ذهب رئيس جنوب أفريقيا إلى ليبيا ورحل، أما الأممالمتحدة فتشعر بالقلق إزاء ما يحدث ولكنها لا تتخذ أي خطوات لتحسين هذا الوضع. وقال حلف شمال الأطلسي إنه سيواصل القصف، ولكن معمر القذافي لم يعلن تخليه عن السلطة. ويسيطر الثوار على بنغازي، في حين تسيطر الحكومة على طرابلس. وبنهاية شهر أبريل (نيسان) الماضي، كان حلف شمال الأطلسي قد دمر أكثر من ثلث القدرة العسكرية للقذافي، ولكنه فشل في تحريك الخط الأمامي للمواجهة على الإطلاق، ولم يتغير أي شيء يذكر منذ ذلك الحين. وبعبارة أخرى، فإن الحرب الليبية – أو التمرد أو أيا كان المسمى الذي نطلقه عليها – قد وصلت إلى طريق مسدود، ولكن السؤال الآن هو: هل هذا الجمود هو شيء سيئ؟ في الواقع، يتوقف الأمر على الشخص الذي توجه إليه هذا السؤال. وقد كان السيناتور جون ماكين واضحا للغاية حيث صرح في أبريل الماضي لبرنامج «مع الصحافة» بأن الجمود من شأنه أن يجذب تنظيم القاعدة إلى ليبيا – أو غيره ممن قد يستفيدون من غياب السلطة السياسية. ولنفس الأسباب، طالب السيناتور ليندسي غراهام حلف شمال الأطلسي بمهاجمة القذافي مباشرة – بغية «قطع رأس الثعبان». وعلى الجانب الآخر من الطيف السياسي، دعا النائب دينيس كوسينيتش الرئيس إلى الانسحاب الفوري من ليبيا، على أساس أن المشاركة الأميركية طويلة الأجل هناك غير قانونية وغير دستورية – وأن الجمود، في حد ذاته، يعني التزاما طويل الأجل. وقد لعب الجيش الأميركي دورا في ليبيا بطريقة أو بأخرى منذ منتصف مارس (آذار)، ولكن لا تلوح في الأفق بادرة أمل إيجابية حتى الأسبوع الثاني من شهر يونيو (حزيران). يبدو الجمود شيئا سيئا، لأنه يجعل حلف شمال الأطلسي يبدو جهة غير فعالة. كما يبدو شيئا كريها، وهذا هو السبب في عدم وجود أي شخص يدافع عنه بصورة علنية. ومع ذلك، يشعر الكثيرون، على الأقل في الولاياتالمتحدة وبريطانيا، بالسعادة التامة إزاء السياسة المتبعة تجاه ليبيا، حتى لو لم يصرحوا بذلك، ولكنهم يلمحون إلى ذلك: منذ أسبوعين، أعلنت هيلاري كلينتون أن «الوقت ليس في صالح القذافي»، وأضافت أن العقيد الليبي لن يكون قادرا مرة أخرى على فرض سيطرته على البلاد. وبدلا من ذلك – أو هكذا تقول النظرية – سوف تبدأ العقوبات في «لدغ» نظام القذافي، وسيزداد نقص الغذاء والوقود، وسوف تزداد متاعب أتباعه، وسوف يتخلى عنه أصدقاؤه. وبالتالي، ومن دون تدخل عسكري مباشر من الغرب، سيتم الإطاحة بالقذافي، ويمكن للثوار ادعاء النصر، ويختفي حلف شمال الأطلسي. وفي أوروبا الأسبوع الماضي، قال الرئيس أوباما لنظرائه: في الواقع، إن هذه هي خطته، بل وحث مسؤولين من البلدان التي لا تشارك في التحالف العسكري بالانضمام إلى التحالف، حتى يكونوا في «الجانب الصواب» عندما ينهار نظام العقيد الليبي. وثمة نقطة أخرى تعضد هذه الحجة، والتي لم يتم الإعلان عنها أبدا وهي: إذا كان الوقت يعمل ضد القذافي، فهو يعمل كذلك لصالح الثوار، حيث يتيح لهم أن يتطوروا من الناحية السياسية، مما يعطيهم فرصة للتفكير في الهدف الذي يريدون الوصول إليه. كما سيتيح الوقت للثوار تطوير اتصالاتهم الخارجية وسلسلة التوريد: هناك سفن تحمل إمدادات الآن في ميناء مصراتة، وهو ما لم يكن ممكنا قبل بضعة أسابيع. إنها نظرية مثيرة للاهتمام، وأفضل للجميع: حملة قصف مستمرة ولكن بلا هوادة، ومساعدات إنسانية سخية، وتدريب للثوار، وقليلا من الصبر، ونتعامل مع القذافي من دون الكثير من الهرج والمرج على الأرض. وللأسف، لا يأخذ هذا السيناريو في الاعتبار بقاء القذافي في السلطة – ما هو الحافز الذي يجعله يترك السلطة؟–وتكاليف هذه العملية والتأثيرات السياسية الداخلية المترتبة على ذلك. في الواقع، لا أحد يقوم بنشر أرقام صحيحة، ولذلك من الصعب تقدير هذه التكاليف، ولكن صحيفة ال«غارديان» البريطانية قد قدرت تكلفة اشتراك بريطانيا في الحرب ب1.5 مليار دولار بحلول شهر سبتمبر (أيلول)، ونقلت الصحيفة مؤخرا عن محلل في الشؤون الدفاعية قوله إن الجيش البريطاني قد أنفق 500 مليون دولار حتى نهاية شهر أبريل وإن العمليات الجارية تتكلف نحو 50 مليون دولار أسبوعيا. وقد يصل الإنفاق العسكري الأميركي لهذه القيمة وربما يتعداها: وافق مجلس النواب يوم الجمعة الماضي على قرار يطالب، من بين أمور أخرى، بأن يعلن الرئيس عن رقم تقريبي لهذه النفقات. ورغم أن الكونغرس قد قاوم محاولة كوسينيتش لوقف الحرب فورا، فإنه لن يمر وقت طويل حتى يتناول شخص آخر هذه القضية. وقد لاحظ الجمهوريون الذين يدركون جيدا وجود عجز في الميزانية أنه يتم إنفاق مبالغ باهظة على حرب لا ينتصر فيها أحد. وفي مرحلة ما، سوف يشعر بهذا كل الشعوبيين أيضا. وأشك في أن أوباما يعرف ذلك، وأن هذا هو السبب في أنه نادرا ما يتحدث عن ليبيا على الملأ. وكلما قل الاهتمام بالمأزق الليبي، كلما قلت فرصة الشخص في طرح الأسئلة. وهنا يكمن الرهان: أن القذافي سيسقط قبل أن يقوم الكونغرس بالتركيز على تكاليف الحرب، وأن الحرب ستنتهي قبل أن يسأل العامة عن التكتيكات الحربية – وأنه لا أحد سوف يلاحظ عدم وجود خطة بديلة. فهل يورط القذافي نفسه أكثر أم يتنازل عن السلطة؟