رغم التصريحات والوعود الرسمية بتحسين مناخ الأعمال، فإن الجزائر لا تزال بعيدة عن المقاييس الدولية ولا تحسن استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وأضحى هذا الواقع يسري على معظم القطاعات التي تعاني إشكالا كبيرا يجعل من الجزائر حسب تقديرات منظمة الأممالمتحدة للتجارة والتنمية، من بين أضعف البلدان استقطابا للاستثمار بأقل من 3 مليار دولار. وفي الوقت الذي يتم فيه الإعلان رسميا بتسجيل عشرات المشاريع التي تبقى في خانة النوايا، فإن السوق الجزائرية تعجز إلى الآن عن ضمان استقطاب دوري ومنتظم للاستثمارات الأجنبية المباشرة، خاصة بعد أن اعتمدت السلطات العمومية تدابير اعتبرت جامدة في مجال التحويلات المالية وتطبيق قاعدة 51/49 في المائة. وتكشف أرقام الهيئات الدولية أن قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الفعلية لا تتجاوز ملياري دولار، بما في ذلك قطاع الطاقة الذي كان سابقا يجلب الكثير من المشاريع والأموال والاستثمارات. ورغم شروع وزارة التنمية الصناعية منذ سنتين في إعداد مخطط جديد لمناخ الأعمال بالتعاون مع البنك العالمي فيما يعرف ب "دوينغ بيزنس"، فإن التقييم الدوري لهيئة "بروتون وودز" يكشف عن عدم إحراز الجزائر في هذا المجال تقدما محسوسا، إلى درجة أن ترتيب الجزائر ظل يتقهقر إلى أدنى المستويات، مع إشارة الهيئة بأن أي تقدم لم يحصل في مختلف المجالات في انتظار صدور التقرير الجديد هذه السنة. في نفس السياق، يكشف آخر تقرير صادر عن منظمة الأممالمتحدة للتنمية والتجارة عن تواضع مستوى الاستثمارات الجزائرية الإجمالية، بما في ذلك تلك التي تخص قطاع الطاقة، حيث لم تتجاوز قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة 3 مليار دولار، وتفيد إحصائيات الهيئة الدولية أن معدل التدفقات المالية الأجنبية التي تستقبلها الجزائر تقدر بحوالي 1.9 مليار دولار، بينما يقدر متوسط التدفق المالي الصادر عن الجزائر تجاه الخارج والتي تمثلها أساسا استثمارات سوناطراك يقدر بحوالي 100 مليون دولار، حيث تراوحت ما بين 295 مليون دولار و318 مليون دولار سنتي 2007 و2008، وبلغ أعلى مستوى له في 2011 بقيمة 534 مليون دولار، ليتراجع بصورة كبيرة في 2012 على خلفية المشاكل التي واجهها مجمع سوناطراك بالخصوص. وغالبا ما تعتمد المنظمة الأممية على تقديرات فعلية أي الاستثمارات التي تتجسد، بمعنى أنها لا تعمد إلى الارتكاز على الجانب التصريحي الذي يركز على نوايا الاستثمار، حتى وإن لم يتم تجسيد المشاريع الاستثمارية. وعلى الرغم من التحسن النسبي للاستثمارات الأجنبية المباشرة حسب المجموع العام للتدفقات المالية التي قدرت بين 2010 و2012 بحوالي 23.264 مليار دولار مقابل 3.379 مليار دولار سنوات 2000، و1.561 مليار دولار سنوات التسعينات، فإن الجزائر مع ذلك تظل مرتكزة أساسا على نشاط أساسي هو الطاقة أي النفط والغاز والكهرباء، بينما تبقى قطاعات الصناعة وحتى الخدمات في مستويات ضعيفة، حيث تتردد العديد من الشركات الدولية في العمل في الجزائر بناء على القوانين المعتمدة وفرض قاعدة 51/49 في المائة بصورة شاملة دون استثناءات، وأضيف إليها قرارات تأميم لعدد من مشاريع الشراكة ونزاعات وصلت إلى أروقة القضاء الدولية، ما يزيد من مخاوف المستثمرين الأجانب.