الصحراء وقد انجذبت الى مربع المفاوضات التي لا بديل منها لم تعد هي نفسها كما في محطات ما قبل إقرار هذا الخيار الذي يتعزز صوابه في أنه يبقى رهن المرجعية الوفاقية وليس أي شرط آخر.