محمد نبيل مخرج سينمائي ألماني من أصول مغربية مقيم في برلين. درس السينما والصحافة والعلوم السياسية في كل من جامعة ‘لافال' وجامعة ‘مونتريال' قبل أن يمتهن الصحافة والإنتاج السينمائي في كنداوألمانيا وروسيا. هاجر مرات عدة متنقلا بين مونتريال وكيبيك وموسكو وبرلين وعواصم أوروبية أخرى. غادر المغرب عام 2001 بعد تطليقه تدريس الفلسفة في المرحلة الثانوية، حيث عمل لخمس سنوات. محمد نبيل القادم من مجال الفلسفة والصحافة يدخل الإبداع السينمائي من بابه الواسع. التقته ‘القدس العربي' في آخر زيارة له إلى المغرب وأجرت معه الحوار التالي: ‘ حدثني عن دوافع تجربتك السينمائية، والعوامل الذاتية والموضوعية التي قادتك إليها؟ ‘ عشقت السينما وأنا طفل صغير، قبل أن اكتشف الصورة السينمائية بعد انخراطي في الجامعة الوطنية للأندية السينمائية في المغرب. هذه التجربة والعشق الطفولي دفعاني أكثر من مرة إلى الهجرة لدراسة السينما، لكن انتمائي الطبقي لم يسمح لي بذلك . أحسست أكثر من مرة بالغبن والحرمان مثل' العاشق المتيم، إلى ان هاجرت الى كندا عام 2001 . الهجرة والعشق سمحا لي باختراق عالم الصورة والبحث في ثناياها، فأنتجت أول فيلم قصير في مونتريال الكندية عام 2005 بعنوان ‘فيلسوف ‘، وأنتجت فيلمين وثائقيين بعد تأسيس شركتي للإنتاج في برلين (MIA PARADIES PRODUCTIONS). اشتغلت في عدة أعمال مسرحية وسينمائية كممثل، لمعرفة العمل السينمائي وخلفياته على الطريقة الفرنسية و الالمانية و الكندية. ‘ حسناً، ما هي'أهم الانشغالات التي تستأثر باهتمامك في مجال الفن السابع؟ ‘ السينما تقول كل شيء، وأنا عثرت فيها على حلمي الطفولي. اهتمامي بالصورة مقترن بمجال البحث و القراءة الذي بدأته منذ طفولتي. أهتم في أفلامي بالسؤال النسائي؛ إنه رهان وجمال وعشق دفين للحياة. ما أجمل العالم وهو يلبس لباسا أنثويا. ‘جواهر الحزن' آخر أفلامي الذي أنتج عام 2013 يعدّ فضاء لمعرفة المقومات التي أؤمن بها كضرورة جمالية وفنية في السينما . لا أؤمن بالقطيعة او الفصل بين المتخيل و الواقعي في السينما . عندما أنتجت فيلمي التسجيلي المذكور ركزت على عناصر الجمال والفن السينمائيين . المتخيل حاضر في فيلمي الوثائقي، وهو من العناصر ضرورية لتأثيث الصورة كالشعر والطرب والإيقاع والمقام وتأطير الصور والأصوات وغيرها. إنني أوظف عناصر جمالية لتبليغ العلامات بالمعنى السيميولوجي للجمهور. ليس بالصدفة أن أهتم بقضية إنسانية كموضوع المرأة،' فبحثي الجامعي انصب على موضوع المرأة والجنس ونصوصي النثرية كلها تتمحور حول المرأة و قضاياها. القضية ليس بمعنى الالتزام السياسي، ولكن بالمعنى الفني والجمالي. ‘السينما والفيلم الوثائقي هي رافعة للذوق الجمعي وتربية على ثقافة المشاهدة والإنصات. أرى ان حمولات الصورة تتناسب مع المسحة الأنثوية التي تضفي على الحكاية رونقا وجمالا، بالرغم من القضايا التي يتناولها مثلا فيلم مثل ‘جواهر الحزن'، كقضية الأمهات العازبات في المغرب، فيها من الحزن و الأسى ما يكفي . البؤس المقترن بالجمال هو رهان على التضاد والمزاوجة وخلق رؤية فنية متفردة تحمل بصمة المبدع أو الفريق المبدع ما دامت السينما هي باكورة عمل جماعي . ‘جواهر الحزن' يحمل بصمات ألمانية ومغربية، وهنا يكمن غنى الشريط. ‘ وأية أصداء تركتها هذه التجربة السينمائية لدى الجمهور والنقاد؟ ‘ من خلال عرض الفيلم في القاعات المغربية والإيطالية والألمانية، أحسست بأن الاهتمام حاضر بالقضايا التي تهم المرأة.' كان اللقاء في الدارالبيضاء على هامش عرض فيلمي في قاعة سينما ‘الريف' مثلا جميلا ومؤلما في نفس الوقت، رفقة الناشطة الجمعوية عائشة الشنا وحفيظة الباز وإحدى المشاركتين في فيلم ‘جواهر الحزن'. وبقدر ما ناقشنا الوضع النسائي والأمهات العازبات في المغرب، بقدر ما' كان مضمون التصريحات والنقاشات مؤلما.. لأننا بكل بساطة نتحدث عن وضع المرأة المغربية المؤلم. أما في مدينة فاس، فكان اللقاء بالطلبة، عبارة عن عودة إلى ذكرياتي بجامعة ‘ظهر المهراز′. أما في محطات طنجة و مكناس والقنيطرة، فقد كان الجدل حاضرا والتفاعل حيا مع الجمهور، وأنا مدين للجمهور المغربي في كل هذه المدن، حيث استفدت كثيرا، وهذا يغني التجربة ويعمق التفكير. أما في سياق المهرجانات الدولية، فكان لي، مؤخرا، لقاء مع جمهور مدينة توبنغن الألمانية (جنوبألمانيا) في مهرجانها الدولي النسائي، الذي عرف حضور موضوع المرأة المغربية والأمهات العازبات،' وعرف متابعة الصحافة الألمانية لشريطي ‘جواهر الحزن' باهتمام كبير في هذه المدينةالجنوبية. الشريط ‘يلقى تجاوبا مع الجمهور الأوروبي وتفاعلا فريدا يفاجئني أحيانا . وبالمناسبة، أشكر بحرارة الفريق الألماني الذي أخرج الفيلم في هذه الحلة الفنية والجمالية. ‘ معنى أن تكون فنانا في بلد المهجر كألمانيا؟ ‘ امتهان السينما في ألمانيا يتطلب المقاومة والصبر والمزيد من الخلق . المنافسة قوية جدا في بلد فيه طوفان من الإنتاج الثقافي والفني . ألمانيا بلاد ‘غوتنبرغ' مخترع آلة الطباعة و'غوته' الشاعر العظيم و فلاسفة امثال ‘ماركس′ و'نيتشه' و'هيدجر' و'هيجل' يجعلك أحيانا تصاب بالحيرة أمام السؤال، سؤال التقدم والتخلف. ‘فضاءات المانيا تسمح بالخلق، لكن لابد من ترسانة معرفية وخلفيات ونسج علاقات فنية تسمح للسينمائي بالخلق. أن تكون فنانا في ألمانيا يعني بالضرورة فرصة للتواصل والتفاعل. ومن حسن الحظ أن المغترب أو المهاجر زاده هو خلفياته الثقافية المختلفة التي تجد صداها في بلاد ‘كانط'، إن كانت بالفعل تحقق هذه الاصداء . أن تكون فنانا في بلاد المهجر الألماني يعني أن تلوح بصوتك وبغيرتك الإنسانية، يعني أن تجهر بدينك، دين الحب وعشق الحكمة والحياة. ‘ نظرتك لراهن السينما المغربية؟ ‘ كمخرج له انتماءات بالجمع، ألمانية ومغربية، وأعيش في بلاد الفنون وأستأنس بها يوميا، أقول هناك تراكمات كمية واضحة في الأفلام المغربية، لكن تظل النوعية تنقصها عناصر عديدة. لابد من التأكيد على وجود تجارب فردية جد متميزة . السينما في المغرب هي في بداياتها الاولى، وتحتاج الى استراتيجية ثقافية وفنية وتربوية متكاملة تطور الذات المغربية. الطريق طويلة ومفتاح التطور هو المشروع المجتمعي واستراتيجية تنفيذه على أرض الواقع. لابد من تأسيس وإعادة تأسيس البنى الفنية والثقافية من أجل وطن جميل تتربع فيه الفنون والثقافة على عرش الهرم المجتمعي. " ما هو مشروعك السينمائي المقبل؟ ‘ السجن بصيغة المؤنث في المغرب.'حكايات عن السجن والمرأة في مغرب اليوم . أتمنى ان تكون فيه الأيادي المغربية بالجمع لدعمه وإخراجه للوجود. القضية قضية المغرب والمغاربة. ‘المطلوب هو تجاوب المؤسسات المغربية والابتعاد عن لغة الوعود. الكل يعلم أن السينما صناعة وتحتاج إلى ميزانيات كبيرة، وعلاقتها بالمهاجر المغربي تحتاج الى وقفة حكيمة. فليس من المنطقي أن أجد دعما ألمانيا أو أوروبيا ولا أجده في المغرب، مادامت أعمالي تركز على قضايا مغربية بالأساس. فهل يحب الألماني المغرب والمرأة المغربية أكثر من المغاربة؟ إن الفنان المغربي المغترب يساهم في التنمية في المغرب مثله مثل بقية المواطنين المغاربة، والسينما تلعب دورا في صناعة و تشكيل الصور، وصورة المغرب تحتاج بالفعل إلى سياسة ثقافية و فنية جديدة، وخاصة اليوم .