رحل مانديلا..الزعيم الجنوب الإفريقي الكبير، وأحد أعظم من أنجبتهم القارة السمراء في تاريخها الحديث. رحل مانديلا، الذي التقى مع غاندي في نفس الأهداف وإن اختلفت الوسائل. الإثنان معا كان يدافعان عن الحرية، بيد أن مانديلا كان لا يؤمن بأن الخيار السلمي وحده من يحقق المبتغى، فحمل السلح في وجه الظلم. عاش مانديلا طويلا ، وأمضى عقودا من العمل السياسي والمسلح وسنوات طويلة في السجن، ثم شهد بعد ذلك ثمرة تضحياته في مصالحة تاريخية أنهت نظام الميز العنصري "الابارتايد"، القائم في بلاده جنوب إفريقيا، ليصبح أول رئيس لفترة ما بعد تلك الحقبة السوداء في تاريخ البلاد وإفريقيا الحديثة. توفي مانديلا عن سن 95 عاما، قضى منها سنواته الأخيرة في هدوء وسلام استحقه الرجل بعدما أفنى شبابه وكهولته في النضال من أجل مستقبل أفضل للأجيال القادمة ومن أجل بناء مجتمع يساوي بين مواطنيه على اختلاف ألوانهم. اليوم يرحل مانديلا وقد خلف وراءه إرثا إنسانيا كبيرا، يضعه في مصاف زعماء القرن العشرين ممن ناضلوا للدفاع عن أسمى القيم والمبادئ الإنسانية كالحرية والمساواة، سواء كانوا زعماء سلميين كغاندي ومارتن لوثر كينغ أو ثوريين كتشي غيفارا ومحمد بن عبد الكريم الخطابي. ولد نيلسون مانديلا في قرية صغيرة شرق البلاد في سنة 1918. انخرط في العمل السياسي في سن صغيرة حينما التحق سنة 1943 بالمؤتمر الوطني الإفريقي حيث كان من المؤسسات لتنظيمه الشبابي. بعد حصوله على الشهادة في القانون أسس سنة 1952 بمعية أحد زملائه أول مكتب "أسود" للمحاماة، واستمر في العمل السياسي. بعد حظر المؤتمر الوطني الإفريقي سنة 1960 لجأ مانديلا وزملاؤه إلى العمل السري، قبل أن يقرر حمل السلاح بعد "مجزرة شارب فيل" التي راح ضحيتها 69 متظاهرا قتلوا برصاص الشرطة. اعتقل مانديلا بعد ذلك وتمت محاكته بتهمة السعي إلى قلب النظام. مانديلا، الذي رفض توكيل محام للدفاع عنه لم يرى من هو أفضل منه للدفاع عن نفسه. الرجل الذي كان يتمتع بكل صفات القائد من كاريزما وإجادة لفن الخطابة، توج للمحكمة قائلا: "لطالما حلمت بمجتمع حر وديمقراطي يعيش فيه كل الناس في تناغم ويحصلون على فرص متساوية". "إنه حلم أتمنى أن أعيش لأراه يتحقق. إنه أيضا حلم أنا مستعد من للموت في سبيله"، يقول مانديلا.