مستقبل الوطن يبدأ هنا والآن، هنا في أجهزة الدولة، والآن في تزامن مع الحراك المتجه نحو الإصلاح السياسي. ولأن الربيع المغربي يزحف منذ عشرين فبراير، لا يوقفه شيء، بل حتى الإرهاب لم يأخذ منه سوى لحظات صدمة وألم، فإن الزحف يجب أن يفتح النقاش حول بعض العقليات التي تسير بعض مرافق الدولة، بذهنية متحجرة تتخوف من التغيير، بل تشكل قوى محافظة لأنها تدرك ان الإصلاح في البلاد، كما في الأوطان العربية، يقوم على قاعدة جوهرية وهي "ارحل". الرحيل سنة الحياة، في نهاية المطاف، ورحيل الفساد يبدأ برحيل المفسدين، لأن الأول تحصيل حاصل للثاني، وبالتالي فإن القطع مع مرحلة وبداية أخرى، يعني القطع مع عقليات ورجالات وأسلوب في تدبير دواليب الدولة وأجهزتها. لقد آن الأوان، لكي يفتح المغرب ورشا مواكبا لورش الإصلاح، الذي يسير فيه بلا تردد، وحان وقت تغيير منطق اللا منطق الذي ظل لسنوات طويلة يتحكم في زمام الأمور. يتعلق الأمر، بمجموعة من القوى النافذة التي آن لها أن تستريح قليلا وتفتح المجال لجيل جديد يقود الإصلاح اليوم، ليس من باب الاستئصال او الإقصاء، ولكن تجنبا لما هو أسوأ، ولنا في المحاكمات الجارية في الوطن العربي، جرس إنذار. المطلوب بناء مرحلة مختلفة تماما، ولهذا فإنه لا يصح أن يقوم الحرس القديم ببناء جديد، لأن الأمر يهم بنية قائمة الذات، بنية تعسفت في استخدام السلطة، واغتنت من اقتصاد الريع وألفت الاشتغال بالتعليمات الشفوية... وهي كلها عناصر لا تستقيم مع منطق الإصلاح الذي يقوده اليوم ملك البلاد. في أجهزة الدولة، كما في الأحزاب السياسية، لكل حادث حديث ولكل مرحلة رجالاتها، وحتى الأحزاب التي تطالب اليوم برحيل الولاة والعمال، بدعوى انهم من جزء الماضي، زعماؤها أنفسهم باتوا جزءا من الماضي، لان بعض هذه التنظيمات السياسية، تحولت الى مجرد كراس متنقلة تحمل الأشخاص أنفسهم، ضدا على الديمقراطية الداخلية التي تقتضي التناوب والتداول. إن الشعوب هي من يصنع التاريخ، وهي بذلك لن تقبل ان تتماهى عقليات الماضي مع المستقبل، أو تكيف مواقفها حتى لا يجرفها الإصلاح، لأنه قادم لا محالة، وكما يقال فالنهر يعرف مجراه.