مسؤولة تعرف الرباط بالتجربة الفرنسية في تقييم العمل المنزلي للزوجة    حملة ليلية واسعة بطنجة تسفر عن توقيف مروجين وحجز آلات قمار    التهراوي يعطي الانطلاقة لمعرض جيتكس ديجي هيلث ويوقع على مذكرات تفاهم    جهة طنجة تطوان الحسيمة: إحداث أزيد من ألف مقاولة خلال شهر يناير الماضي    عودة التأزّم بين فرنسا والجزائر.. باريس تستدعي سفيرها وتقرّر طرد 12 دبلوماسيا جزائريا    ثغرة خطيرة في واتساب على ويندوز تستنفر مركز اليقظة وتحذيرات لتحديث التطبيق فورا    توتر غير مسبوق : فرنسا تتخذ قرارا صادما ضد الجزائر    المغرب يحصل على موافقة أمريكية لصفقة صواريخ "ستينغر" بقيمة 825 مليون دولار    أشبال الأطلس يتأهلون إلى نهائي كأس أمم إفريقيا على حساب الكوت ديفوار    نسبة ملء السدود بلغت 49.44% وحقينتها ناهزت 6 ملايير و610 مليون متر مكعب من الموارد المائة    إحباط تهريب 17 طناً من مخدر الشيرا في عملية أمنية مشتركة    دي ميستورا يدعو المغرب لتوضيح تفاصيل صلاحيات الحكم الذاتي بالصحراء والأشهر الثلاثة المقبلة قد تكون حاسمة    توقيف شبكة تزوير وثائق تأشيرات وتنظيم الهجرة غير الشرعية    مولدوفا تنضم إلى إسبانيا في دعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية    رغم خسارة الإياب.. برشلونة يتألق أوروبيًا ويعزز ميزانيته بعد الإطاحة بدورتموند    السفير الكوميري يطمئن على الطاوسي    الطقس غدا الأربعاء.. أمطار وثلوج ورياح قوية مرتقبة في عدة مناطق بالمملكة    بركة يعترف بخسارة المغرب كمية ضخمة من المياه بسبب "أوحال السدود"    تشكيلة أشبال الأطلس ضد كوت ديفوار    دي ميستورا يؤكد الدعم الدولي لمغربية الصحراء ويكشف المستور: ارتباك جزائري واحتجاز صحراويين يرغبون في العودة إلى وطنهم    مصرع سائق سيارة إثر سقوطها في منحدر ببني حذيفة    الرباط: رئيس برلمان أمريكا الوسطى يجدد التأكيد على دعم الوحدة الترابية للمملكة    اتفاقيات "جيتيكس" تدعم الاستثمار في "ترحيل الخدمات" و"المغرب الرقمي"    تحفيز النمو، تعزيز التعاون وتطوير الشراكات .. رهانات الفاعلين الاقتصاديين بجهة مراكش أسفي    حين يغيب الإصلاح ويختل التوازن: قراءة في مشهد التأزيم السياسي    العلوي: منازعات الدولة ترتفع ب100٪ .. ونزع الملكية يطرح إكراهات قانونية    توقيع اتفاقية شراكة بين وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة ومجموعة بريد المغرب لتعزيز إدماج اللغة الأمازيغية    أرسين فينغر يؤطر مدربي البطولة الوطنية    خريبكة تفتح باب الترشيح للمشاركة في الدورة 16 من المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي    فاس تقصي الفلسفة و»أغورا» يصرخ من أجل الحقيقة    دي ميستورا.. طيّ صفحة "الاستفتاء" نهائيا وعودة الواقعية إلى ملف الصحراء المغربية    الاتحاد الأوروبي يؤازر المغرب في تسعير العمل المنزلي للزوجة بعد الطلاق    حرس إيران: الدفاع ليس ورقة تفاوض    إخضاع معتد على المارة لخبرة طبية    لقاء تشاوري بالرباط بين كتابة الدولة للصيد البحري وتنسيقية الصيد التقليدي بالداخلة لبحث تحديات القطاع    عمال الموانئ يرفضون استقبال سفينة تصل ميناء الدار البيضاء الجمعة وتحمل أسلحة إلى إسرائيل    "ديكولونيالية أصوات النساء في جميع الميادين".. محور ندوة دولية بجامعة القاضي عياض    وفاة أكثر من ثلاثة ملايين طفل في 2022 بسبب مقاومة الميكروبات للأدوية    دراسة أمريكية: مواسم الحساسية تطول بسبب تغير المناخ    فايزر توقف تطوير دواء "دانوغلبرون" لعلاج السمنة بعد مضاعفات سلبية    إدريس الروخ ل"القناة": عملنا على "الوترة" لأنه يحمل معاني إنسانية عميقة    توقيع اتفاقيات لتعزيز الابتكار التكنولوجي والبحث التطبيقي على هامش "جيتكس إفريقيا"    الهجمات السيبرانية إرهاب إلكتروني يتطلب مضاعفة آليات الدفاع محليا وعالميا (خبير)    محمد رمضان يثير الجدل بإطلالته في مهرجان كوتشيلا 2025    فليك : لا تهاون أمام دورتموند رغم رباعية الذهاب    نقل جثمان الكاتب ماريو فارغاس يوسا إلى محرقة الجثث في ليما    قصة الخطاب القرآني    اختبار صعب لأرسنال في البرنابيو وإنتر لمواصلة سلسلة اللاهزيمة    المغرب وكوت ديفوار.. الموعد والقنوات الناقلة لنصف نهائي كأس أمم إفريقيا للناشئين    فاس العاشقة المتمنّعة..!    أمسية وفاء وتقدير.. الفنان طهور يُكرَّم في مراكش وسط حضور وازن    ارتفاع قيمة مفرغات الصيد البحري بالسواحل المتوسطية بنسبة 12% خلال الربع الأول من 2025    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    خبير ينبه لأضرار التوقيت الصيفي على صحة المغاربة    إنذار صحي جديد في مليلية بعد تسجيل ثاني حالة لداء السعار لدى الكلاب    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمين الزاوي: حين أقارن بين قارئ بالفرنسية وآخر بالعربية في بلد كالجزائر أشعر وكأنّني أمام شعبين
نشر في مغارب كم يوم 28 - 11 - 2013

آخر عمل روائي صدر للروائي أمين الزاوي كان روايته الجديدة التي اختار لها ''نزهة الخاطر'' عنوانًا. وحسب الزاوي فإنّ هذا العمل يشتغل على تيمات جديدة، ويستحضر شيئا من السياسي لمقاربته بالواقع. في هذا الحوار الذي خصّ به أمين الزاوي ''الشروق'' يجيب عن عدد من الأسئلة ذات العلاقة بالإبداع في الجزائر، ولا يتردّد صاحب ''الرعشة'' في نقد بعض الممارسات الثقافية، بين قوسين، التي أساءت للمشهد الإبداعي جزائريا وعربيا، كما يحاول مقاربة المسألة اللُّغوية في الإبداع الجزائري. ويؤكد الزاوي أنّه بالرغم من أنّ زمن ثقافة بريجنيف قد ولّى، إلا أنّ الجزائر لم تتخلّص بعدُ من مرحلة الممارسة البريجنيفية في الثقافة.
روايتك الأخيرة ''نزهة الخاطر'' تشتغل على تيمات قلت إنها مختلفة، حدثنا عن عملك الأخير، وما الذي أراد الزاوي أن يقوله روائيا من خلاله؟
أنهيت رواية جديدة باللُّغة العربية اخترت لها عنوان ''نزهة الخاطر''، صدرت في طبعة مشتركة لبنانية جزائرية، عن منشورات ضفاف بيروت ومنشورات الاختلاف الجزائر، و''نزهة الخاطر'' رواية تقارب ظاهرة الجنون، وارتباطه بالجنس والدين والتهميش والأسفار، رواية ''نزهة الخاطر'' تعيد ربط الرواية العربية الجديدة والحداثية بذاكرتها الشجاعة في التراث العربي الإسلامي، وهي وإن ترتبط بهذا التراث، إلا أنّها رواية تجري أحداثها ما بين حاضر الجزائر العاصمة وقرية صغيرة من قرى الجزائر اسمها باب القمر وأوروبا. رواية تستعرض قضية تبدو لي أنّها تُطرح لأول مرة في الكتابة الروائية العربية، وهي مسألة حب الأخ لأخيه حتى الاندماج الكلّي، حيث كثيرا ما يسكن الواحد نفس الآخر...
رواية ''نزهة الخاطر''، نصٌّ في الدين الشعبي البسيط والمتفتح على الحياة والاختلاف والثقافات، ومن خلاله تتبدّى الحياة الاجتماعية بكلّ عنفها الجميل.
رواية ''نزهة الخاطر''، هي نصٌّ يعرض أيضا لتاريخ الجزائر في العشر سنوات الأولى من الاستقلال، وهي أول رواية جزائرية تستحضر شخصية مصالي الحاج، مؤسس الحركة الوطنية الجزائرية الحديثة، وتحاول أن تقرأ ما عاناه هذا التيار السياسي بعد الاستقلال...
قلت إنّ الروائي العربيّ مفصولٌ عن تراثه، فهو يريد أن يكون مخنّثًا في الكتابة..، هل نستطيع القول إنّ الروائي العربي صار بلا موقف سياسي، خاصة إزاء جغرافيا التحوُّلات الاجتماعية الحاصلة عربيًا، فهو إذن مخنّث سياسيًا أيضا؟
لماذا أخفقت الحداثة الروائية في الأدب العربي؟ أعتقد أن هذا الإخفاق في الرواية، كما في الفكر، سببه أنّ ما أسس في العقل العربي الإبداعي أو التفكيري هو من ''المنقول'' أساسًا، فالعطب الذي يُصيب النص الروائي العربي يعود في بعض ذلك إلى كون الروائي غير مثقف معرفيًا، الرواية العربية تأسّست على الخطاب السياسي الغاضب، ولم تتأسّس على الخطاب الاجتماعي العارف، ولو كان الروائي العربي قارئا معرفيا، لعاد أساسا إلى التراث الفقهي الشجاع لاستثماره في مواجهة السلفيات الجديدة والتعصُّب المرضي في السياسة وفي الدين، ما في ذلك شك فقد حاول الروائي جمال الغيطاني مشروع العرفانية في الرواية، ولكن تجربته لم تأخذ البعد الذي تستحقُّه، من هنا أقول إنّ أية حداثة قادمة من قطيعة مع الذات وقائمة على قراءة مشوشة للآخر، وهذا نظرا لعطب في الترجمة إلى العربية، حيث إنّها متخلّفة لا تواكب ما يجري حولها، وأيضا تعيش رقابة ومقصا لا يرحم، هذه حداثة روائية معطوبة، وهو ما نحن أمامه الآن، إذ أصبح المثقف العربي لا يقرأ تراثه الشجاع، ولا يعرف تراث غيره أو يعرف قشوره أو المشوّه منه، القادم في ترجمات غير أمينة وخاضعة لرقابة أخلاقية وأمنية.
لذلك فما هو قائمٌ في الأدب من تخنيث، قائمٌ أيضا في السياسة، فالروائي العربي اليوم الذي كان ذات يوم يساريًا، تراه يتلهّف على المال ويكتب لذلك نصوصًا مليئة بالغموض السياسي والمراهقات الأيديولوجية والاجتماعية والانتفاخ اللُّغوي.
في حوار نادر أُجري مع مولود معمري منذ أكثر من ثلاثين سنة، سُئل عن مشكلات الكاتب الجزائري الذي يكتب بالفرنسية، فأجاب بأنّ أهمّ مشكلة هي مشكلة القُرّاء، لارتفاع نسبة الأميّة، ولذلك فأغلب قرائنا في الخارج..، من دون شك تغيّرت المعادلة اليوم، ومع ذلك يلجأ الروائيون الجزائريون الذين يكتبون بالفرنسية، إلى دور النشر الفرنسية، هل الدخول إلى القارئ الجزائري عبر البوابة الفرنسية ضرورة؟
شخصيًا أقول، وأنا الروائي الذي يكتب باللُّغتين العربية والفرنسية، وهذا ثابت من خلال ما أشهده في لقاءاتي مع القرّاء في المدن الجزائرية، شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، بأنّ القارئ باللُّغة الفرنسية وبعد أربعين سنة من التعريب، هو الأكثر حضورا والأكثر فاعلية وتفاعلا مع الرواية، ولم يعد القارئ بالفرنسية من الجيل القديم، بل إنّ ما ألاحظه وفي كلّ لقاءاتي ومناقشاتي وبيعي بالتوقيع، بأنّ القارئ للرواية الجزائرية بالفرنسية، أصبح خلال العشر سنوات الأخيرة من الشباب، وهذه ظاهرة تحتاج إلى تفكير وقراءة سوسيولوجية وسياسية وثقافية ولغوية،
هناك عودة إلى اللُّغة الفرنسية بشكل واضح في القراءة الروائية والأدبية بشكل عام، وبعيدا عن التفسير السياسي البسيط إني أقول إن المجتمع الذي يُقبل على اللغات الأجنبية مجتمعٌ ديناميكي، وقابل للتقدُّم، ولكن دون التفريط في لغاته الوطنية، للأسف فالكتابة بالعربية لا تحظى بذات الاهتمام في بلادنا، مع أنّ لنا كتابا متميّزين من الجيل الجديد، ولكنّهم يعانون نوعًا من التهميش، ولعلّ ما نقرأه هنا وهناك من بعض مظاهر الغضب التي تأخذ شكلا لغويا يؤكد بداية انقسام جديد في المجتمع الثقافي الجزائري على أساس لغوي.
ما هو مطلوب اليوم، هو إعادة ربط الجزائر بمحيطها الثقافي العربي، وخاصة محيط الكتاب، إعادة ربطها المتواصل بالكتاب العربي التنويري الجيّد، خارج مناسبة معرض الكتاب الدولي، الكتاب حياة مستمرّة ويومية، ونحن نعيش قطيعة واضحة مع سوق الكتاب العربي، سواء بالتصدير أو الاستيراد، فلا الكتاب الجزائري بالعربية المنتج في الجزائر يصل إلى المكتبات العربية، ولا الكتاب العربي يصل إلينا، وحال الكتاب بالفرنسية ليس أفضل من الكتاب بالعربية، لكن هناك عدة قنوات متاحة لتوصيل الكتاب بالفرنسية، منها العلاقة المعقّدة اجتماعيًا ولغويًا بين الجزائري والمجتمع الثقافي الفرنسي.
أمين الزاوي يكتب باللُّغتين العربية والفرنسية، هل ينطلق الزاوي من خلفية معيّنة عندما يكتب لقارئ يستهلك بالحرف العربي، وهل ينطلق عند الكتابة لجمهور يستهلك الإبداع بلغة موليير، من المنطلقات نفسها؟
أنا لا أخون قارئي، كان بالعربية أم بالفرنسية، أكتب بذات الحسّ التكسيري في اللُّغتين، أطرح ذات المشكلات وأقاربها بذات الرؤية دون خوف، أحترم القارئ العربي كثيرا، ولكنه يخيفني كثيرا، لأنني أشعر بأنّ له أحكامًا مسبقة، فهو يُصنّف النص الإبداعي من زاوية نظر غير أدبية، ونظرا لطغيان الثقافة الدينية الأيديولوجية الاستهلاكية، فالقارئ بالعربية ينطلق من هذه القاعدة لمقاربة النص الروائي الذي له منطقه الخاص به، لذا حين أقارن ما بين قارئ بالفرنسية وآخر بالعربية، في بلد كالجزائر، أشعر وكأنني أمام شعبين، وهذا ناتج عن غياب الثقافة النقدية في الثقافة الرائجة بالعربية عندنا.
عندما يقول الزاوي ''إنّه ليس المهمّ أن تُعجب رواياتي القرّاء.. المهمُّ أن أكون حرّاً..''، هل معنى ذلك أنّ الزاوي لا يرى في قارئه ما يدفع إلى هذه الحرية؟
أنا أكتب لا لأُرضي القارئ، أكتب لأقلقه، لأثير فيه أسئلة قد يخاف مواجهتها، الرواية التي لا تُعلّم النقد رواية فاشلة، الرواية التي لا تساهم في صناعة قارئ قادر على الاختلاف وقبول الآخر ورؤية نفسه في المرآة، هي رواية لا تُقدّم كثيرا للمجتمع الإبداعي. يهمُّني خلق ''تشويش'' لدى القارئ العربي الذي أصبح يعيش حالة من الطمأنينة الكاذبة، يهمُّني خلخلة القارئ الذي أضحى يتعامل مع الدين بطريقة سياسية، أن أجعله يطرح أسئلة أخرى ولكنّها من داخل المرجعيات التاريخية والمعرفية والإيمانية نفسها.
ازدهرت في فترة ما نقاشات حول موضوع المجايلة الأدبية في الجزائر، وأوشكت تلك النقاشات أن تتحوّل إلى عداوات، لكن ماانفكّت تخبو، هل معنى ذلك أنّ الأجيال الروائية تصالحت فيما بينها؟
الأدب لا يتقدّم أو يتأخّر في علاقة طردية مع عُمر الكتّاب، الأدب يتطوّر مع صناعة النصوص الجيّدة، يتطوّر أو يتأخّر مع دَرَبَة التجربة الفردية والتجربة الجماعية أيضا، لاتزال نصوص أدبية شعرية أو روائية تعود إلى عصور قديمة أو حديثة، حيّة ومعاصرة تُقرأ وتثير الأسئلة والتأويلات وتؤثر في الذائقة الفردية والجماعية.
أسمعُ بعض النقاشات الفارغة حول صراع الأجيال الأدبية، حيث كلُّ طرف يريد أن يعلّق إخفاقه على الآخر، أقول بأنّ ما يُميّز الكتابة هو الإبداع، فكم من الشيوخ يعيشون بعقلية مستقبلية ويُبدعون نصوصًا حداثية، وكم من الشباب عمرًا يعيشون بعقلية قروسطية تقليدية متجاوزة.
من الغريب أن يقف النقد الأدبي في الجزائر عاجزا عن مواكبة الحركية الإبداعية الروائية في الجزائر، ما الأسباب وراء ذلك برأي الدكتور أمين الزاوي؟
أعتقد أن الجامعة الجزائرية من خلال أساتذة النقد والأدب المعاصرين لا تقوم بدورها، فالنقد الجامعي غائب، والأستاذ الجامعي للأسف تحوّل إلى ''معلّم'' يكتفي بتلقين معلومات قالها ذات يوم طه حسين أو شوقي ضيف أو زكي مبارك أو محمود أمين العالم (مع احترامي لهؤلاء جميعا)... وانتهى الأمر، الجامعة معزولة، غائبة عن الحركة الأدبية الروائية في الجزائر، وهذا الغياب جعل النقد الصحفي البسيط يأخذ مكان النقد الجامعي، وأصبح الصحفي هو من يصنع الأسماء، والجامعة تتبع هذه الصناعة دون قراءة أو إعادة قراءة، بل تُكرّسها في كثير من المرّات دون مُراجعات. الجامعة الجزائرية عليها أن تتفتّح وتنفتح على الرواية وعلى الروائيين، خاصة أقسام اللغة العربية وآدابها، فهم على قطيعة شبه عدائية، في عموم المشهد، لا أتحدّث عن استثناءات بسيطة، فهناك أساتذة يحاولون ملاحقة المشهد الروائي كالأستاذ وحيد بن بوعزيز وعامر مخلوف ومونسي حبيب واليامين بن تومي ورشيد كوراد ولكنّهم قلّة، على قطيعة مع الإنتاج الروائي بالعربية وعلى العكس من ذلك، نجد أقسام اللغة الفرنسية وآدابها مرتبطة بالإنتاج الروائي الجزائري بالفرنسية، في النقد باللُّغة الفرنسية للرواية الجزائرية باللُّغة الفرنسية، نجد تجاوبًا ما بين النقد الجامعي الأكاديمي والنقد الصحفي، بل إنّ النقد الصحفي تابعٌ للنقد الجامعي.
طرح الزاوي في وقت سابق سؤالا هامًّا مفاده لماذا لم يُتوّج الأدب الفرانكفوني المغاربي بنوبل، وطُرح في محاولة الإجابة مشكلتان، أولاهما تتعلّق بكون هذا الأدب ظل أدب استهلاك موسميًا، وثانيهما تقلُّص إشعاع اللُّغة الفرنسية والآداب التي تكتب بها أمام ما يكتب، من رواية وشعر، في لغات صعدت فجأة كالصينية واليابانية والكورية والتركية.. هل معنى ذلك أنّ الأدب المغاربي المكتوب بالعربية أوفر حظًّا في التتويج بنوبل يوما ما؟
بدا لي من خلال قراءاتي للرواية المغاربية المكتوبة بالفرنسية منذ الجيل الأول الذي مثّله محمد ديب وإدريس شرايبي وألبير ميمي وكاتب ياسين ومالك حداد ومولود معمري ومحمد خير الدين وغيرهم، وحتى جيل أزمة العشرية الدموية في الجزائر، بدا لي بأنّ هذا الأدب مرتبط كثيرا بالمواسم السياسية والأيديولوجية من موقف المساندة أو موقف المعاداة، وشعرتُ بأنّ الرواية المغاربية تنقصها الرؤية الفلسفية، تفتقر إلى التأمُّل كأساس للكتابة الروائية، وأشعر أيضا أنّ الروائي المغاربي مثقّفٌ سياسيًا وتنقصه الثقافة الفلسفية والنفسية واللُّغوية التي بها يستطيع تقليب العالم على قراءات معقدة، بدا لي أيضا أنّ الرواية المغاربية بسيطة، والبساطة فيها ليست بساطة إبداعية، بل هي نتاج خلل ثقافي فلسفي، وربما هذا الخلل أيضا ناتج عن انقطاعها عن تراثها العربي والبربري، فغالبية الروائيين لا يقرأون بالعربية ولا يقرأون بالأمازيغية، فهم يمرُّون إلى عالمهم عن طريق الترجمة. كما أنّ الموضوعات التي تطرحها الرواية المغاربية هي موضوعات محليّة جدا، والمحلي هنا ليس ذلك الذي يدهش بارتباطاته الإثنية والدينية والنفسية، بل ذلك المحلي اليومي الاستهلاكي السياسي. وحين أقول هذا حال الرواية المغاربية المكتوبة بالفرنسية، فإنّ الرواية بالعربية ليست أفضل حالا، فهي أيضا عاشت ولاتزال رهينة السياسي الموسمي، والرواية الجزائرية بالعربية، مع استثناءات قليلة متميّزة تتمثل فيما يكتبه كلّ من بشير مفتي وسمير قسيمي وعبد الوهاب بن منصور وإسماعيل يبرير وربيعة جلطي، باستثناء هذه الأسماء فالرواية الجزائرية بالعربية فيها كثير من المراهقات السياسية والاجتماعية، و فيها كثير من الانتفاخ اللُّغوي الذي لا يخدم الفنّ الروائي.
بقي لي أن أقول بأنّ الروائية أحلام مستغانمي حقّقت شيئا أساسيًا في الأدب الروائي العربي، لم يسبقها إليه سوى نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس، إذ أنها صالحت ما بين القارئ العربي والرواية، وهذا إنجاز حضاري كبير.
مَن مِن الروائيين المغاربيين يصنع الاستثناء بالنسبة لأمين الزاوي؟
بالفرنسية تُعجبني تجربة بوعلام صنصال لما فيها من عمق أسئلة جديدة، خلَّصت الرواية الجزائرية من ''محليّتها'' العابرة، ودفعت بها إلى الموضوعات العالمية.
وبالعربية مازلت أعتبر الروائي المغربي المرحوم محمد شكري واحدا من أساتذتي بجرأته وثقافته الانسانية العالية.
سؤال أخير، هل صار المثقف العربي يعيش على ضفاف المؤسّسات الثقافية الرسمية، وهل معنى ذلك أنّنا دخلنا زمن الفردانية إبداعيًا؟
الدولة لا تصنع ثقافة، الدولة تحافظ على مؤسسات الثقافة التي من المفروض أن يعيش فيها المثقفون بنشاطهم ونقاشهم وكتبهم وتفكيرهم وتفكيراتهم، لقد مضى زمن ثقافة بريجنيف، وأشعر أنّ بلادنا لم تتخلّص بعدُ من مرحلة الممارسة البريجنيفية في الثقافة، فهيمنة الدولة وغياب المجتمع المدني واستقالة المثقفين وانتشار الثقافة الرسمية التي لا يثق فيها المجتمع، كلُّ هذه من مظاهر البريجنيفية الثقافية، مؤسسات الدولة لا تصنع ثقافة، مؤسسات الدولة تساعد المثقفين على إنتاج ثقافات (بالجمع) وتكون الحكم العدل بين الجميع، بهذا نستطيع أن ننتج ثقافة ومثقفًا يقف فيه المجتمع الذي يعيش فيه وله، على مؤسسات الدولة أن تعمل على تحويل الثقافة إلى أساس المواطنة بمفهومها الراقي الحضاري، حيث يتحقق الاختلاف والنقاش والاستماع والاحترام والعيش المشترك فكريًا واجتماعيًا وسياسيًا.
أمام هذا الوضع نجد النجاح الإبداعي العربي أو الأوروبي الذي يحقّقه بعض المبدعين الجزائريين لا يتحقّق من خلال مؤسسات الدولة ولا برعايتها، فما ترصده الدولة الجزائرية وبإرادة سياسية عالية، وهذا شيء إيجابي، يجب التأكيد عليه وتكريسه، من دعم للثقافة لا مثيل له في دول العالم العربي وحتى في بعض الدول الأوروبية، ولكن مع ذلك لم نستطع فرض الكتاب الجزائري في السوق العربية، ولا في السوق المتوسطية الأوروبية، ولا حتى الإفريقية، لا نسمع بدار نشر جزائرية حقّقت صوتًا في المكتبات العربية أو الفرنسية أو السينغالية، مع أنّ ما يُدفع لها شيء خارق للعادة، وكلّ ما حقّقه بعض الكتّاب وبعض السينمائيين الجزائريين من نجاحات يعود إمّا إلى دور نشر أجنبية عربية أو فرنسية، أو شركات إنتاج خارجية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.