توفي اليوم بفرنسا الجنرال الفرنسي بول، الذي ارتبط إسمه بحرب التحرير الجزائرية حيث كان أحد الجلادين الذين قاموا بقتل وتعذيب جزائريين خلال تلك الفترة الدامية من التاريخ الجزائري الحديث. خبر وفاة أوساريس أعلنت عنه اليوم الأربعاء "جمعية قدماء المظليين" بفرنسا، دون أن يتم تقديم تفاصيل إذا ما كانت الوفاة قد تمت اليوم بحكم أن الجنرال الفرنسي السابق كان يرقد في المستشفى منذ مدة. مجد عسكري مبكر أوساريس، الذي توفي عن سن 95 عاما، كان قد خلق الحدث قبل 12 عاما حينما نشر في سنة 2001 كتابه "المصالح الاستخباراتية في الجزائر 1955-1957"، والذي اعترف فيه بتصفية جزائريين، وأن الأمر كان يتم بموافقة وأحيانا بإيعاز من السياسيين. ولد هذا العسكري، الذي منحته عملية فاشلة على عينه اليسرى هيأة مخيفة، بمنطقة "سان بول كاب دو جو"، عام 1918. أوساريس نشأ ضمن أسرة بورجوازية، وكان في شبابه تلميذا وطالبا نجيبا يحب قراءة مؤلفات الأدباء الكبار مثل راسين وفرجيل وبودلير. خلال الحرب العالمية الثانية التحق بقوات الحلفاء بالعاصمة البريطانية لندن وانخرط في سلك المصالح الاستخباراتية. الحرب شكلت فرصة للشاب أوساريس لتسلق مراتب المجد العسكري، وحيازة عدد من الأوسمة العسكرية وعلى رأسها وسام جوقة الشرف. أوساريس خرج من الحرب الكونية بطلا قوميا، وواصل بعد ذلك لعب أدوار مهمة في مسيرته العسكرية، منها المساهمة في خلق ذراع استخباراتي للجيش، قبل أن تسوقه إلى الهند الصينية ومن ثم الجزائر عام 1957 حيث تم اللجوء إلى خدماته لما راكمه من تجربة في المجال الاستخباراتي. "لست نادما على ما فعلت" بالجزائر كان بول أوساريس على رأس وحدة كان يسميها "فرقة الموت"، حيث كانت تقوم بمداهمات ليلية للمنازل واعتقال الأفراد وتعذيبهم وحتى وضع حد لحياة بعضهم. الجنرال الفرنسي اعترف بذلك سنة 2000 في عدة لقاءات صحفية مع وسائل إعلام فرنسية. وإن كان قد نفى أن يكون قام بتعذيب مواطنين جزائرين، إلا أنه أقر بقيامه بتصفية 24 منهم من دون محاكمة. الضجة التي خلقها أوساريس والاشمئزاز الذي صاحب اعترافاته كان كبيرا خصوصا وسط الجزائريين. الجنرال السابق لم يجد حرجا في القول أنه غير نادم على ما قام، وأن الجيش كان مضطرا لذلك لأن من تم تصفيتهم كان متورطين في أعمال إرهابية وتسببوا في مقتل أناس أبرياء من النساء والأطفال. الأعذار التي قدمها الجنرال الفرنسي لم تكن لتقنع الكثيرين، حتى من بين الفرنسيين، ممن ينظرون اليوم بعين أخرى إلى مجريات حرب التحرير الجزائرية. أوساريس تذرع بكون من تمت تصفيتهم لم تكن لتصل إليهم أيدي العدالة، فكان إعدامهم بالتالي حلا يختصر كل المتاعب ونوعا من إحقاق الحق في نظره. بول أوساريس لم يرى أيضا أن بلاده في ملزمة بالاعتذار عن كل ما خلفته من ضحايا خلال حرب الجزائر، وأن الأولى أن يتم نسيان ما حدث. تصريحات جعلته مدانا من كل جانب، وتسببت في تخلي أقرب المقربين عنه. بعد أكثر من 13 عاما على إثارته الجدل، مات أوساريس بعد أن شمله النسيان مرة أخرى قبل أن يعيد خبر موته الحديث عن ما شارك فيه الرجل الراحل من تصفيات بحق الجزائريين. لا أحد يعلم إن كان أوساريس قد ندم في آخر أيامه على ما قام به أيام كان جلادا بالجزائر، أم أن الرجل رحل عن الدنيا وهو ما يزال مؤمنا بعدالة جرائمه.