في واحد من أهم الكتب الوثائقية التي خطّها رئيس بلد عربي، وهو في سدّة الحكم، يثير هذه الأيام الإصدار الجديد الكتاب الأسود، لصاحبه الرئيس التونسي المنصف المرزوڤي، ضجة كبيرة بلغت مصر ودول عربية وأوربية. ومهما قيل عن أن الكتاب هو تصفية حسابات قديمة أو حملة دعائية مسبّقة لانتخابات رئاسية قادمة في تونس، فإن المؤلف كشف بالأسماء الكثير من التونسيين ومنهم إدارة الترجي التونسي، التي كانت مهيمنة على المشهد الرياضي الإفريقي بفضل الأموال الطائلة، التي صبت في خزينة النادي الذي كان يقوده سليم شيبوب الهارب إلى الخارج، والذي بدأ يتحدث عن إمكانية عودته إلى تونس، ولكن المرزوڤي الذي طالته انتقادات من نظام السيسي في الأيام الأخيرة، عندما اتهم بتدخله في الشؤون المصرية بعد تصريحات قال فيها أن الانقلاب على حكم منتخب بطريقة شرعية هو عودة مصر إلى سنوات الظلامية والديكتاتورية، وقدّم بالأرقام وبالأسماء من وصفهم بالمرتشين الذين نهبوا أموال تونس من أجل تبييض صورة الرئيس الهارب رفقة زوجته ليلى الطرابلسي التي كانت صورتها لا تغادر الشرق الأوسط وروز اليوسف وحواء، منذ ثمانينات القرن الماضي. وكانت تونس تأخذ ثقافتها في عهد الرئيس الهارب، من الصحف العربية سواء الصادرة في مصر أو أوروبا الناطقة باللغة العربية، وكانت جميعها تتحدث تارة عن المعجزة التونسية التي أخرجت تونس من النار إلى الجنة، وعن عظمة الرئيس وزوجته أيضا، ولم يتوقف الحال عند هذه الدرجة، بل بلغ إلى حد تأليف عدة كتب دخلت المعارض الدولية وصوّرت تونس في زمن بن علي كأنها سويسرا أو يابان جديدة، الصدمة في مصر جاءت في ذكر أسماء على رأسها الإعلامي الناصري - كما يزعم هو - مصطفى بكري الذي كان رئيسا لجريدة الأسبوع الذي كان يتقاضى 20 ألف دولار نظير كتابات عن ازدهار تونس وحكمة رئيسها، كما كانت الأهرام التي رأس تحريرها الإعلامي إبراهيم نافع خادما للسياسة التونسية، عبر مقالات مقابل 35 ألف دولار كانت تُصب في حساب مجهول لإبراهيم نافع، الذي شغل العالم عام 2001 عندما اتهمته إسرائيل بمعاداة السامية ومنعته فرنسا من دخول أراضيها، ولم يجد المصريون وغالبيتهم من المطبّلين والمزمّرين لعبد الفتاح السيسي من وسيلة للرد على هذه الاتهامات الصريحة، خاصة أن المرزوڤي في منصب رئيس، وكتابه راهن على توثيق كل ما جاء فيه، الكتاب الأسود لم يلطخ بسواده أسماء جزائرية على المباشر، ولكنه أشار إلى جيران تونس وخاصة من المغتربين الجزائريين والمغاربة الذين بيضوا صورة الرئيس الهارب في فرنسا، وكانت الوكالة التونسية للاتصال الخارجي هي المسؤولة بالاتصال الخارجي لأجل تسويق سياسة بن علي، فتارة توجه دعوة للإعلامي أو الفنان أو الرياضي لزيارة تونس، فيقضي بعض الوقت في المركبات السياحية، فيردّ عبر مقالات أو كتب أو تقرير يأخذ نظيره مبلغا بالدولار، ومن هؤلاء، الكتاب المصريين البارزين مثل أسامة سرايا وأمين محمد أمين ولبنى نصار وعصام كامل، ضمن فضيحة تضاف لفضائح الإعلام المصري الذي انكشف في حربه العمياء بأمر من جمال وعلاء مبارك على الجزائر، ثم دعمه الغريب والمسيء لمصر لانقلاب عبد الفتاح السيسي، وتورطه في تبييض صورة الرئيس الهارب زين العابدين بن علي .. والبقية تأتي.