أجمع باحثون وإعلاميون ومتخصصون في الشأن الإفريقي، على أن المقاربة الأمنية وحدها، غير كافية للقضاء على ظاهرة الإرهاب، إذ لا بد من أن تكون مقرونة بتعاون إقليمي ودولي، وقرار سياسي يأخذ بعين الاعتبار الأبعاد التنموية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. لقد أثار برنامج "مباشرة معكم" على شاشة القناة التلفزيونية المغربية "الثانية"، في حلقته ليلة أمس، سؤالا محوريا، هو "لماذا وكيف أصبحت إفريقيا مسرحا للإرهاب الدولي"؟ وحاول كل واحد من ضيوفه ، إبداء الأسباب التي أدت إلى بروز الظاهرة بشكل خطير،أصبح يهدد مؤسسات القارة السمراء. وفي هذا الصدد، أشار عبد الله المحمدي، الكاتب والإعلامي الموريتاني، إلى أن المناخ العام، المطبوع بالتوتر، يلعب دورا كبيرا في تنامي نشاط ما يسمى بالحركات الجهادية،وسط مجموعات من الشباب تملك السلاح في منطقة صحراوية مترامية الأطراف. وأوضح المحمدي أن هناك أيضا عصابات ل"المافيا" تتحرك في مجال التهريب بكل أنواعه: السلاح والبشر والسجائر والمخدرات، إضافة إلى الاتجار بالفدية، مقابل إطلاق الرهائن،مما أدى إلى حصول هذه التنظيمات على أموال طائلة. وفجر المحمدي قضية من الخطورة بمكان، وهي أن العديد من الدول، وفي إطار الصراعات الإقليمية، ترى أن من مصلحتها أن تبقى هذه الأوضاع على ماهي عليه، لحسابات سياسية لدى قادتها. وبمنطق العارف بتضاريس القارة الإفريقية وجغرافيتها الشاسعة،تحدث الكاتب والإعلامي الموريتاني،عما يجري في دولة مالي، وتحديدا في شمالها، ،مبرزا أن العامل الخارجي له دوره وتأثيره في الأوضاع هناك، وخاصة من خلال ارتباطات تغذي المجموعات الإرهابية بالمال والسلاح،مشيرا إلى الجوار الجزائري. وقال المحمدي، إن شمال دولة مالي حرم من أهم المصادر الأساسي للدخل، وهو الجانب السياحي،وكذلك الوضع في شمال موريتانيا الذي تضرر كثيرا، و"بعض المدن أصبحت مهجورة"، وقد حاول الجيش الموريتاني سد الطريق أمام الجماعات الإرهابية، بعد تهديداتها للبلد . وبعد أن استعرض ماتشكله الجماعات الإرهابية، من خطر حقيقي يهدد أمن وسلامة واستقرار الدول الإفريقية، ركز كثيرا على ضرورة تكريس تعاون دولي وتحالف اقليمي حقيقي دون استبعاد بعض الدول،قصد استئصال جذور الظاهرة. ومن جهته، تحدث الموساوي العجلاوي، الباحث في معهد الدراسات الافريقية بالرباط،عن نشوء الحركات الإرهابية، من خلال خلفية تاريخية، وصولا إلى المرحلة الراهنة. وأكد أن الجنوب الليبي، ومنذ سقوط نظام العقيد القذافي، أصبح اليوم بؤرة من بؤر الإرهاب، ومنطقة من أخطر المناطق،بعد أن شهد تحولا في البناء التنظيمي للجماعات الجهادية، في ارتباطاتها بالقاعدة الأم. ووصف الموساوي ليبيا بأنها اليوم دولة فاشلة، في غياب المؤسسات،وهذا ما فسح المجال، في نظره، للجماعات الجهادية، لأن " تملأ الفراغ"، بتجنيدها واستقطابها للشباب،ليس في ليبيا فقط، بل في مجموع المنطقة المغاربية. ولمح إلى أن هذه الجماعات، التي بلغت مستوى كبيرا في التنسيق بينها، غدت ورقة لدى أجهزة بعض الأنظمة في دول الجوار،توظفها خدمة لأغراضها،بما تراه يصب في مصلحتها. وقال الموساوي إن "هناك مشكلا كبيرا في المنطقة إسمه الجزائر"، التي ترتبط حدودها بدولة مالي، على مساحة تمتد حوالي 1400 كيلومتر. ،وعن التدخل الفرنسي في دولة مالي، بدعم من بعض الدول الإفريقية،قال الموساوي إن ذلك القرار اتخذ من طرف باريس، في إطار سعيها للحفاظ على مصالحها،في المنطقة، للاستفادة من بعض المناجم، وفي غياب المقاربات الإقليمية. وطالب الموساوي دولة مالي بأن يتسع قلبها ليشمل جميع أبناء البلاد،وأن تعيد بناء مؤسساتها،للانطلاق من جديد في مسيرة تنموية واقتصادية واجتماعية وثقافية، منوها بمبادرة المغرب لتكوين أئمة من مالي، وما تكتسيه من أبعاد روحية. وبدوره،تطرق طلحة جبريل، الصحافي السوداني المقيم في المغرب، إلى العوامل المؤدية إلى انتشار ظاهرة الإرهاب، متوقفا بالخصوص عند الجهل والفقر والأمية وغياب العدالة الاجتماعية، وكلها أمور لايمكن أن تأتي إلا بالتشدد والتطرف، في منطقة لاموارد طبيعية فيها. وتحدث طلحة عن بروز الظاهرة في المنطقة، منطلقا من ليبيا، ومتسائلا في نفس الوقت عن تفرج الغرب، على الوضع هناك، مشيرا إلى أنه " حتى النفط خضع لسيطرة الميليشيات"، ولاحظ أن "لا فرق بين الصومال وليبيا"، وقال:" هناك فقر وهنا نفط". وذكر أن فكرة موضوع الساحل والصحراء هي من بنات أفكار القذافي، التي أطلق عليها " سين صاد"، في إطار بحثه عن التخلص من الحصار الذي كان مفروضا عليه بسبب قضية " لوكيربي". ووصف الوضع في ليبيا بأنه صعب، ومعقد جدا، بسبب غياب الدولة، نظرا لأن العقيد القذافي لم يبادر إلى بناء المؤسسات، وحتى الجيش لم يعد في ليبيا،هناك كتائب فقط. "لقد اقتربت ليبيا من العودة إلى القرون الوسطى"، هذه هي الخلاصة التي توصل إليها طلحة، فلا شرطة ولا أمن،لدرجة أن ليبيا باتت تهدد أمن مجموع أنحاء المنطقة. ولمواجهة ظاهرة الإرهاب في افريقيا، دعا طلحة إلى العودة إلى جذور المشكل، من خلال تعاون اقليمي،يهدف بالأساس إلى معالجة قضايا الفقر والوعي والتعليم،عبر مقاربة تنموية محلية بمساعدة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدةالأمريكية، خاصة في المناطق الأكثر احتياجا. أوسي موح لحسن، من جريدة " الأحداث المغربية"،حاول بدوره أن يلامس الموضوع من جميع جوانبه، موضحا أن المهربين في منطقة الساحل والصحراء، هم من تحالف مع الإرهابيين، وأن هناك تضاربا لمصالح قوى خارجية في المنطقة. و سجل المتحدث أن استمرار نزاع الصحراء،غذى بشكل كبير، تنامي الظاهرة، وقال إن العديد من المقاتلين تسللوا من دولة مالي إلى مخيمات تيندوف حيث استقبلتهم جبهة البوليساريو. ولاحظ أوسي موح أن استقطاب الشباب إلى التنظيمات الجهادية تنامى بشكل خاص في شمال المغرب، واضعا علامة استفهام عن عودة المقاتلين من سوريا،منبها إلى الخطر الذي باتت تشكله مراكز ومعسكرات التدريب في ليبيا وتونس،والتي ستغذي الحرب في منطقة الساحل والصحراء، مذكرا بالتهديدات الجديدة التي أعلنتها القاعدة مؤخرا، بعد تنصيب الرئيس المالي الجديد. وأكد أوسي موح على أهمية التعاون مع دولة مالي، الخارجة لتوها من الحرب إلى البناء، داعيا إلى بذل الجهود، خاصة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي،لمعالجة إشكالية الفقر والأمن الغذائي، مذكرا بكلمات وخطب الرؤساء في هذا الصدد، خلال حفل التنصيب. وشدد على ضرورة إيجاد تعاون جاد بين جميع دول المنطقة، للتصدي لظاهرة الإرهاب،ملاحظا في هذا السياق، انه قبل التدخل الفرنسي، لم يكن هناك أي تعاون، ملمحا إلى أن الجزائر تحاول دائما استبعاد المغرب، رغم أهمية دوره، من أي مجهود يروم القضاء على الظاهرة. ومن تونس، تدخل في النقاش، عبر الأقمار الاصطناعية، ناصر بن سلطان، رئيس الجمعية التونسية للدراسات الإستراتيجية وسياسات الأمن الشامل، فقال إن ظاهرة الإرهاب ليس جديدة، بعد أن عانت الجزائر منها منذ مدة. وعبر عن اعتقاده بأن إفرازات الوضع السياسي في دول ما سمي بالربيع العربي،ضاعفت من نشاط التنظيمات الجهادية، لاسيما بعد سقوط نظام القذافي، وانتشار السلاح في المنطقة. وأبدى المتحدث اتفاقه مع أفكار المشاركين في البرنامج، ملحا بدوره على أهمية التعاون الإقليمي والدولي لمكافحة الإرهاب،وقال إن غياب القرار السياسي،يحول دون الوصول إلى حلول ناجعة لمكافحة الإرهاب سواء داخل المنطقة المغاربية أوغيرها.