اتفقت الحكومة والمعارضة في تونس على اعتماد مدونة سلوك لإدارة الحوار السياسي في ما بينهما خلال الجلسات الفعلية التي لم يجر الحسم في انطلاقتها المبرمجة مبدئيا اليوم الجمعة. وتضمنت مدونة السلوك كيفية الحسم في الخلافات السياسية، وطريقة تمثيل الأحزاب المشاركة في الحوار والتوقيع على محاضر الجلسات عند انتهاء جلسات التفاوض بين الفرقاء السياسيين. وتقضي مدونة السلوك بتمثيل كل الأحزاب المشاركة في الحوار بعضوين فقط، واشترطت دعوة رؤساء الأحزاب عند مناقشة المسائل السياسية الحاسمة. ويواجه الرباعي الراعي للحوار الوطني مجموعة من المعوقات لا تزال تعرقل الانطلاقة الحقيقية للحوار بين الحكومة والمعارضة، وسط أنباء عن طلب غير معلن حول إمكانية تأجيل انطلاق الحوار إلى ما بعد عطلة عيد الأضحى. ولم يجد الفرقاء السياسيون إجابة شافية عن مجموعة من الملفات من بينها إيجاد مخرج سياسي وقانوني للهيئة العليا المستقلة للانتخابات بعد إبطال المحكمة الإدارية لنتائج الفرز التي أجريت نهاية شهر يوليو (تموز) الماضي، وكذلك رفض مقترح بإشراف الهيئة، التي كان يرأسها كمال الجندوبي، على الانتخابات من جديد. كما تنتظر القيادات السياسية مراجعة القانون المنظم للسلطات العمومية (الدستور الصغير) خاصة في ما يتعلق بإنجاح المسارين الحكومي والتأسيسي (البرلماني)، حسبما ورد في خارطة الطريق المؤدية إلى الحل السياسي. يذكر أن انقسام أعضاء المجلس التأسيسي (البرلمان) إلى نواب «منسحبين» وآخرين «مرابطين» واختلاف رؤية الطرفين للحل السياسي وتراوح الأمر بين «الشرعية» و«الشارع»، جعل استئناف المجلس لأنشطته العادية كما نصت على ذلك خارطة الطريق أمرا مستحيلا لتمسك كلا الطرفين بمواقفه. ويطالب النواب المنسحبون (54 عضوا معظمهم من المعارضة) بضرورة استقالة الحكومة الحالية، وهو ما يمثل مأزقا فعليا أمام تطبيق خارطة الحل السياسي. ولم تعلن الحكومة بشكل رسمي عن موعد استقالتها. وكان 88 نائبا قد طالبوا الحكومة بعدم الاستجابة لمطلب الاستقالة، ورفض تدخل طرف خارجي في سحب الثقة من الحكومة التي لا يمكن استقالتها إلا بالتصويت تحت قبة البرلمان. ورغم جلوس الفرقاء السياسيين حول نفس طاولة الحوار، فإن معظم القيادات السياسية من الجانبين تشكك في طرق اتخاذ القرار خلال جلسات الحوار المقبلة، وترى أن «التوافق» المزعوم الذي أقر منذ تشكيل الحكومة بعد انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) 2011 قد أفضى إلى أزمة سياسية، وأن التطبيق الفعلي كان لمعادلة الأغلبية في مواجهة الأقلية داخل البرلمان. وفي هذا الشأن، أقر بلقاسم حسن، المنسق العام لائتلاف إنجاح المسار الانتقالي (مكون من 12 حزبا من بينها حركة النهضة)، باستحالة الاتفاق على مسائل سياسية شائكة في حضور 21 حزبا سياسيا يتفاوت ثقلها الحزبي والبرلماني، واقترح مبدأ «الوساطة والتحكيم»، وهو مقترح ما زال مطروحا على الفرقاء السياسيين. وقال ل«الشرق الأوسط» إن فرضيات تمطيط الحوار وربما إفشاله تظل واردة ما دامت العراقيل أكثر بكثير من الحلول، على حد قوله. في غضون ذلك، سارع مكتب حركة النهضة بصفاقس (350 كم جنوب العاصمة التونسية) إلى نفي العلاقة بين أحمد اللوز، الذي داهمت فرقة مكافحة الإرهاب منزله على خلفية الإعداد لعلميات إرهابية، والحبيب إدريس القيادي في الحركة وعضو مجلس الشورى. وأقر الحبيب إدريس ممثل حركة النهضة في صفاقس بانخراط أحمد اللوز في حركة النهضة سنة 2011، وقال إنه لم يجدد انخراطه بعد ذاك التاريخ. وأضاف إدريس في تصريح ل«الشرق الأوسط» أن حركة النهضة تؤكد تمسكها بتطبيق القانون، وتعد الانتماء لها لا يوفر حصانة لأحد، ولا يمثل في المقابل فرصة لتشويه قادتها والمنتسبين لها. ونفى إدريس ما راج حول إيقاف عارف المعالج، عضو مجلس شورى حركة النهضة الذي يشرف أحمد اللوز على مكتبه. وكشف إدريس، من ناحية أخرى، عن اختراق الشبكة الداخلية لحواسيب مكتب المعالج، ودس بعض الملفات التي تحتوي على خرائط لمواقع تونسية. كما تم على حد قوله تركيب محادثات إلكترونية بنية توريط أحمد اللوز ومن خلاله عارف معالج ومن ورائهما حركة النهضة. وتبدي قيادات حركة النهضة توجسا من إعادة السيناريو المصري في تونس وإبعاد تنظيمات «الإسلام السياسي» عن المشهد السياسي. وترى في مداهمة منزل أحد المنسبين القدامى لها محاولة لجرها إلى معارك واتهامات سياسية من جديد. وذكرت بعض المصادر السياسية المقربة من «النهضة» أن الوثائق الأمنية المسربة حول اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي تقف وراءها شبكة تعمل على إسقاط حركة النهضة، وهي مكونة من أمنيين وصحافيين ومدونين. وتحدثت عن قرصنة حاسوب أحد القياديين في حركة النهضة ودس ملفات وصور توحي بالتخطيط لعمليات إرهابية، ومن ثم ربط صورة حركة النهضة بالإرهاب تحضيرا لإخراجها من المشهد السياسي.