وفقاً لمسؤولين في مجال الاستخبارات، تُراجع «وكالة الأمن القومي» الاميركي محتويات عدد كبير جداً من الرسائل الإلكترونية والمراسلات التي يجريها الأميركيون، بحثاً عن معلومات عن أجانب خاضعين لمراقبة أجهزة الاستخبارات الأميركية. ولا يقتصر عمل «وكالة الأمن القومي» على رصد محتوى مراسلات الأميركيين مع أجانب مستهدفين، وهي ممارسة أقر بها مسؤولون حكوميون علناً، بل أنّ الوكالة تنصب شباكاً متقنة للأشخاص الذين يوردون معلومات عن صلاتهم بأجانب مشتبه بهم. ومنذ وقت طويل، يشيع أن الوكالة تُجري بحوثاً واسعة النطاق تطاول أشخاصاً يقيمون خارج أميركا، كما بات معروفاً انخراطها في عمليات تفتيش ممنهج، حتى من دون أذونات قضائية، لمراسلات أميركيين يعبرون الحدود، ما يزيد من نطاق عملياتها السرية. وثمة عنصر آخر في النقاش في عمليات التنصّت الإلكتروني ل «وكالة الأمن القومي»، الذي سعرّته تسريبات خبير المعلوماتية إدوارد سنودن، وهو أيضاً متعاقد سابق مع الوكالة. ويتّصل هذا العنصر بسؤال عن انتهاك الوكالة خصوصية الأميركيين، في سياق جمعها رسائل إلكترونية وبيانات عن هواتف كثيرة. ويؤكد مسؤولون حكوميّون أن الرقابة عبر الحدود مسموحة بموجب قانون صدر في العام 2008، هو تعديل قانون مراقبة الاستخبارات الأجنبية الذي وافق فيه الكونغرس على التجسس على الأراضي المحليّة من دون مذكرة، ما دام «الهدف» يتمثّل في أشخاص ليسوا من المواطنين. وبرزت تلميحات تشير إلى التجسّس في مجموعة من القواعد التي سرّبها سنودن، حول الطريقة التي لجأت إليها «وكالة الأمن القومي» في تنفيذ قانون مراقبة الاستخبارات الأجنبية. وتورد إحدى فقرات هذا القانون أن الوكالة «تسعى للاستحواذ على مراسلات مرتبطة بالهدف، شرط ألاّ تكون صادرة عن ذلك الهدف أو موجهة إليه». ونُشِرَت صفحات القانون عبر الإنترنت، على موقع صحيفة «ذا غارديان»، في 20 حزيران (يونيو) 2013. إلا أن الفقرة التي شكّلت دليلاً، وكانت القاعدة الوحيدة التي كُتب عليها «سرّي جداً»، من بين 18 صفحة كانت سريّة قبل تسريبها من قِبَل سنودن. عن مواقع التواصل الاجتماعي في سياق تنفيذ الرقابة، تعمل «وكالة الأمن القومي» على نسخ المحتويات والتفتيش في ما يشمل ظاهرياً، بريداً إلكترونياً ومراسلات نصّية أخرى، خارج الولايات المتحدّة. واللافت أن مسؤولاً كبيراً في الاستخبارات الأميركية تحدّث إلى «الغارديان» من دون الإفصاح عن هويته، أورد أن الوكالة تنسخ روابط إلكترونيّة من مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت، بهدف جمع مضامين الاتصالات. وفي هذا الصدد، أفاد اختصاصيون في المعلوماتية بأنه يصعب البحث عن مضامين المراسلات بصورة منهجية، من دون البدء بجمع كل البيانات النصّية عبر الشبكة، مع الإشارة إلى أن ألياف الإنترنت تعمل من طريق تشتيت الرسائل إلى حزم بالغة الصغر، تنتقل بسرعة الضوء ثم تتبع مسارات مختلفة كي تصل إلى وجهتها، ما يجعل من الضروري رصدها ومعاودة تجميعها. ولاحظ هؤلاء الاختصاصيون أن هذا النوع من الرقابة يقتضي أن يُصار إلى تفتيّش البيانات كافة، بحثاً عن كلمات معيّنة أو صور محدّدة، وبعدها يجري الاحتفاظ بتلك التي تتناسب مع ما هو مطلوب، كي يتمكّن محللون من التمعّن فيها لاحقاً. أما المراسلات المتبقية، فيتم محوها على حد تعبير المسؤول، مع العلم بأن العملية برمّتها تستغرق بضع ثوانٍ. ولاحظ هؤلاء أيضاً أن الكلمات التي يجري التفتيش عنها، غالباً ما تكون دقيقة جداً، ما يفرض أن عدد المراسلات التي تعتبر «بريئة» يكون ضئيلاً تماماً. وفي الوقت ذاته، تؤدي تغييرات تجريها شركات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، إلى إفراط غير متعمّد في جمع المعلومات، إذ تراقب «وكالة الأمن القومي» هذه المشاكل وتصحّحها، ثم تضع تقارير عن حوادث من هذا النوع للمشرفين عليها في الحكومة. وكشف بعض تسريبات سنودن أن مسؤولي الاستخبارات لا يكونون دقيقين عندما يدلون بتصريحات لطمأنه الرأي العام، كتلك التي تشير إلى أنهم لا يستهدفون الأميركيين بالرقابة الإلكترونيّة، إلا بمقتضى إنابات قضائية.